أهلنا فى البادية لديهم فراسة لا تُقارن بشأن تقييم الآخرين سواءاً كانواً جيراناً أو ضيوفاً أو مصاهرة لغيرهم أو رفقة أو صداقة، فراستهم فى تقييم من يتعاملون معه لم تأتى من فراغ فهم من يرددون دائماً (الجار قبل الدار) وذلك فى إطار الجوار …(وإللى ما عندا كبير يشرى كبير) وذلك فى إطار الرأى والمشورة ، وإللى تغرّب واجد من وطنه لا تشوخه ولا تاخذ رأيه فى إطار تحديد المصير لأن أهل الوطن أدرى من غيرهم بحال وطنهم … تلك الفراسة جاءت نتيجة الخبرة الإجتماعية التى توارثوها جيلاً بعد جيل وهى تأتى من خلال المعرفة والتعرّف عندما يُقال (إلمن يا ولد) وهى العبارة التى لا يتقبلها البعض من الشباب أحياناً ولكنها على أساس التعرّف على خلفية من يخاطبونه لكى يتعرفوا على منطقته وعائلته أو قبيلته وهى المرجعية الإجتماعية التى يمكن من خلالها معرفة الأصول والبيتية والسمعة الحسنة أو عكس ذلك ، وهنا ينسى الشباب فى هذه الأيام وهذا الزمن الصعب أن صديقه مرآته ويمكن معرفة إبنك عن طريق صديقه أو رفيقه .
هذه الثقافة الإجتماعية قد تكون إندثّرت فى مجتمع المدن فعندما تسأل إبنك عن إسم صديقه ، يقول لك مثلاً إسمه علاء أو محمد أو رمزى وعندما تُعاود عليه السؤال لكى تتعرف علي صديقه أكثر ، لا تجد عنده إجابة كاملة ، وربما يرد عليك بأن ذلك يكفى ولماذا هذا التحرّى والأسئلة ..
أقول …. منذ الأسابيع الأولى لثورة فبراير بدأنا نستشعر على المستوى الإجتماعى ومن خلال الأصوات والوجوه التى طفحت على السطح بعد تدخل الناتو فى 19/3/2011م ومنها بعد التجرير ، حيث دخلت تلك الوجوه فجأة والتى لم نشاهدها يوم كان المدعوا (شاكير) والمدعوا (قادربوه) يهددان ويتوعدان كل من ثار على النظام من الوطنيين وطالب بإسقاطه ويرددان أن كل المعلومات عنهم لدينا وتصلنا أول بأول !! وقد كنا نسمع أصواتاً ضعيفة من حولنا فى الايام الأولى للثورة تطالبنا بالتراجع وإقناع الأخرين بالمثل القائل (نصف الطريق ولا كمالها) ، وجوه لم نشاهدها أبداً قبل 19/3/2011م واليوم هى من تتقدم المشهد وتتواجد فى كراسى السلطة لا خجل ولا حياء .
لقد كنا نعمل ليل نهار من خلال جمعية عمر المختار ونتنقل بين الداخل والحدود الليبية وحتى القاهرة لمتابعة الجرحى والإشراف على علاجهم بواسطة الجمعيات الإنسانية والخيرية (المستندات موثقة لدينا) ولا يسعنى إلا أن أحييى الدكتور / عبدالحميد الزواوى والأستاذة / آمال الزوى من مدينة بنغازى وغيرهم من الأطباء المصريين الذى بذلوا الكثير من اجل جرحانا إبتداءاً من الأسبوع الأول للثورة ولمدة أشهر ، وذلك قبل أن يبدأ اللصوص فى نهب ميزانيات الجرحى وتكوين اللجان اللصوصية عن طريق المجالس المحلية .
المهم بينما كنا نتقل من خلال حدودنا الشرقية نشاهد البعض من الليبيين على الحدود وعيونهم على الوطن من بعيد لا لشئ إلا للتأكد أن الأمور هل أصبحت آمنه ؟ لكى يدخلوا الوطن وهم آمنون بينما عائلاتهم تركوها خارج الحدود لأن ثقتهم بالله لم تكن قوية ولا ثقتهم فى الثوار متينة فهم لا يثقون فى رجال الوطن لأنهم مرعوبون ولائهم لمن يحركونهم ومن يتعاملون معهم بالخارج من دول أجنبية وجهات مخابرتيه .
هنا ومن خلال المتناقضات التى نتابعها يومياً فى تلك الأيان العصيبة ومن خلال عمل الجمعية رأى الجميع ضرورة الدعوة إلى إجتماع عام وبسرعة للمشائخ والأعيان والمثقفين والحكماء وأهل القانون ونشطاء العمل الأهلى والثوار وكل وطنى غيور على ليبيا ، حيث دعت جمعية عمر المختار بدرنه تلك الجمعية التاريخية والنضالية ذات المرجعية الوطنية التى أسس لها الآباء والأجداء والتى كان لأعضائها الدور الأساسى فى إستقلال الوطن 1951م ، وقد لبى الجميع الدعوة من أجدابيا وحتى أمساعد إضافة للبعض الذين تواجدوا من المنطقة الغربية وجبل نفوسه الذين وصلوا عن طريق الجرافات البحرية أو الحدود الشرقية ، حيث تم عقد ذلك الإجتماع التاريخى فى مدينة البيضاء تحت سقف قبة البرلمان وكنا نهدف لأمر وطنى وتاريخى بأن ليبيا يمكن أن تسير على نهج الأجداد فى دولة برلمانية (شيوخ ونواب) ودستورية وأن الدستور جاهز يمكن أن تُعدل بعض مواده لتتمشى مع الوضع بعد ثورة فبراير وأستغرب اليوم ممن يطالبون بدستور 1951م ونسوا أن هذه الصرخة قد أطلقتها جمعية عمر المختار فى 19/5/2011م ، والأهم أننا دعينا السيد مصطفى عبدالجليل وبحضور إبن شيخ الشهداء (الشيخ محمد المختار) الرئيس الفخرى لجمعية عمر المختار .
لقد كان الإجتماع فى 19/5/2011م وبحضور أكثر من (500) شخصية إعتبارية من مشائخ وعمد وعقلاء وحكماء ومحامين وقضاة وكتاب وصحفيين رجال ونساء وقد كانت الصراحة والشفافية تسود الإجتماع ومصلحة الوطن هى العليا ، وهنا تحدث مصطفى عبدالجليل فى كلمته التى ذكر فيها أن الكثير من الأحزاب والكتل السياسية ذات التوجهات المتعددة طلبت منه حضور إجتماعاتها ولكنه رفض ولم يحضر إلا إجتماع جمعية عمر المختار لأنه يعلم مدى صدق أهداف هذه الجمعية وإنتمائها الوطنى والتى يأتى إهتمامها الأول والأخير مصلحة ليبيا وقد كانت هذه الكلمة على الهواء مباشرة ونقلتها جميع وسائل الإعلام المتواجدة وعلى رأسها الجزيرة والعربية وقناة الآن وغيرها وهى الكلمة الواضحة التى خاطب فيها عبدالجليل الليبيين بالداخل والعالم بالخارج بكل صراحة عن مسار الثورة ومستقبلها .
تلك الكلمة قضّت مضاجع الأحزاب والإيدولوجيات التى تعمل فى الخفاء بتحريك من الخارج وهى التى اعدت نفسها وجهزت قواتها وأتباعها للإنقضاض على السلطة فى ليبيا بأى طريقة كانت ، حيث إجتمع أتباع الإيدولوجيه (المعروفة) من درنه وبنغازى تحديداً وبسرعة خلال ساعات ليقابلوا السيد عبدالجليل ويطلبون منه التراجع عن قوله لا يمكن أن نقبل أحزاباً قبل صياغة الدستور وفعلاً كان لهم ذلك إما أنهم أقنعوا السيد عبدالجليل أو أنهم إستطاعوا بأى وسيلة أخرى ثنيه عن موقفه وهو موقف جمعية عمر المختار ولولا الحياء والخجل لكنا قلنا من هى تلك الشخصيات الحزبيه المشبوهة التى جاءت للسيد عبدالجليل ولكن نحن بالجمعية نترك ذلك للسيد عبدالجليل شخصياً لعله يُصحح الأمور ويتحدث عن ذلك فى أى مناسبة بنفسه يوماً ما، ليقول للشعب الليبى لماذا تراجع عن ما جاء فى كلمته يوم 19/5/2011م بمبنى البرلمان بالبيضاء بشأن عدم المواقفة على الأحزاب والكتل قبل صياغة الدستور !! ونحن نقول له يا سيادة المستشار التاريخ سجل ذلك فى صفحاته بالصوت والصورة ولن تتزحزح تلك الحقيقة وسيتعرّف عليها كل من خُدع يوماُ وراء تلك الأحزاب التى أوصلت الوطن إلى هذه النهاية المأساوية وإهدار مئات المليارات من ثروات الشعب الليبى وإلى هذه الدماء التى تُسفك كل يوم وفى رقبة منّ يا سيادة المستشار ؟.
للأسف … باشر أتباع الأحزاب والإيدولوجيات المتعددة فى التغلغل داخل المجتمع الليبى الطيب الذى يُصدّق كل شئ فهو مجتمع على الفطرة ، دخلوا عليه بالبدل والكرفتات والشهادات المزورة فهذا خبير دولى إستراتيجى وهذا بروفسور وحيد زمانه وهذا لديه (أربع شهادات دكتوراه وهذا لا مثيل له فى العالم … (تغرّب وأكذب) !! والكلام المعسول يدغدغون عواطف المجتمع ويعدونه بالرفاهية والفردوس المنتظر كما كان يعده القذافى طوال أربعة عقود ولهذا صدقوا الكذب وإستبشروا بأن هؤلاء ربما يختلفون عن النظام السابق ، المشكلة نحن جيل عاصر تلك الفترة وكنا نعرف منهم الكثير ومعظهم كانوا يدرسون فى أوروبا وأمريكا على حساب نظام القذافى بطريقة أو بأخرى وقد صدرت لهم قرارات الإيفاد بعد توقيعهم على التعهدات (المشهورة وهى الإيمان بثورة القذافى والتبشير بها فى الخارج قولاً وعملاً) فإذا كانوا نسوا ذلك فنحن لم نزل على قيد الحياة ولدينا الوثائق للبعض منهم الذين يتربعون اليوم فى الوزارات ووكلائها ومدرائها العامون .
لقد كنا نحضر محاضراتهم قبل التحرير وبعده للإطلاع فقط ونشاهدهم وهو يكذبون على الناس وتنتهى تلك المحاضرات كذباُ وخداعاً وبلعطة على الناس بعد أن يجتمع الكل حول بوفيه الحلويات الفاخرة أو وجبة الغذاء التى لا يعرف أحد من أين تلك المصروفات تأتى ؟؟!!ومن يمولها ، وقد سالت يوماً رئيس حزب لا يُشق له غبار فى البلطجة والكذب وقلت له أود أن أسألك سؤال مٌحدد ، من أين تمويل حزبك ؟؟ فقال هذا من فضل ربى !! ولا داعى لمثل هذه الأسئلة فقلت له مبروك عليك لقد وضحت الأمور والأيام ستُعرى كل مُستتر مُخادع.
أيها السادة … لقد كانت ضحكة الإنتخابات السابقة أكبر ضحكة على ذقون الشعب الليبى لم تحدث حتى فى ما يُسمى أيام النظام السابق (سلطة الشعب) ، لقد خدعونا بطريقة أجزم أحياناً بأنهم قد إستخدموا السحر والزئبق الأحمر فى إقناع الليبيين الطيبين بكذبهم ، حيث إستطاعوا أن يُقسموا الليبيين إلى (تحالف وأيدولوجيه ، تكتلات رؤوسها فى الخارج وذيولها بالداخل) فأستخدمت الإيدولجيه التى تعرفونها جميعاً سذاجة الليبيين وطيبتهم وإيمانهم بالله ورسوله والأخرى إستخدمت (اللعب بالبيضة والحجر) وتنويم الناس فى العسل بالإنفتاح على العالم والتحرر وكأنه تنويم مغاطيسى إستطاعوا من خلاله تجميع شباب صغير السن ونساء كانت تحلم بالكراسى والمال ، حيث إنتهجوا هذا الأسلوب لكى يُسيطروا على القرار بالمؤتمر بواسطة الريموت كنترول وللأسف إنقلب السحر على الساحر وقد تخلّت تلك النساء والصغار عن ذلك التحالف ، أما أحبار تلك الإيدولوجية فقد إستخدموا الخداع والكذب وقالوا لأتباعهم أنتم مُستقلون أمام الناس وبعدها لا تهتموا بأحد لأن شعارهم ، الكذب فى المصالح يجوز من أجل حزبنا وجماعتنا وعلى العوام السمع والطاعة.
اليوم تكشّفت الحقائق أيها القراء الأعزاء وإتضحت الأمور جلية ، وحقاً إتلم المتعوس على خايب الرجا فلم يحققوا هدفاً واحداً لصالح الليبيين ولا أمل فيهم يرتجى فعليهم بالرحيل إذا كانوا يعقلون وإذا لا زالت لديهم كرامة بعد مُرّغت أنوفهم فى التراب أمام قاعة المؤتمر وهم يهرولون فزعاً وخوفاً ، ويكفى أن الليبيين كرهوا هؤلاء وأولئك ولم يعودوا يرغبون فى رؤية تلك الوجوه المُخادعة حتى وصل بالليبيين المطالبة بطردهم من المؤتمر ولكم فى تعليق كرسى رئيس المؤتمر بعمود الكهرباء عبرة ، وربما القادم أسوأ وأسوأ فغادروا مواقعكم قبل فوات الأوان وأتركوا الوطن لأهله فلم تعودوا عند الليبيين كما دخلتم وجلستم على كراسى المؤتمر لأن اليوم هناك من يُطالب بمحاكمتكم وترجيع الأموال التى ضُخت فى حساباتكم كمرتبات ومزايا ومكافآت ، لأنكم لم تنفذوا العقد المبرم معكم والعقد شريعة المتعاقدين كما يقول أهل القانون.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً