بوادر انقسام في الشارع السياسي التونسي

تونسيتان تقرآن صحيفة في العاصمة أمس(أ ف ب)
تونسيتان تقرآن صحيفة في العاصمة أمس (أ ف ب)

وكالات

تصاعدت حدة المواقف السياسية في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية أمس الأول الثلاثاء، وبدأت حالة من الاستقطاب السياسي تتسارع وتيرتها على نحو ينذر بالخطر إذا لم يتم تدارك هذه الحدة بين المرشحين الرئاسيين من جهة وأنصارهما من جهة أخرى.

فقد أثارت التصريحات التي صدرت عن المرشحين الرئاسيين التونسين الباجي قائد السبسي التي اتهم فيها غريمه محمد المنصف المرزوقي بأنه مدعوم من السلفية الجهادية وروابط حماية الثورة المنحلة قانونا، مذكرا بتصريحاتهم “العنيفة” بجعل تونس “حمام دم” في حال وصول مرشح “نداء تونس” إلى الحكم، والمنصف المرزوقي الذي صرح بأن فوز السبسي سيدفع البلاد نحو مرحلة رهيبة من عدم الاستقرار.. مخاوف من تداعيات سلبية لهذه التصريحات والمواقف الحادة التي اتسمت بها وتأثيراتها المستقبلية على المشهد السياسي بشكل عام والمواطن التونسي على نحو خاص.

والمتتبع للمشهد السياسي يستنتج أن هناك حالة من الاستقطاب بدأت في الظهور فور الانتهاء من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت خلال شهر أكتوبر الماضي والتي فاز فيها حزب حركة نداء تونس بالمركز الأول، تلته حركة النهضة التي حلت ثانيا.

وتم إقرار إحالة الصحفية التونسية نادية فارس اليوم الخميس إلى النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بعد جلسة استماع دامت حوالي ساعتين على خلفية تصريحاتها على الفايسبوك والتي هددت فيها بـ”حمام دم” في حال فوز المرشح الباجي قائد السبسي من الجولة الأولى في الانتخابات.

وكانت الساحة السياسية مؤهلة في ضوء التطورات والأحداث السياسية التي شهدتها تونس خلال الفترة الماضية لقبول نتائج السباق الرئاسي الذي جرى يوم الأحد الماضي والذي أشارت استطلاعات الرأي فور إغلاق صناديق الاقتراع إلى أن مرشح حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي يتصدره بنسبة مرتفعة وتلاه الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، غير أن النتائج النهائية التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أظهرت تصدر السبسي السباق بنسبة 39.46 %، فيما حصل المرزوقي على نسبة 33.43 % من إجمالي أصوات الناخبين بفارق نحو 6 %.

وفي الوقت الذي تستعد فيه تونس لإجراء الجولة الثانية من هذا الماراثون، سارع الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية إلى إعلان موقفها من دعم هذا المرشح أو ذاك، فيما أعلنت أحزاب أخرى أنها ستعقد اجتماعات لتحديد اتجاهاتها تجاه المرشحين خلال جولة الإعادة.

وفي الوقت الذي دعا فيه السبسي، حركة النهضة، إلى الإعلان بوضوح عن موقفها بخصوص دعم أحد المرشحين قائلا “لا يعقل أن يظل موقف هذه المؤسسة العريقة ضبابيا”، مؤكدا أن ما وصفها بـ “ماكينة النهضة”، اصطفت وراء المرزوقي، بدا موقف الحركة غامضا حتى الآن باستثناء الموقف الذي أعلنه زعيمها راشد الغنوشي من أن الحركة قد تجتمع خلال الأيام المقبلة وتعلن موقفها، وإشارته إلى أن الحركة قد تعدل موقفها خلال الجولة الثانية بعد أن كانت أعلنت التزامها الحياد خلال الجولة الأولى وعدم مساندتها أي مرشح.

واللافت في تصريح الغنوشي توقعه باحتمال أن تكون هناك أزمة سياسية على الأبواب، وهو ما يدفع إلى القول بإمكانية حدوث حالة من الاستقطاب قد تقود إلى انقسام سياسي.

وقوبلت الدعوة التي كان أطلقها المرزوقي بدعوة السبسي إلى مناظرة تليفزيونية فيما بينهما برفض رئيس حركة نداء تونس الذي وصفها بأنها ستكون بمثابة “تناطح كباش”.

من جهة أخرى، قال القيادي في حزب الجبهة الشعبية أحمد الصديق إن “الحزب سينظر غدا الخميس في مسألة تحديد موقفه بخصوص الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية”.

وأعلن المرشح الرئاسي كمال مرجان عن مساندته ودعمه للسبسي خلال الجولة الثانية، ودعا مناضلي حزب المبادرة الوطنية الدستورية وكل المنتمين إلى نفس المدرسة الإصلاحية الحداثية للتصويت له.

ودعا المرشح المنسحب من السباق الرئاسي علي الشورابي إلى ضرورة تكوين إئتلاف رئاسي لمساندة ومؤازرة السبسي، مؤكدا على ضرورة أن يتكون هذا الإئتلاف من حزب “نداء تونس” ومن شخصيات مستقلّة وحقوقية بمن فيهم من ترشح للانتخابات الرئاسية إضافة إلى بعض الأحزاب السياسية مثل حزب آفاق تونس وحزب المسار وهيئات المجتمع المدني المؤمنة بالدولة الديمقراطية العادلة والتقدمية.

وأعلن حزب المسار تأييده للسبسي في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، كما أعلن القيادي السابق في التحالف الديمقراطي محمود البارودي انضمامه إلى حملة السبسي الانتخابية.

وتوقعت مصادر إعلامية أن يتم عقد لقاء بين السبسي وسليم الرياحي الذي حصل على المركز الخامس في السباق الرئاسي للنظر في إمكانية دعم حزبه لمرشح نداء تونس.

كما أعلن حزب الخيار الثالث عن مساندته للسبسي باعتباره الأقدر على تسيير البلاد في هذا الظرف الدقيق والحساس.

ويرى الحزب أن الترويكا التي حكمت تونس عقب ثورة 14 يناير 2011 وخاصة الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي فشلت في قيادة البلاد على المستويين الداخلي والخارجي.. واعتبر أن المرزوقي لا يتمتع بالتجربة في المجال السياسي، وأحاط نفسه بأشخاص يفتقرون للخبرة.

واعتبر عدنان الحاجي عضو مجلس الشعب التونسي عن القائمة المستقلة أنه لايثق وغيره في المرزوقي الذي وصفه بأنه “العصا التي تستعملها حركة النهضة ومشتقاتها من الأحزاب” مشيرا إلى أن خطه أصبح واضحا كما بات جليا أنه موال للكرسي وغير مستعد للتنازل عنه.

وعلى الجانب الآخر، أعلن رئيس حركة “وفاء” عبد الرؤوف العيادي أن الحركة ستدعم المرزوقي خلال الجولة الثانية، ورأى أن المرزوقي قاوم الديكتاتورية وعمل على تركيز قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقال عدنان منصر مدير الحملة الانتخابية للمنصف المرزوقي إن “تصريحات السبسي ليست مفاجئة”، معتبرا أن تونس تحتاج إلى وفاق، وإلى احترام متبادل وإلى روح ديمقراطية.

ويرى المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي أنه وإن كان من الطبيعي أن يحاول كل مرشح تحدي منافسه ومحاولة التأكيد على أنه الأفضل، إلا أن تصريحاتهما قد تنعكس سلبا على الوحدة الوطنية للتونسيين.

وأعرب الجورشي عن خشيته من أن يؤدي تصاعد لغة الخطاب بين الجانبين إلى فتح المجال أمام احتمالات تورط أنصار طرف أو آخر في عنف متبادل.

ودعا الجورشي المرشحين إلى الدفاع عن رؤيتهما وبرامجهما السياسية والابتعاد عن القدح سواء في الطرف المنافس أو المساس بكرامة التونسيين الناخبين الذين لولاهم لما كانت تجرى الانتخابات ولا كان هناك مرشحين للرئاسية.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً