نشرت صحيفة “العربي الجديد” مقالاً حول تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل تحت عنوان “التطبيع يلتهم المغرب وجبة سامّة”.
وجاء في المقال: “يضرب التطبيع هذه المرة بلدا عربيا آخر، يقع بعيدا عن قلب الصراع العربي الإسرائيلي، بالمعنى الجغرافي للكلمة، المغرب، ليكون الدولة العربية الرابعة التي تطبّع مع الكيان الإسرائيلي في أقل من أربعة أشهر”.
وأشار المقال إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، استطاع أن يقتلع إعلان التطبيع من المغرب، قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض، ولا يدري المتابعون لماذا يفعل ترامب هذا كله في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة السياسية التي خسرها. الفرضيات التي يقدمونها تنحصر في اثنتين لا ثالث لهما، إما أن ترامب يُسدي ديْنا عليه بالمعنيين، السياسي والأخلاقي، فكأنه يدفع ما عليه تجاه دائنيه، كالتزامات ووعود مسبقة قطعها على نفسه منذ حملته الانتخابية الأولى (سنة 2016) التي أطلقها، وصعّدته رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.
وأضاف المقال: “وقد تماهى في الالتزامات التي صرح بها مع أكثر الأطروحات المسيحية الصهوينة تطرّفا. ويعلم الرؤساء الأميركيون، الجمهوريون والديمقراطيون، جيدا، أن أحد طقوس العبور إلى البيت الأبيض نيل رضى اللوبيات اليهودية هناك.. ولذلك تتم مغازلتهم وإبداء الولاء لهم.. وعادة ما يكون ذلك بأساليب ومفردات مختلفة من حزبٍ إلى آخر، ومن زعيم إلى آخر أيضا، غير أن ترامب قدّم النسخة الأنصع لهذا الولاء المطلق، وأضاف إليه تزلفا وتقرّبا لم تطلبه منه هذه اللوبيات.. الفرضية الثانية التي لا يستبعدها هؤلاء المحللون أن الرئيس ترامب يتغزل بهذه اللوبيات، ويعرض عليها دينا مسبقا، سيظل وفيا له، لو عاد إلى الرئاسة، وهو الذي ألمح، في أكثر من مناسبة، أنه سيخوض السباق الانتخابي سنة 2024. وأيا كانت الدواعي، استطاع ترامب أن يعرف من أين يأكل كتف التطبيع هذه المرّة، وقد اختار الجناح الغربي للوطن العربي، ليغرس فيه بؤرة تطبيع ثانية، تضاف إلى تطبيع موريتانيا”.
ونوه المقال إلى أن المتابع الموضوعي الحصيف لا يجد أي مبرّر طبيعي لهذا التطبيع، فهذان القطران العربيان لا يجاوران الكيان الإسرائيلي، ولم يعرفا علاقات “تاريخية” بينهما وبين دولة الاحتلال، ومع ذلك، يبرز للعيان عامل تاريخي وحيد في الحالة المغربية، يشير إلى كثافة النخبة السياسية الإسرائيلية المنحدرة من أصول مغاربية، ومنها من تولى مناصب وزارية عليا في دولة الاحتلال (وزارة الخارجية).. وتتشكل سلاسل هجرية لتلك الجاليات المغربية من أصول يهودية في فرنسا، فتنصهر في اللوبيات المؤثرة في السياسة الخارجية المغربية منذ عقود.
واحتفظ ملك المغرب دوما بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع تلك الحلقة، وظل باستمرار ولغايات عديدة، يحيط به مستشارون من تلك الأصول، وكان هذا يخدم رمزيا الملك، ويمنحه صفاتٍ عديدة يمكن تسويقها خارجيا، فالتسامح والتعدّد يمكنهما أن يكونا رأسمالا سياسيا وثقافيا مهما، لا أحد ينكرهما في سياق ارتفع فيه منسوب الكراهية والحقد بين متعصبين من مختلف الأديان، عبرت الهجمات الإرهابية عنه بشكل أعمى. ومع ذلك، السبب المباشر، أو هي العبارة المحبذة لدى المؤرّخين، كان صفقة ظالمة عقدها المغرب أخيرا، تسارعت وتيرتها، بعد أن بادرت دول عربية هرولت إلى التطبيع إلى تعيين قنصليات لها في مدينة العيون التي تصر جبهة البوليساريو على اعتبارها عاصمة لهذا الإقليم الذي ظل مصدر توتر في المغرب العربي، وتحديدا بين المغرب وجارتيها الجزائر وموريتانيا.
وفي هذا السياق الذي بادرت إليه دول أفريقية، وحتى عربية، إعلان قنصلياتٍ لها في مدينة العيون، يعلن الرئيس الأميركي اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع كامل للعلاقات الدبلوماسية بينهما، وأضاف أحد مستشاريه لاحقا أن الرئيس وقّع إعلانا يعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وسارعت الرباط إلى اعتبار قرار تطبيعها سياديا، حتى تحصّن نفسها من المؤاخذة بالمعنى القانوني للكلمة، ولكنها تنسى أن التطبيع ليس أمرا سياديا، بل هو أمر أخلاقي. لقد اشترت اعترافا من الولايات المتحدة بسيادتها على إقليم الصحراء الغربية، وباعت مقابل هذه الصفقة لإسرائيل وأميركا سيادةً على “إقليم” لم يكن تاريخيا تابعا لها، فلسطين.
وبحسب المقال، يبدو أن خطط التطبيع تقوم على قضم دول التخوم، بعد أن ضمّت دولتين من المحور بالمعنى الجغرافي، مصر والأردن، على اعتبارهما دولتي جوار مباشر للكيان الإسرائيلي. أفلحت هذه الخطط في مد لسان التطبيع العربي طويلا، حتى وصل إلى المغرب غربا وإلى البحرين شرقا، ليكون من المحيط إلى الخليج.
ويختلف تطبيع المغرب عن تطبيع الإمارات، فللمغرب نخب سياسية وثقافية مناصرة للقضية الفلسطينية، علاوة على حسٍّ شعبي ينبض بالتعاطف مع الفلسطينيين، ولكن يبدو أن الحسابات الإقليمية المعقدة والحادّة دفعت الملك محمد السادس إلى الذهاب إلى نقطة اللاعودة من التطبيع بعد علاقات دافئة مع الكيان الإسرائيلي، كانت من وراء حجاب، وليس مستبعدا أن يدفع هذا التطبيع إلى توترات إقليمية حادّة، فالجزائر لن تراه سوى نصل يغرس في خاصرتها الرخوة.
ويختتم المقال بالقول إن بلاغة “التطبيع هذا” قاسية وسامة: تصادف إعلان قراره مع 10 ديسمبر، الموافق ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ورئيس الحكومة المدعو إلى تنفيذ هذا هو سعد الدين العثماني، رئيس حزب العدالة والتنمية، الإسلامي التوجه، والذي شكلت القضية الفلسطينية أحد أبرز أركان خطاب حزبه. وأخيرا، ملك المغرب هو رئيس لجنة القدس التي تأسّست منذ سنة 1975.. التطبيع مرٌّ وتطبيع المغرب كان سمّا علقما.
اترك تعليقاً