اكتشف علماء الفلك حقيقة أن الأرض كروية الشكل بعد دراسات وبحوث استغرقت عشرات السنين، ولكن قبل أكثر من 1400 عام كان للقرآن الكريم السبق في ذكر هذه الحقيقة، حيث تشير آياته وتؤكد على أن الأرض كروية الشكل، وهي بذلك ليست في حقيقتها ممتدة امتداداً ينتهي عند حافة من الحواف كما كان يتصور الأقدمون ويعتقدون، ولكن الأرض ذات شكل بيضوي كالكرة، وذلك ما تقتضيه سنة الطبيعة في دورتها الرتيبة المنتظمة، وما تقتضيه عجلة الكون المتحرك الدقيق، ولو لم تكن الأرض على هذا النحو من الاستدارة لتعطلت نواميس الخلق على هذا الكوكب، ولباتت الحياة على ظهره مشلولة أو مستحيلة.
إن القرآن الكريم لا يقول أبداً بثبات الأرض أو بأنها مسطحة، بل قال تعالى: ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: 20]. وكلمة (سُطِحَتْ) تعني مُهدت وبسطت أمام البشر، فأنت مهما سرت على الأرض تجدها مسطحة وممهدة أمامك، وهذا لا يتحقق إلا بالشكل الكروي.
ولم يأت القرآن الكريم بالدلائل التي تؤكد لنا أن الأرض كروية في آية واحدة … بل جاء بها في آيات متعددة ومنها قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ ﴾ [يس: 40].
فقد جاء ذلك رداً على السابقين لفهمهم أن اليوم يكون مبدوءاً بالنهار ثم يعقبه الليل، فكأن الله سبحانه يقول لهم: لا يسبق النهار الليل ولا يسبق الليل النهار، ولكنهما كليهما موجودان معاً وفي آن واحد.
ومن المعلوم أن أجزاء الأرض تتفاوت فيما بينها من حيث إقبال النهار بضيائه أو حلول الليل بسواده فبينما تزهو بقاع من الأرض بضياء الشمس، تسكن بقاع أخرى من الأرض بعد أن أرقدها الليل بظلامه، وذلك كله لا يقع بالتعاقب ولكنه واقع في نفس الآن، مما يدل على أن الأرض كروية استناداً إلى الظاهر من دلالة النص القرآني ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.
والدليل كذلك على كروية الأرض قوله تعالى : ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ [الزمر: 5] .
إنَّ قوله: ” وَيُكَوِّرُ” من التكوير وهو اللف، نقول كار الرجل العمامة كوراً بمعنى أدارها على رأسه، وكورت الشيء إذا لففته على جهة الاستدارة وذلك كقوله تعالى:” إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ” يعني طويت كطي السجل، ولابن جرير الطبري في تفسيره أن : يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، أي يغشى هذا على هذا وهذا على هذا كما قال : ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ [الحديد: 6].
يستفاد مما ورد في التكوير أن المراد به اللف على هيئة الاستدارة، وبذلك فإن تكوير الليل على النهار يعني انبساطه عليه بغشائه الملتف وذلك على النحو المستدير وفي ذلك دلالة على أن الأرض مستديرة في هيئتها طبقاً لصورة الغشاء الذي يلف الأرض لفاً دائرياً على شكل الكرة.
- ومن الآيات الدالة على دوران الأرض آيات إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل:
قال تعالى: ﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 27].
وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: 61].
وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 29].
وقال تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الحديد: 6].
والولوج لغة: هو الدخول، ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن آخر، اتضح لنا أن المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتعيشانه أي الأرض، بمعنى أن الله تعالى يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمة الليل، وهو ما يشير إلى كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس بطريقة غير مباشرة، ولكنها تبلغ من الدقة والشمول والإحاطة ما يعجز البيان عن وصفه.
- ومن الآيات الدالة على دوران الأرض آية سلخ النهار من الليل.
قال تعالى: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾ [يس: 37].
ومعنى ذلك أن الله تعالى ينزع نور النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها بالتدريج، ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس، وفي هذا النص القرآني سبق بالإشارة إلى رقة طبقة النهار في نصف الكرة الأرضية المواجهة للشمس وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا بعد زيارة الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين، واتضحت كذلك لمحة الإعجاز القرآني في تشبيه انحسار طبقة النهار الرقيقة عن ظلمة الليل بسلخ جلدة الذبيحة الرقيق في كامل بدنها وفي التأكيد على أن الظلام هو الأصل في الكون، وأن نور النهار ظاهرة رقيقة عارضة لا تظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس، والذي يتحرك باستمرار مع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
- ومن الآيات الدالة على دوران الأرض، آية مرور الجبال مرَّ السحاب:
يقول الخالق سبحانه وتعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88].
ومرور الجبال مرّ السحاب هو كناية عن دوران الأرض حول محورها، وعن جريها وسبحها في مداراتها وذلك لأن الجبال جزء من الأرض ولأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط كذلك بالأرض برباط الجاذبية وحركته منضبطة مع حركة كل من الأرض والسحاب المسخر فيه.
- ومن الآيات الدالة على كروية الأرض ودورانها، آيات غشيان الليل النهار:
قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].
وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3].
ومن معاني ” يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ” أن الله تعالى يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار على الأرض بالتدريج فيصير ليلاً، ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل على الأرض بالتدريج فيصير نهاراً، وهي إشارة لطيفة إلى كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته في زمننا الحالي 24 ساعة يتقاسمها بتفاوت قليل الليل والنهار، في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة، فلو لم تكن الأرض كروية الشكل ما استطاعت الدوران حول محورها ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار.
وهكذا نرى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فالقائل هو الله، والخالق هو الله، والمتكلم هو الله، فجاء في جزء من آية قرآنية ﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ﴾ ليخبرنا إن الأرض كروية وأنها تدور حول نفسها، ولا ينسجم معنى هذه الآية الكريمة إلا بهاتين الحقيقتين معاً ، فهل يوجد أكثر من ذلك دليل مادي على أن الله هو خالق هذا الكون؟ ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11]، وهذه رسالة جديدة وصرخة مدوية في وجه الملحدين وزيف إدعاءاتهم وافتراءاتهم على قدرة الله وخلقه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
كم هو جميل أن يبعد القرآن عن المجادلات التي لا طائل من ورائها. القرآن ليس كتاب فيزياء وليس من مهمته القول بكروية الأرض أو عدمها. القرآن يحتوي على منهج لتقويم سلوك الانسان وليس لتعليمه علوم الفلك والجيلوجيا.. كل هذه الترهات التي يسمونها الاعجاز العلمي في القرآن هي مجرد تخريجات لا معنى لها ولا لزوم لها أصلا، والأدهى أنها قد تجر المفسرين إلى نتائج تتناقض في نهاية المطاف مع العلم عندما يصر البعض على أن الآيات لها معاني علمية. بكل بساطة قد يقع الاشكال من تفسير عبارات قرآنية مثل “سبع سموات طباقا”، مع أن العلم يثبت أن السماء لا وجود لها أصلا فأين السموات الطباق.. القرآن ملئ بالمجاز، والكنايات، والتشبيهات، وهذه لا يمكن أن تفسر تفسيرا فيزيائيا علميا..!