ربما لا تزال ثقافة التصعيد تؤثر على الكثيرين عندنا . فرغم أن النظام الفردي كان من بين أهم أسباب مشاكل ليبيا بعد انتخابات المؤتمر النظام . حيث تحصلوا على 120 مقعداً في المؤتمر الوطني ، ومنهم تكونت كتلة الرقص على دماء الشهداء ، والتي كانت كارثة حقيقية على العملية السياسية والاستقرار السياسي في ليبيا.
رغم كل تلك النتائج المنطقية والواقعية الا أننا ( حالفين يمين ) أن نقدس سياسة الحفظ والتقليد ، وبما أنهم قالوا أن الأحزاب هي سبب المشكلة والنظام الفردي هو الحل سنردد نفس الكلام ونرفع عدد مقاعد النظام الفردي من 120 إلى 200 لتصبح نسبتهم 100 %.
مخاطر النظام الفردي لا تخفى عمن يعمل عقله من اكتساح للأحزاب المنظمة بدون حزبية ، ومن اكتساح للقبلية والجهوية ولتفتيت جهود العمل الجماعي المنظم ، مما قد يدخل البلاد في كارثة فوق كارثتها السابقة . والكوارث قد نتنبأ بحدوثها ولكن لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
من أقام الدول الحديثة وعزز تجربتها الديمقراطية ورفاهها الاقتصادي واستقرارها السياسي هي الأحزاب ، أو قل العمل الجماعي . بل أننا نؤكد أن من أسباب فشل مشروع جمال عبد الناصر ومن حاول تقليده كمعمر القذافي هو أنهما استفردا بالحكم بعيداً عن جماعتهما ، وأقصيا المشاركة الجماعية حتى داخل جماعتهما . فالعمل الجماعي قد يحدث في أنظمة ديكتاتورية ويأتي أؤكله . وها هي الصين مثلاً ، فالحزب الشيوعي هو الذي يقود الصين وبفضل هذا العمل الجماعي ، وإن كان محدوداً داخل نطاق حزب واحد الا أنه حقق وسيحقق نتائج باهرة.
قد نعذر بعض الناس البسطاء الذين يرددون ما يقوله هواة السياسة من إعلاميينا وسياسيينا من كلام مضحك مبكي . ولكن ان يخرج علينا أساتذة جامعات ومن عايش تجارب الآخرين ليقول هذا الكلام فهذا أمر مستغرب بل ومستهجن.
ولكن لماذا ؟! لأن الشهادة وكثرة المعلومات لا تعني شيئاً بدون وعي حقيقي غير زائف . وللأسف إذا ما أضفنا لذلك الثقافة الفردية التي تكتسح أوطاننا منذ مئات السنين والتي تتوجس من العمل الجماعي وترى فيه مؤامرة وتقية وتقدس الفردية وترى فيها الحل والعلاج.
ألم يطرق أسماعنا جمل من أمثلة أين صلاح الدين ؟ أين عمر بن الخطاب ؟!!! للأسف هذا كله نتاج ثقافة ترى العمل الجماعي المؤسس المبني على خطة محل اتهام حتى يثبت العكس . وترى في الفردية الوطنية والبطولة والإقدام والإنقاذ.
عندما فازت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام لم تستسغ عقول الكثير منا ذلك !! لأننا ربينا على أن البطل الفرد هو من يفوز بتلك الجوائز ، ولكن أن تمنح الجائزة البطولية لجماعة فهذا مما يستعصي على ثقافتنا.
وفي ليبيا لعب إعلامنا الرث البالي ، الذي لا يعرف متصدروه حتى عواصم الدول فضلاً عن أبجديات السياسة ،فما بالك بأساسيات الاستقرار السياسي والعمل الديمقراطي والازدهار الاقتصادي ، عمل هؤلاء ومن لف لفهم من أصحاب الخطاب العاطفي على بث هذه الدعاية الكارثية في أذهان الناس وتكريسها في وعيهم !!!
نحن لا ننكر دور الفرد ، وأهمية الدور الفردي ، ولكن في إطار عمل جماعي منظم . فأن نؤسس لعملية انتخابية على نظام فردي فهذا كارثة حقيقية . وكان بالإمكان إتباع نظام الانتخاب بالقائمة المفتوحة.
نتمنى أن تكون المرحلة الانتقالية المقبلة قصيرة ؛ فكارثة النظام الفردي وما يترتب عليه قد تدخلنا والبلاد في كارثة تكون السابقة أمامها أشبه بسطر في كتاب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً