وصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف يدل على وجود حاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخاً يفصل بين كل بحرين، ويتحرك بينهما، ويسميه علماء البحار “الجبهة” تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين جيشين، وبوجود هذا البرزخ يحافظ كل بحر على الخصائص التي قدرها الله له ﴿ مَرَجَ البَحْرَينِ يَلتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: 19- 20]. ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.
وقد تدرج العلم البشري لمعرفة حقائق اختلاف مياه البحار وما بينهما من حواجز، فقد استقرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار، والتي أعلنت في عام 1361ه/1942م عن اكتشاف حواجز مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة، والأحياء المائية، والحرارة، وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، وبعد عام 1962م عُرف دور الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر فيحدث الاختلاط بين البحار الملحة، مع محافظة كل بحر على خصائصة وحدوده المحدودة بوجود تلك الحواجز.
وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار الملحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية، والتي تبين أن مياه البحار وإن بدت جسماً واحداً، إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين الكتل المائية للبحار المختلفة، وتظهر بألوان مختلفة منعاً لاختلافها في درجة الحرارة.
وفي دراسة ميدانية للمقارنة بين مياه خليج عمان والخليج العربي بالأرقام والحسابات والتحليل الكيميائي، تبين اختلاف كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما، ووجود البرزخ الحاجز بينهما، وقد تطلب الوصول إلى حقيقة وجود الحواجز بين الكتل البحرية وعملها في حفظ خصائص كل بحر قرابة مائة عام من البحث والدراسة، اشترك فيها المئات من الباحثين واستخدم فيها الكثير من الأجهزة ووسائل البحث العلمي الدقيقة.
- الحاجز بين بحرين في كتاب الله عزَّ وجل:
– قال تعالى: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن: 19 ـ 22].
– وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل:61 ].
في كل من الآيتين رقم (19 ـ 22) من سورة الرحمن، والآية رقم (6) من سورة النمل، تفسر لفظة (البحرين) التي جاءت مطلقة في الحالتين بالبحرين الملحين، وذلك للمبررات التالية:
أ ــــ أن لفظة (البحر) في اللغة تطلق على كل من البحر المالح والبحر العذب “أي النهر”، ولكنها إذا أطلقت دون تقييد فإنها تدل على البحر المالح فقط، وإذا قيدت فإنها تدل ما قيدت به، وقد جاءت لفظة “البحرين في مطلقة في الحالتين المذكورتين”.
ب ــــ أورد القرآن الكريم لفظة “البحر” بالإطلاق (39) موضعاً، منها (33) بالإفراد و(3) بالتثنية و(3) أخرى بصيغة الجمع، ومن ذلك قوله تعالى : ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ﴾ [ إبراهيم: 32].
وفي المقابل نلاحظ أن القرآن الكريم أورد لفظة “البحر” بالتقييد المحدد مرتين فقط بصيغة التثنية:
يقول فيها الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا ﴾ [الفرقان : 53]. والآية الكريمة تشير إلى ثلاثة أنواع من المياه:
- مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
- مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
- مياه في منطقة المصب وهي مزيج من الملوحة والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين البحر والنهر.
لا تختلط الكتل المائية الثلاثة (ماء النهر وماء البحر وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية بأن معظم الكائنات التي تعيش في البحر أو النهر أو المصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها وتموت إذا خرجت منها.
ومنطقة المصب منطقة محجوزة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر أو النهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الأسموزي، وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله به منطقة المصب، فإن الأقمار الصناعية قد زودتنا بصورة باهرة تبين لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، ولقد وصف القرآن الكريم منطقة اللقاء بين الكتل المائية الثلاثة بأدق وصف وأدل لفظ وأوجز عبارة تضمنت تحديد العلاقة بين الكتل المائية الثلاثة وكائناتها الحية التي تعيش فيها.
– وقال تعالى: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [فاطر: 12].
ج ــ في وصف لفظة “البحرين” المطلقة جاء في سورة الرحمن قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن : 19 ـ 22].
وكل من اللؤلؤ والمرجان لا يحيا إلا في الماء المالح، وإن كانت بعض أصداف اللؤلؤ قد استزرعت صناعياً في الماء العذاب، وعلى ذلك فإن جمع اللؤلؤ والمرجان معاً في الآية رقم (22) من سورة الرحمن يؤكد على أن المقصود بالبحرين هنا هما البحر الملح، والبحر الملح، وهو أمر أكبر إعجازاً من التقاء النهر العذب بالبحر المالح، على أهمية ذلك العظمى، وضرورته القصوى لاستقامة الحياة على سطح الأرض، وعلى ما فيه من إعجاز في الخلق يعجز البيان عن تصويره.
د ـــــ الإشارة القرآنية الكريمة إلى تعظيم الفاصل بين البحرين العذب والملح بكل من البرزخ والحجر المحجور، وذلك لوجود الدلتا ومقدماتها وما حولها من حواجز ترسبية بالإضافة إلى الماء الوسطي بين العذب والملح “الماء المويلح أي قليل الملوحة” على حواف الماء العذب عند التقاء المائين ووجود الشحنات الكهربية المتشابهة والمتنافرة في أيونات الأملاح المذابة في الماء وفي المقابل فإن الإشارة القرآنية إلى الفاصل بين البحرين ـ بغير تخصيص ـ بتعبير البرزخ فقط أو الحاجز فقط، وهو الحاجز بين الماء الوسطي بين مائين مختلفين في صفاتهما الطبيعية والكيميائية، كالبحرين الملحين المختلفين أفقياً أو رأسياً وذلك لأن مثل هذا الحاجز يمنع تحرك الكائنات البحرية من كتلة مائية إلى كتلة مائية أخرى مجاورة إلا إذا تباينت الصفات بينهما تبايناً صارخاً، فهو لا يحجز الكائنات البحرية حجراً كاملاً، كما أنه يصعب إدراكه على غير المتخصصين حتى في زمن التقدم العلمي الذي نعيشه.
ه ـــ ثبت أن التنوع بين كتل الماء المتجاورة أفقياً ورأسياً بين البحار المتجاورة، وفي داخل البحر الواحد من البحار العميقة والمحيطات ضرورة من ضروروات التنوع البيئي في البحار الذي لولاه لتقلصت الحياة البحرية تقلصاً شديداً.
إن هذا العلم الذي نزل به القرآن يتضمن وصفاً لأدق الأسرار في زمن يستحيل على البشر فيه معرفتها ليدل على مصدره الإلهي، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الفرقان : 6]. وفي رسالة جديدة للملحدين مفادها أنَّ الضبط الدقيق والإتقان في خلق الكون والأرض هو دليل وجود متقن لذلك وهو الله الخالق البارع رب هذا الكون ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾[السجدة: 7 ]، كما تدل على أن الذي أنزل عليه الكتاب رسول يوحي إليه وصدق الله القائل: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت : 53].
مراجع البحث:
- د. علي محمَّد محمَّد الصَّلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، بيروت، 2013م، ص 109: 111.
- عبد المجيد بن عزيز الزنداني، بينات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومعجزاته، دار الإيمان، القاهرة، الطبعة الأولى، ص 72 : 75. ص 146 : 155.
- د. زغلول النجار، مدخل إلى دراسة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، دار المعرفة، بيروت. لبنان، الطبعة الأولى، 2009م، ص 206.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
تجهيل واستعباد واستغلال البشر بالخرفات والاوهام الكاذبة يعتبر جريمة مع سبق الاسرار ضد البشرية بصفه عامة واجيال الأمة العربية بصفه خاصه… واعتقد ان لو بعث محمد ابن عبد الله عليه السلام من جديد في هذه الامة…لتبراء من كذب وافتراء وتدجيل جميع شيوخ الجهالة والنفاق وتجار الدين والعملاء بمن فيهم هذا الكاتب…محمد ابن عبد الله عليه السلام قال” انا ابن امراء كانت تأكل القديد”… وقال ” انما انا بشر مثلكم يوحى الى”…وقال ” وما اتيتم من العلم الا قليلا”… والآيات التي ذكرها الكاتب في مقاله هي حقائق علميه كانت معروفه عند الناس بآلاف السنين قبل ظهور الإسلام…وقوله ان هذه معجزات الهيه و حقائق علميه ثم اكتشفها بالعلم الحديث فقط…ولم تكن معروفه قبل نزول القران هو كذب وافتراء وتدجيل…يستعمل لاستعباد عقول الناس…فالكثير من الحضارات التي قامت وترعرعت حول شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام و نزول القران…كان المعروف عنها انها ركبت البحر…مثل حضارة الفرعونية والفينيقية والفارسية واليونانية والرومانية…ولاحظ ربان السفن وبحارة هذه الحضارات وجود هذه البرازخ بين البحار والانهار…لان هذه البرازخ كانت ومازالت يمكن رؤيتها بالعين المجردة ولا تحتاج الى تقنيه علميه عالية لاكتشافها… كما يريد ان يوهمكم هذا الكاتب وغيره من شيوخ الجهالة…وعليه هذه الحقيقة كانت معروفه قبل ضهور الإسلام وتم تداولها ونقلها من جيل الى جيل بين العامة…ولم تكن معجزة…وكذلك الآية “فيخرج منها اللؤلؤ والمرجان” لا تعتبر معجزة الاهيه لان كنوز ملوك الفرس والروم كانت مليئة باللؤلؤ والمرجان قبل ظهور الوحى…قال المفكر العربي عبدالله القصيمي في كتابه -هذه هي الاغلال-…”ان الاوهام تأكل العقول…وكل وهم يأخذ من العقل بقذره…ولاتزال الأوهام تتوالى عليه حتى يصبح عاجزا عن التميز ويتخلى عن وضيفته ” وقال الشاعر والفيلسوف العربي أبو العلاء المعري…الدين كذب ورياء…حب الكسب اوجده…وطلب النفع ابقى عليه…وسلطان التقليد مكن له من النفوس…يكفيك لتطرحه ما تجد بين الأديان وفيها من مذاهب… وفى اعتناقها من تقليد… ولدى أهلها من نفاق…وفى قرارة العقل من انكار”