الولايات المتحدة تلوح بتجميد الأموال الليبية في الخارج

ليبيا على مشارف "وصاية مالية"
ليبيا على مشارف “وصاية مالية”

العربي الجديد

حذّر محللون اقتصاديون من تعرض ليبيا لما وصفوه بـ”الوصاية المالية الدولية”، في ظل تسريبات بأن الولايات المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين لوحت بتجميد الأموال الليبية في الخارج، وتشكيل لجان تشرف على إدارة الأموال الليبية، في ظل الحرب التي تشهدها البلاد وحالة الانقسام السياسي الذي أفرز جناحين للسلطة.

وامتدت الصراعات إلى المؤسسات النفطية والمالية في ليبيا، حيث تسلمت حكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، جميع حسابات الوزارات في طرابلس، وتقوم بالصرف من الميزانية على النفقات الحكومية، في حين تعقد حكومة عبد الله الثني، التابعة لمجلس النواب المُنعقد بطبرق، جلساتها في مدينة البيضاء، وتمارس عملها هناك، رغم حكم المحكمة الدستورية العليا الليبية، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعدم دستورية انعقاد جلسات هذا المجلس.

ويواصل محافظ المصرف المركزي الليبي، الصدّيق الكبير، مهام عمله في طرابلس، رغم عزله من قبل مجلس النواب بطبرق، في حين يمارس محافظ آخر للمصرف مكلف من قبل حكومة عبد الله الثني مهامه بمدينة البيضاء شرق البلاد.

وأصدر مصرف ليبيا المركزي بياناً الأحد الماضي، اعتبره مراقبون البيان السياسي رقم (1) للمؤسسة المالية الليبية الأكبر، وذلك بعد زيارة أجراها، المحافظ الصديق الكبير، للولايات المتحدة مطلع الأسبوع الماضي، التقى فيها مسؤولين بصندوق النقد والبنك الدوليين، وممثلين عن الحكومة الأميركية.

وذكر البيان أن أميركا والمؤسسات الدولية المذكورة، تعهدت بحماية المؤسسات السيادية المستقلة والتي يمثل المصرف المركزي عصبها الرئيسي، مشيراً إلى اتفاق الحكومة الأميركية والمؤسسات المالية الدولية على ضرورة دعم جهود تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في ليبيا.

وبحسب مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد” فإن الولايات المتحدة لم تقصر اهتمامها على المصرف المركزي، بل امتدّ إلى مؤسسات ليبية أخرى، كديوان المحاسبة الليبي الذي استطاع أن يقف على مسافة واحدة من الصراع الدائر، رغم انتماء مديره خالد شُكشُك إلى حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، وكذلك المؤسسة الوطنية للنفط، وهيئة الاستثمارات الليبية.

وبحسب خبراء، فإن ثمة رسائل سياسية عديدة يحملها بيان المصرف المركزي، تجاوزت لأول مرة في تاريخ المؤسسة المالية الليبية دورها المعروف، أولها أن المصرف سيحظى بالحماية الأميركية، وهو ما سيجعله ليس فقط فوق أطراف الصراع، أو حكومتي “الحاسي”، و”الثني”، بل “مؤسسة ليبية بإدارة أميركية”.

إلا أن مراقبين يرون أن الإدارة الأميركية تهدف إلى استخدام العامل الاقتصادي كوسيلة ضغط إضافية على أطراف الأزمة الليبية، إذ إن استمرار المرتبات والدعم السلعي ودعم الوقود والمحروقات دون انقطاع، يجعل قطاعاً شعبياً واسعاً غير معنيّ بحالة الحرب.

ويشير المراقبون إلى أنه إذا ما اختلّ الوضع المالي للدولة، وتوقفت المرتبات، ورُفع الدعم عن السلع والمحروقات، فقد يضغط سكان شرق ليبيا وغربها على أطراف الحوار للجلوس إلى طاولة المفاوضات حول الأزمة السياسية الجارية.

وينفق المصرف المركزي في ليبيا حالياً على الميزانية العامة، في ما يتعلق بالباب الأول الخاص بالمرتبات، والرابع المتعلق بالدعم، بينما جمد باقي الأبواب المتعلقة بالنفقات التشغيلية ومشروعات التنمية للحيلولة دون تفاقم عجز الموازنة.

وتشير بيانات المركزي إلى أن إجمالي الإنفاق منذ بداية العام حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني بلغ 38.5 مليار دينار (29.2 مليار دولار)، مقابل إيرادات بقيمة 19.2 مليار دينار (14.5 مليار دولار)، بعجز 14.7 مليار دولار.

وتوقع المصرف أن يصل العجز في الموازنة العامة خلال 2015 إلى 20 مليار دينار (15.3 مليار دولار)، بسبب الاضطرابات التي ساهمت في تراجع تصدير النفط المورد الرئيسي في البلاد، وانخفاض أسعار الخام عالمياً إلى النصف تقريبا منذ يونيو/حزيران الماضي.

وقال ماشاء الله الزوي، وزير النفط في حكومة عمر الحاسي، لـ”العربي الجديد”، إن الصراعات المُسلحة حول آبار النفط تقودنا إلى دقّ ناقوس الخطر على إيرادات البلاد. وأضاف الزوي أن الإيرادات النفطية كانت خلال 2010 نحو 47 مليار دينار (35.6 مليار دولار)، انخفضت خلال عام الثورة 2011 إلى 13.6 مليار دولار، قبل أن ترتفع إلى 45.4 مليار دولار في 2012، لتنخفض مجدداً إلى 30.3 مليار دولار خلال 2013، و14.3 مليار دولار خلال العام الحالي.

وأشار إلى أن ليبيا تسعى إلى رفع الدعم عن المحروقات خلال عام 2015، وذلك نتيجة لتدني الإيرادات النفطية في البلاد.
وانتقل الصراع في ليبيا بشكل واضح مؤخراً إلى النفط، بعد تبادل الأطراف المتحاربة الاستيلاء على حقول ومرافئ تصدير النفط، ما يجعل القطاع النفطي الذي تعتمد عليه الدولة في إيراداتها، وسط بيئة مرتفعة المخاطر، وفق محللين في مجال الطاقة.

كذلك سبق أن أعلنت وزارة النفط بحكومة طرابلس، أنها ستتخذ إجراءّ قانونياً ضد مشتري الخام، إذا تجاوزوا المؤسسة الوطنية للنفط التي تتخذ من العاصمة مقراً لها.

وجاء تحذير وزارة النفط في حكومة الحاسي، رداً على تعيين حكومة الثني رئيساً بديلاً للمؤسسة الوطنية للنفط في طبرق. وتسببت تعيينات الجانبين في إحداث حالة من الارتباك والحيرة بشأن من يسيطر على صادرات وإيرادات النفط في البلاد.

وتصنف ليبيا كثاني منتج للنفط في أفريقيا بعد نيجيريا، ويبلغ الاحتياطي النفطي بـ 47.1 مليار برميل، إلا أن الطاقة الإنتاجية الحالية تمثل 50% من الطاقة الإنتاجية الطبيعية للبلاد مقارنة بعام 2012 والتي بلغت وقتها 1.5 مليون برميل يومياً.

ودفع تراجع إيرادات النفط الذي تعتمد عليه ليبيا بنحو 90% من عائداتها، إلى اللجوء للاحتياطي النقدي. وقال علي شنبيش مدير إدارة البحوت والإحصاء بمصرف ليبيا المركزي لـ”العربي الجديد”، إن احتياطيات العملة الأجنبية انخفضت إلى دون 105 مليار دولار، بينما كانت 112 مليار دولار في بداية العام، فيما ذكرت تقارير إعلامية محلية الشهر الماضي أن الاحتياطي بلغ 70 مليار دولار.

وأضاف شنبيش أن ليبيا لديها موارد مالية تكفيها على المدى القريب في حدود عام ونصف العام، بعدها سيكون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض مطروحاً.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً