الكاميرات يتبعها الغـَـاوون والساسة الفاشــلون. لذلك ركـض غــويلة من مـولاي محـمد الى جــامع القــدس، فسِحـر عدسات التصــوير لا يقـاوم، فقد سحرته كما سَـحرَت رفيقه سَــادات من قبله في الجُمعَة الداميَة …!
ما عادت الجمعة يوماً للصلاة فقد سرقت السياسة طقـــوس العــبادة… وأطفأ الاخوان ومليشيات السلطة شمس الجمعة… ليتحــول خــير يوم أشــرقت فيه الشــمس إلى جـُـمعَة ســوداء…! فقد سئم العباد تلك المليشيات الثورية ورعب سلاحهم… وعِـيلَ صـــبر طــرابلس، فانتفضت … ولكن دائماً قـدر الشعــوب الثـائرة تســلل انتهــازيون يطلــون بوجــوههم بين الصفــوف لقيــادة الجمــوع الغــاضبة…!
وكما تسلل الى زعامة المدينة من حيث لا يعلمون… قرر “سادات” أن يكون أيضاً “روبسبير” طرابلس .. وقائدا لجموعها امام عدسات التصوير وحرص أن يراه الجميع يتقدم الصفـوف قبل أن يختــفي السيد سادات ويبقي المتظاهرون العزل في مواجهة الرصاص الحي…!
وحده لم يصل الى مسامعه نداء الشباب: “نموت بالرصاص ولا نموت قهراً…!” وقد اخـتاروا أن يغســلوا طرابلس من قــذارة المـليشيات بدمـائهم الطاهـــرة…! مدفوعين بحبهم لليبيا ولطرابلس الأسيرة في كل العصور، مدفوعين بصدق انتمائهم لهذا الــوطن الجريح من غدر أبنائه. “روبسبير” كانت قد انتهت مهمته في تلك الجمعة الدامية بعد ان التقطته الكاميرات!
هل كان “الفرنسي روبسبير” اخوانياً…؟!
ربما…! فلا أحد يجيد ركوب أمواج جموع المتظاهرين كجماعة الاخوان. تلك ميزة تحسب لهم. فلكل ثورة “روبسبيرها” ولن يكتب لها النجاح بدونه. ولكن … ليس من الحكمة اقتياده للمقصلة قبل الأوان. فلولا “سادات” ما كانت “فضائية النبأ” في المَــوعد… ولو قـُـتِـلَ أهل طــرابلس جمــيعاً… في غياب التلفزيون والبث الحي المــباشر لن يُعِــيرَهم أحــد أي اهتــمام وسيـُـقَـال انتحــرَت طرابلس وانتهى الأمر!
لذلك … لا مناص من بعض الانتهــازيين وفضــائياتهم لدعم حــراك الشعــوب…! فكن براغماتيا أيها الشعب الى حين، فالانتهازيين يحملون بذرة فنائهم ولا يصمدون طويلاً.
استعجل السادات قطف الثمار فأطاحت به الاستثناءات …. فقوله: “ان مليشيات طرابلس شأن داخلي” أثار غضب الشارع فخسر باكــراً كل أسهمه … حاول أن يُعـــوّض الخسارة فقضى عليه ذلك “البريوش” المُسيـَّـس. كن حذراً، فللشــارع خبثه ودهائه أيضاً … والجمهور أشـد مكراً.
أما “غويلة” فقد أدرك في خطبته “الديماغوجية” بأن أقصر الطرق الى قلوب المكلومين من أهالي الضحايا هو صب سيل اللعنات والشتائم على القتلة. سمّاهم المجرمين وقد كان بالأمــس يدعـوهم (ثواره الأشاوس) …! هكذا يريد الشباك أو “الجمهور عاوز كده!” كما يقول اخوتنا المصريون. حاول الشيخ الشاب اللحاق بالركب كغــيره… ولا ضير فهذه لعبة السياسة.
ولكن … هل ينطبق شعار “الجمهور عاوز كده” على خطب الجمعة؟
في عــرف الإخوان كل شيء جائز…! حتى لا تنفض الجموع من حولهم. وطالما هناك مظاهرة فلا ضير من مغازلة الشـعـب… حتى يسهل امتطاء الأعناق الهاتفة بدماء الشهداء.
فشلت المظاهرة…! وقِـيلَ ان السبب هو تدافع المُتطفلين نحو المنبر … ليس الإخوان وحدهم …! فحتى خصومهم كانوا حاضرين بقوة … ولأن دماء الضحايا لم تجف بعد لذلك كان الزمان والمكان ملائمين … فالمتطفلين والانتهازيين لا تجر أنوفهم إلا رائحة الدم…!
ليس هؤلاء جميعاً من خيّب أمل طرابلس الأسيرة بل شبابها من بدأوا تلك الانتفاضة أنقياء ولا هدف لهم سوى تحرير مدينتهم من أسر المليشيات ورعب أسلحتهم … ومنهم من فارق الحياة محتفظاً بطـُـهرِه ونقَـائه ومنهم من بقي حــياً ليشهد مهرجانات الاحتفاء بأبطال الانتفــاضة الجديدة قبلَ أن تنتــصر…! فاستعجلوا غنائم النجومية والظهور على الشاشات، ومنصات الهتاف … هم أيضاً تدافعوا على موائد دمــاء رفاقــهم …!
لقد تنازعتم يا أبناء طرابلس فذهبت ريحكم … وخذلتكم طرابلس وأطفأتم بصيص نور انتظرته ليبيا من عاصمتها بفارغ الصـــبر…! هكذا تُجهَض الثورات وتمُـوت في مهدها … متأخراً … ستدركون أن المنصّة ومنبر الزعامة هما موطن الداء…!
وبعيداً عن طرابلس اجتمع أمراء الحرب العائدون الى مدنهم وقراهم النائية يتوعد أحدهم طرابلس على شاشة الدوحة … قائلاً: (لن “يهزمنا البريوش” وسنعود بكل قوة …!). لقد تحالف أعداء الأمس ومثيري الرعب والشغب في المدينة التي آوتهم جائعين وخرجوا منها بكــروش تنـــوء بحملها الجبــال. فلما كانوا ناكري جميل.
اجتماعهم ضد وطنهم أثبت أنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان. متشبثين بامتيازاتهم في نهب واستنزاف البلاد. لأن ليبيا لم تعد وطناً بل غنيمة حــرب ومرتع للتمشيط والخطف وأقصر الطرق للثراء الفاحش. اثبتوا أنهم لم يحاربوا أبداً من أجل الحرية بل من أجل كروشهم وما ينعمون به اليوم من ثراء ورفاه … تبدلت وجوه الثوريين وبقي الشعب مقهوراً بنفس السلاح وآلة الإرهاب… وبقيت غرغور هي غرغور قبلة للثوريين والسارقين والقتلة…! والداخل اليها مفقود …!
وتحالف أعداء الأمس أثبت أنه ليس ثمة “عداءات أيديولوجية” في ليبيا، كما يصورون لنا … كما يوهموننا على فضائياتهم… فالذئاب لا تهتم بغير حشــو بطـــونها في حضــرة الفـــريسة… تشبع الذئاب ولا يشبعون. لذلك فإن بناء الدولة وعــودة الأمان يعني انقطــاع هذا النــهر المتدفق من ملـيارات الدولارات…! ولهذا يتوعـدون طرابلس بالاجتياح! فهــل هــذا ما تنتظــره طرابلس…؟!
طرابلس عروس وطنكم … وليست عاصمة الأعداء … انها تفتــح لكم قلبــها ولكن … كـان رجـاءها الوحيـد (بلا ســلاح). فإن طرابلــس مدينة الــسلام … وكل ما قالته ان سلاحــكم ومدرعــاتكم ودباباتــكم حمــل ثقيــل على كاهــلها … لم تعــد تطيق حمــله… انها تريدكــم أبناء لهــا لا مغتـصبين ومنتــهكين لحـــرماتها.
فهــل يغـتصـب الابـن أمــه؟ هــل يقتــل الأخ أخــاه؟ وهـذا ما فعـلتــموه!
واجهوا رصاصكم بصدور عارية يحمـلون راية الســلام … لم يكن انتحاراً … بل حباً … فلازالوا يحمــلون بين ضلوعهم حــباً لكم وما ظــنوا أنكم فاعـلون…! فما الذي تحمــلونه بين ضلوعكم قلــوب بشرٍ أم حَجَـر؟
اتركــوا طـــرابلس تعــيش بسـلام …
فإنها عاصمة وطنكم وليست بلاد الأعداء
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً