مجلس النوب نسي منسياً منذ زمن طويل، وفجاءة وبدون مقدمات يلتئم بأكثر بمئة وعشرين عضواً ويعقد له جلسة خارج الوطن، مجلس النواب الذي انقسم منذ خمسة سنوات وأعطى لأعضاءه إجازات مفتوحة لقضائها في شرم الشيخ وأغادير وإسطنبول، وكلف الدولة أكثر من مليار ونصف دينار مرتبات وهدايا وسفريات، وسمح لنفسه أن يُعطل ببلطجي واحد ” فرج ابوعكوز” المتآمر مع رئيس المجلس عقيلة، يخرج علينا اليوم ليدافع عن الحرية والمحافظة على المسار الديموقراطي.
مجلس النواب الذي احتكره ثلة من النفعيين وصمت زملائهم عن غيهم؛ فوافق على تعيين حفتر قائداً عاماً للجيش وأيده في عدوانه على الكثير من المدن الليبية، فدمر بنيانها وقتل أبنائها وشرد شبابها ويتم أطفالها ورمل نسائها. اليوم تناسى أعضاء مجلس النواب كل ذلك وتصافح المجرم مع المتماهي النفعي.
من الناحية القانونية مجلس النواب ومجلس الدولة هما والعدم سواء تبعا للأحكام الصادرة من المحاكم القضائية الليبية، منها حكم المحكمة العليا ببطلان توافقات لجنة فبراير وكذلك محكمة البيضاء، فضلا عن انقضاء فترة وجودهم في المجلس.
ولكن ما الذي دعا هؤلاء للاجتماع وحفزهم على عقد جلسة في طنجة تم التحضير لها في ساعات؟ ولم يلتئم شملهم في ليبيا لستة سنوات عجاف.
الواقع أن هناك أمراً مهما أيقظ مضجع الكثيرين منهم، وهو عزم البعثة الدولية على إقصاء مجلس النواب ومجلس الدولة من المشهد الليبي بعد تشكيل الحوار الليبي الليبي (لجنة 75) والتي ستصبح هي اللجنة المنوطة لها ترشيح وانتخاب أعضاء الحكومة والمجلس الرئاسي والبحث عن صيغة دستورية للانتخابات القادمة، وبذلك تزول المرتبات العالية والسفريات والهدايا والعطايا، والاطلالة المسائية على الفضائيات، ويتوقف ادعاء الشرعية الانتخابية ويتجمد ادعاء إيجاد صيغة دستورية للانتخابات بعد تحديد موعدها وموافقة الهيئة الوطنية للانتخابات على ذلك.
إن اجتماع طنجة ليس إلا زواج منفعة (مسيار) بين متناقضين مختلفين فكراً وسلوكاً، وسوف لن يدوم طويلاً، كان هدفه سحب البساط من الهيئة الأممية لإلغاء لجنة الحوار الليبي الليبي، وما أن يجتمعا في ليبيا إن اجتمعا إلا وتبرز عدة مشاكل منها تغيير رئاسة مجلس النواب، ومشكلة مكان انعقاده ومعضلة تغيير النظام الداخلي والاتفاق عليه، وتغيير القانون الانتخابي للدستور المعوج، وكيفية المحاصصة في تقسيم المناصب السيادية، وكل ذلك يخيم عليه خيال حفتر والدول الداعمة له مثل مصر وروسيا والإمارات وقواته الضاربة في الشرق الليبي.
من عيوب النظام الديموقراطي إيصال النفعيين والمتسلقين إلى سدة الحكم، وقد تكون بعض الفرق الإسلامية وفكر القذافي محقان في ذلك نسبياً، فالديموقراطية أتت بهتلر وموسيليني وبوتن وأخيرا ترامب إلى حكم دول لسنوات عديدة، ولكن هذه الفترات بقيت من الصفحات السوداء عند تلك الأمم ولا شك أن فترة المجلس النيابي الحالي من هذا النوع.
هذه المجالس الثلاث؛ المجلس الرئاسي ومجلس النواب ومجلس الدولة هم المسئولون عن إطالة الحرب، فحين كان الليبيون الأحرار في الشرق الليبي يقارعون قوات الكرامة، غضت المجالس الثلاثة الطرف عن دعمهم حتى دمرت بنغازي ودرنة ثم استولى حفتر على الجنوب ووصل إلى 7 كيلومترات من قلب العاصمة طرابلس، وهؤلاء المجالس في سبات عميق.
دُمِرت البيوت وهُجِرت العائلات وأستبيح الوطن من كل شراذم العالم من مرتزقة كفرة وتجار الحروب وعبيد جوعى.
وعندما دعمت تركيا القوة الحية من ثوار السابع عشر المنافحين لحفتر وتم صدهم ودحرهم وإخراجهم بهزيمة نكراء لمسافة 450 كيلومتر شرق طرابلس في أيام معدودة، تحركت المجالس السابقة لإيقاف الحرب وإنقاذ حفتر وداعميه من الخروج من المشهد الليبي بالاتفاق مع روسيا ومصر والضغط على المقاتلين لإيقاف النار، وما كان ممكناً كسبه في تلك الآونة في ساعات يحتاج اليوم إلى أشهر بل يصبح مستحيلا.
اليوم نقدم نداء إلى أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة أن ترفعوا أيديكم وتتأخروا قليلا بل تتواروا عن المشهد لفترة من الزمن حتى يكون هناك دستور ومجلس نواب فاعل وحكومة منتخبة عندها لكم الحق في المنافسة الشريفة وليس التي عاهدناكم عليها مع استثناء القلة القليلة المؤمنة بالتغيير من أجل ليبيا افضل، أما الشعب الليبي وقواه الحية فيجب عليهم رفض خزعبلات المجالس المصطنعة والممددة لصلاحيتها لنفسهاـ، والمرء لا يلدغ من جحر مرتين فكيف إن كانت ستة سنوات من التنكيل باسم الشرعية الانتخابية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً