بعد عام كامل من القتل والدمار على أطراف العاصمة صار المشهد الليبي اليوم أكثر تعقيدا وازدادت عوامل التأثير في المعادلة الليبية ووصلت كل الأطراف إلى طريق مسدود فلن يستطيع أي من الأطراف تحقيق أهدافه وكذلك لم يستغل أي من الأطراف السنة السابقة لإحداث أي تغيير في أسلوبه وأثبتت الأطراف أنها لا تملك أي خطط بديلة.
الغازي القادم من شرق البلاد تم إعداد المشهد له بعناية من بعض الدول العظمى مثل فرنسا وروسيا وكذلك من الدول الوظيفية مثل مصر والإمارات والسعودية وذلك بترتيب المشهد منذ لقاء الصخيرات باستجلاب السيد السراج عديم القدرة والخبرة والذي عطل أي إصلاح في المنطقة الغربية ولم يحاول بناء دولة ولا مؤسسات ولا جيش ولا حتى ميلشيا لصالح الدولة وهيأ المشهد لاستقبال حفتر في العاصمة عبر مفاوضات معه في غرف مغلقة برعاية الإمارات وفرنسا ولكن المشير التعيس والذي لا تحرك مشاعره أعداد الشباب القتلى الذين جعلهم وقودا لحربه ولا النازحين ولا دمار البيوت أو حتى المساجد فهو اليوم يعاني الفشل فالحرب التي يتطاول بها الزمن لاشك أنها خاسرة يضاف إلى ذلك أن مشهد الحرب في بنغازي مختلف تماما عنه في العاصمة ففي بنغازي كان يدعي مقاومة الإرهاب وألبس ثوار بنغازي أنفسهم لباس صنعه لهم أعدائهم بتحالفهم الساذج مع أنصار الشريعة والمخترقة من المخابرات الدولية ولم تكن أطماع الجنرال واضحة ولم يكن أبنائه في المشهد بصورة واضحة ولم يكن أزلام النظام السابق طرفا في النزاع.
أما اليوم فالمشهد في غرب البلاد معقد والأزلام لهم الدور البارز ففي غرب البلاد وعكس المنطقة الشرقية هناك قبائل ومدن كاملة محسوبة على الأزلام وهناك كتائب منظمة من بقايا القذافي، فدخول حفتر إلى طرابلس يعني تحقيق الخطوة الأولى لأنصار النظام السابق وهو إسقاط ثورة فبراير.
أما الخطوة الثانية فستكون خلع حفتر بقوتهم حيث أنهم يمثلون جزءا كبيرا من قوة الثورة المضادة بل أن البعض منهم لازال ربما يعتقد أن النظام الجماهيري لابد أن يعود ولن ينسوا أن حفتر كان في صف فبراير قبل أن ينقلب عليها والتي أعدمت القذافي وشردت أعوانه.
حفتر اليوم في وضع لا يحسد عليه ولن يدخل العاصمة فإن ظل ينتظر فالناس ملت وكرهت الحرب وقدرة الناس على تحمل ظروف الحرب صارت تتهاوى مع ازدياد عدد القتلى من الليبيين بل وصار الأمر كارثي، وأما احتمال دخوله طرابلس أصبح شبه مستحيل وإن وقع فإن إعدامه من طرف الأزلام يكاد يكون مؤكدا فقبائل ترهونة وبن وليد وورشفانة والعجيلات وصبراته كلها قواعد للنظام السابق ولن تسمح له بأن يكون زعيما جديدا بديلا عن معبودهم.
وفي الصف المقابل فإن كتائب الثوار والتي تدافع عن مدنية الدولة وأهداف فبراير فإنها ومع دفعها للأثمان الغالية من أفرادها وخاصة مدينة مصراته التي تتحمل الثمن الأعلى فإنها إما أن تُهزم وستكون تلك كارثة لثورة فبراير ولمدنية الدولة وسينتج عنها أعمال انتقام وحرب أهلية تأكل الأخضر واليابس أو أن تنتصر وسيتراجع حفتر إلى الشرق مهزومًا مدحورا.
إذا أراد ثوار فبراير الحقيقيين والمتمثلين حاليا في ثوار مصراته والزاوية وزليتن وجبل نفوسة ومن معهم من صناديد بنغازي وثوارها النصر على هذا الطاغية فعليهم بالضغط على السراج لبناء جيش هم قوامه وبناء مؤسسات للدولة بالتوازي مع الحرب، وأما إذا كان بناء الجيش وبناء الدولة يستحيل لوجود بعض الغوغاء وأصحاب الأجندات بينهم فليس لهم إلا القبول بالحوار ومحاولة إبعاد شبح الدولة العسكرية والإصرار على الدولة المدنية من خلال الحوار، فالحل الأقرب الذي نتجاوز به هذه المشاهد المرعبة هو عودة الحوار والتواصل بالرغم من الألم وأعداد الشهداء لمنع المزيد من الدماء ولصناعة توافق وشروط ترعى تنفيذها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي على أن يتم تقييد الأطراف بالتزامات محددة ويمكن للأطراف أن تتوافق على لجنة من ليبيين وطنيين لم يكونوا طرفا في تسعير الحرب وإشعال فتنتها وهم موجودين لبذل جهودهم وإعداد مشروع إيقاف الحرب وبناء الدولة إن قبلت الأطراف وتيقنت أن الحرب أسوء الخيارات.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً