دائما أؤكد أن الثورة الليبية الشعبية الشبابية عندما بدأت في بنغازي وانتشرت في مدن وقرى الشرق وخرجت تناصرها وتنضم إليها جماهير الشعب الليبي في المناطق الأخرى، كانت ثورة نقية شعبية حيث طالب نخبها وشبابها بمطالب محددة وهي: الإصلاح والحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان، التي لا يمكن لها أن تتحقق إلا بزوال نظام القذافي وأعوانه الذي أفسد في الأرض وظلم وسرق أموال الشعب واضطهد أصحاب الرأي الآخر، بل قام بتصفيتهم.
الجانب الآخر الذي أؤكد عليه دائمًا أن تجهيل الشباب المتعمد وتجويع الشعب بشكل يجعله يعيش حياة العوز والفقر والجهل والمرض، بالتالي فإن أعدادًا كبيرة من الشباب الليبي أصبحت شبه أمية وانتشر بينها تعاطي المخدرات بشكل سري ومنظم، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى وجود شباب غير مدرك لحقائق الأمور من السهل قيادته بالمال والإغراءات، وبعد الثورة امتلكوا السلاح، فحتما تكون نتائج الشارع كما نراها اليوم من فوضى واستعمال مفرط للسلاح، ويجب التأكيد على أنني هنا لا أعمم.
عندما وقعت الثورة وتوالت الأحداث التي حولتها إلى كفاح مسلح “حرب التحرير” أو ما عرفه البعض بأنه “حرب أهلية”، كما يحلو لبعض المحللين أن يصفوها، حسب رؤيتهم للوضع في ليبيا، المهم بعون من المولي عز وجل انتصر شباب ليبيا، وبعون من الجميع: ليبيين وعربًا وأجانب، وأيضًا هنا أؤكد أنني دائما كنت أقول: إن الذي جعل العرب والأجانب يقفون مع حركة الثورة في ليبيا هي الأفعال المشينة للقذافي وأبنائه في كل أنحاء الدنيا، والتي جعلت كل العالم، إما أن يضحك عليه أو يستنزف أمواله ويستغله أو يمقت أفعاله ويقف ضد تصرفاته، وهم الأكثر، حيث اتضح جليًّا في سرعة تناول القضية الليبية والانحياز فيها مع مطالب الشعب الليبي.
ولعل من الأهميه بمكان بعد هذه المقدمة أن أشير إلي أخطاء كبرى وقعت فيها إدارة الثورة الليبية بعد التحرير ومن أهمها:
الإسراع في نقل المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي معًا إلى خارج مدينة بنغازي دون ترتيبات منظمة مسبقًا في العاصمة، وهذا العمل الخاطئ الذي كان وراءه دافع حسن نية، للتأكيد على أن قيادة الثورة ليست انفصالية وأن طرابلس هي عاصمة ليبيا، وان الوحدة الوطنية هدف وغاية أساسية للثورة الليبية، نعم كل ذلك صحيح، ولكن كان يخفي علي إدارة الثورة الليبية ما يسمي بـ”عناصر الدولة العميقة”، ودولة مثل ليبيا (الجماهيرية القذافية) استمرت في الحكم اثنين وأربعين عامًا، فأصبحت- بطبيعة الحال- لها جذور عميقة خاصة داخل العاصمة، وفي كل ليبيا، وهذا ما يدركه المتخصصون في السياسات الاجتماعية ويطلقون عليه “الحكومة العميقة”.
والدولة العميقة سواء كانت صالحة أو فاسدة، كما هو الحال في حكومة القذافي لها أعوان وامتدادات من وكلاء ومدراء ورؤساء ومشرفين، بل موظفين عاديين فاعلين فيها بحكم أنهم “ثوريون”، وكذلك لها لجانها الثورية من فرق ومكاتب ولجان مناطق وأيضا حرسها الثوري بمختلف تشعباته، ثم الروافد المهمة أيضًا مثل القيادات الشعبية الاجتماعية والرفاق وأبناء الرفاق والروابط والاتحادات، وبعد كل هذا الأجهزة الأمنية المختلفة من أمن خارجي وداخلي ومكافحة الزندقة والاستخبارات، وغير ذلك من الكتائب الأمنية المنتشرة.
إن كل هؤلاء هم الحكومة – أو الدولة- العميقة، التي تنخر في جسد المجتمع الليبي وتعششت فيه أصبحت لا ترضى بغير تنظيمها الذي قدم لها السلطة والمال- في كثير من الأحيان- بديلاً؛ ولكي لا نظلم أحدًا فإن البعض منهم انحاز لثورة الشعب وانضم إليها سرًّا ثم علانية، وفي حين خاض البعض منهم حربًا ضروسًا لمقاومة الثورة.
والبعض الآخر منهم لزم السكون مجاملاً أو منتظرًا فترة الانقضاض من أجل العودة بدولته العميقة للحكم.
من هنا كان يفترض في قيادة إدارة الثورة الليبية أن يبقوا الحكومة الثورية بأجهزتها المختلفة في بنغازي إلى أن يعاد مسح كل هذه الأجهزة وفرزها والتخلص من الذين لا يؤمنون إلا بحكومة القذافي ونظامه الفاسد، ويعيدون ترتيب الدواوين الوزارية، وكذلك المؤسسات والهيئات المختلفة ثم يبدءون بشكل تدريجي بنقل مؤسسات الدولة بعد تطعيمها بفرق الشباب التي عملت في هذه الدواوين أثناء فترة النضال الثوري.
أما الخطأ الآخر الذي زاد الأمر تعقيدًا، فهو تكليف فريق وزاري معظمه من الليبيين الذين كانوا يعيشون خارج البلاد ووضعوا على قيادة مجلس الوزراء والوزارات حتى مستشاريهم أحضروهم من زملائهم الذين كانوا معهم بالخارج، وهذا بطبيعة الحال كان فرصة ذهبيه لأصحاب الدولة العميقة أن يتسللوا ببساطة ويكسبون ثقة هؤلاء لديهم المعرفة الكاملة بتسيير الأمور، فركن إليهم الوزراء ومنحوهم مواقع حساسة استطاعوا من خلالها العودة بسرية للممارسات الفاسدة التي كانت في دولتهم العميقة، وهكذا حدثت الفوضى والإرباك، وهذا بطبيعة الحال أمر معروف يؤدي إلى أن تعود الناس وتقول إن النظام السابق كان الأفضل، هذا أمر مرت به العديد من الدول تاريخيًّا ووقعت في براثنه العديد من المجتمعات، وهو نتاج جهل في الإدارة الجديدة لأهمية الوقوف بجديه ضد “أخطبوط دولة القذافي العميقة” التي ما زالت حتى هذه الساعة تلعب دورًا هدامًا لكي تحقق الانتقام مع فقدانها الأمل في العودة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
جزء من الحديث صحيح و لكن ازيدك شي اخر هو ان جميع الليبيين فاسدون من الفطرة حاول الملك الله يرحمه ما اتطاع اصلاهم و اتاهم المفسد الطاغية زادهم فسادا
ليس هناك شعب فاسد بالفطرة ، فالأصل في الأنسان الصلاح و الفطرة السليمة ، ولولا طيبة الشعب الليبي والتي قد تصل للسذاجة لما استطاع لا الملك ولا المردوم أن يحكموه و يتحكموا فيه .