بداية لإيضاح تناولي لهذا الموضوع أتمنى أن يكون جليًّا أنني لا أبتغي من وراء ذلك أية منفعة شخصية، فلا العمر ولا القدرة تمكني من ذلك؛ ولكني رأيت من واجبي تجاه وطني، وبصرف النظر عن أي قناعات أو آراء مخالفة لقناعاتي ورأيي الذي سأعبر عنه وسبق لي التعبير عنه في مرات عديدة، فأنا أحترمها وأقدر أسبابها وحماسها، ولكني أتمني على الجميع بحث الموضوع بروية وموضوعية وأن نبحث في حقائق وخبايا الأمور ولا نحكم إلا بالحقائق وليس بالشائعات والأقاويل.
تصوروا معي لو كان الشهيد اللواء عبد الفتاح يونس حيًّا، فإنه حتمًا كان سينطبق عليه قانون العزل السياسي، هذا إلى جانب غيره من الشهداء الذين ينطبق عليهم قانون العزل السياسي واستشهدوا أثناء القتال ضد الكتائب الأمنية.
اللواء عبد الفتاح يونس عندما وقف مع ثورة ناسه وأهله كان يدرك كل الإدراك أنه اتخذ قرارًا خطيرًا، فهو يعرف شراسة حاكم البلاد في تلك الفترة، وهو ملم بالكثير مما كان يمكن أن يفعله ضد بنغازي والشرق وضده شخصيًّا؛ ولكنه مع كل ذلك انحاز إلى الوطن، انحاز إلى أولاده وأصدقاء أولاده الذين كانوا في شوارع بنغازي مع المتظاهرين منذ البداية.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل حادثة استشهاد اللواء عبد الفتاح يونس وملابساتها، ولكن يكفيني من هذا الأمر نقطتين مهمتين:
النقطة الأولى: أن انحياز الرجل لثورة الشعب عندما كانت ثورة شعبية حقيقية في بدايتها ولم تتحول بعد إلى حرب، هذا الانحياز يجعل من هذا الرجل، رحمة الله عليه، مقدرًا تقديرًا كبيرًا عند كل الليبيين الذين انحازوا للثورة منذ البداية، ولو نجح القذافي وكتائبه في دخول بنغازي لكنّا جميعا في خبر كان نحن وأسرنا.
النقطة الثانية: أن استشهاده وجريمة قتله كانت لصالح من، ومن المستفيد والمنتصر فيها، أليس القذافي وأعوانه، وكان عرسًا لهم، ولا أستغرب أبدًا أن يكون لهؤلاء يد خفية في هذه العملية التي تضاربت الأقوال فيها، ولكنني علي يقين من أنه في يوم من الأيام ستنكشف الحقيقة وتظهر، ومهما كانت الملابسات أو الروايات فالشيء المهم أنني لا يمكن أن أتصور أن هذا الرجل خان ثورة شعبه.
وعودة لموضوعنا الأساسي وهو قانون العزل السياسي الذي صدر بصورة غير صحيحة وغير موضوعية، ولا أزايد إذا ما قتلت إن له طابع انتقامي بالدرجة الأولى، ولم يكن المقياس فيه الأفعال بل أخذ بالشكل والوظائف، وهذا من أكبر الأخطاء وأثر سلبًا على استقرار ليبيا،، فتتعجب كيف يعزل سياسيًّا أشخاص وناس ساهموا وضحوا بكل ما يملكون في سبيل إنجاح الثورة، بل كان لهم دور أساسي في نجاحها وانتصارها، هل هذا هو الوفاء؟! لا أعتقد أبدًا، بل إن كلي ثقة في أن الشعب الليبي لو استشير باستفتاء لما وافق على هذا القانون الذي كان وراءه الحقد والانتقام غير المبرر إلا أن من سيتم عزلهم لو بقوا، فإن كفاءاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية بالقبائل الليبية تشكل خطرًا على استمرار الآخرين في العمل القيادي بالإدارة الليبية الحديثة.
ولعل البعض يتساءل: إذا كانت هناك كفاءات أيام القذافي، فكيف يكون حال البلاد هكذا؟!
وأقول: أنا على يقين بأنه كان هناك كفاءات ولكنها كانت بدون صلاحيات، فمجموعة من الثوريين شبه الجهلة في “بدالة القلم” في مكتب القذافي هي التي كانت تسير ليبيا وليس الكفاءات، ومن بعدهم أبناء القذافي، ولا أقول عنهم شيئًا؛ لأن كل الليبيين يعرفون خصالهم وأخلاقياتهم.
نعم يا سادة، لدينا كفاءات، ولعل من الأهمية أن أورد لكم مثالاً بسيطًا يوضح الغبن الذي نعيشه الآن؛ شاب ليبي تحصل على ماجستير في الهندسة، وبعد مرور عام على عودته من الدراسة قامت الدولة ببرنامج تصعيد اللجان الشعبية، ورأت قبيلته أن يكون أمينًا للمرافق في تلك المنطقة، ولكن فريق العمل الثوري كان لديه مرشح من أعضاء اللجان الثورية، والاثنان كلاهما تمسك بمرشحه، وفي النهاية تم الرضوخ للرأي القبلي، هذا الشاب مكث عام واكتشف أنه لا يستطيع أن يعمل، فاستقال ودخل إلى سلك التدريس الجامعي، وعند قيا الثورة انحاز لها، بل حمل السلاح وقاتل في الجبهات، وبعد التحرير سلم سلاحه وعاد إلى كليته، فبعد صدور قانون العزل السياسي أرسل لي “إيميل” وأنا أعرفه يقول فيه: ماذا سأقول لأبنائي .
وغيره كثيرون، وكما قلت: لو انتصرت كتائب القذافي لكان كل هؤلاء جميعًا في قفص الاتهام أو محكوم علينا بالإعدام، فهل أحد ينكر ذلك؟! والآن الثوار ينظرون إلينا شذرًا ويقولون: “شكرًا، أنتم معزولون”. كما يعتبرنا أعوان القذافي خونه!
الآن لدينا إمكانية لإصلاح هذا الموقف، وبكل جراءة واقتدار على المؤتمر الوطني العام أن يشكل لجنة يحدد فيها بالاسم كل من ينطبق عليهم قانون العزل السياسي وكان لهم دور في الثورة، ولا يعني ذلك إعلان الانشقاق فقط، بل أقول بوضوح: كل من كان له دور واضح ولم يكن قد قتل أو سرق أو اغتصب، فيصدر بهم قرار استثناء بالأسماء، ويصدر أيضًا قرار آخر يحدد أن البقية من غير هؤلاء من يقدم للمحاكم ما يثبت أنه ليس له فعل من الأفعال السالف الإشارة إليها.
ومن الأهمية بمكان أن نعيد النظر في هذا الموضوع، وعلى المؤتمر الوطني وكل الوطنيين الذين تهمهم ليبيا أن يعملوا على تبني هذا المقترح أو أي شكل آخر يحقق النتيجة التي نرغب فيها الأمن والأمان والاستقرار لليبيا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً