سأتحدث في هنا المقال على سجيتي بدون ترتيب أو تنميق..
ما يشغلنا جميعا هو توالي الأعوام التعيسة وفي كل مرة يظهر في الأفق أمل سرعان ما يغتاله احباط.
ليبيون يريدون صنع شيء مهم لوطنهم يرتقي بها الى القرن الحادي والعشرين بمعطياته الحضارية والثقافية والسياسية ، بعد تعطل وتشويه دام أربعة عقود ونيف راودهم هذا الأمل منذ 17 فبراير 2011 ولم يجدو الا العقبات والعراقيل لمنع الحلم الرائع من أن يتحقبق.
ليبيون آخرون انتهزوا فرصة الفراغ السياسي فسعوا الى ملئه لم يكن لديهم تصور واضح لكيفية بناء الدولة المدنية الحديثة بعضهم سارع الى نبش القبور وتهديم محاريب المساجد وازالة الأضرحة من الوجود اكتفوا بذالك واعتبروه نصرا مؤزرا ولم يقدموا برنامجا للنهوض بالدولة.
أحزاب سياسية تشكلت وكل رئيس حزب اعتقد أنه المنقذ والمخلّص وينتظر فرصة الاعلان عن الانتخابات الرئاسية ليقدم نفسه حاكما عادلا وقويا يحل المشاكل ويحبس الأزمات.
شباب توفر لهم السلاح بكثرة فمنهم من سيطر على أجزاء من مدن ومنهم من امتهن الحرابة ومنهم من سعى الى سرقة مقدرات الدولة لتهريبها للخارج والأخطر أن منهم من أصبح يحكم ويتحكم في السلطة التنفيذية التي تأتمر بأمره ولا يأتمر بأمرها.
ومواطنون يستسلمون لقسوة الحياة ووجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي لا يقدمون حلولا وانما يكتفون بتوزيع الشتائم والتهم ولا يخرجون للشارع بالالاف استخداما لحقهم في الاحتجاج السلمي كما تفعل الشعوب الواعية.
المجلس الوطني الانتقالي ارتكب أخطاء ولكنه سلم الأمانة الى الشعب الليبيى وأجريت انتخابات عام 2012 وكانت مبهرة.
استلم المؤتمر الوطني العام السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد. لكنه أخفق في اختيار حكومة مؤهلة وقوية وقادرة على انهاء فوضى السلاح وفوضى الاعلام وفوضى التدافع على المناصب بحجة المحاصصة. ولم تعمل على تنفيذ ما أصدره المؤتمر من قرارات بالخصوص.
توالت الحكومات البائسة ولم يتمكن المؤتمر الوطني العام من محاسبة أي منها وظلت حجة الحكومات المتوالية دائماً عند استدعائهم للمساءلة بأنها مسيطرة على الموقف وبأنها ستقدم للمؤتمر نتائج وخطط أعمالها وأسماء المتورطين في الاغتيالات التي اجتاحت بنغازي وغيرها من المدن، كانت سياسة امتصاص غضب التساؤلات بالوعود التي تتحقق.
تعرض المؤتمر الوطني العام الى أكثر من مائتي اعتداء ولم يلق حماية لا من وزارة الداخلية ولا من رئاسة الأركان. بل الذي حدث أن بعض تلك الاعتداءات كان يخطط لها في وزارة الداخلية ويتم تسييرها الى مقر المؤتمر.
رئيسا المؤتمر الوطني العام أحسا بابهار المنصب فتصورا أنهما زعيمان سياسيان لا يشق لهما غبار ولم يلتفت أي منهما لما قدم لهما من بعض الأعضاء من خطط ومقترحات طواها الزمن بالمماطلة والتسويف.
بالضغط الشديد من داخل المؤتمر ومن خارجه دعى المؤتمر الوطني العام لانتخابات عام 2014.
فرحنا أنه قد تم أخيرا اعادة الأمانة الى الشعب ليعيد اختياراته في من يمثله وينفذ ارادته.
كانت نسبة المصوتين في انتخابات مجلس النواب بسيطة لم تتجاوز 700 ألف ناخب في حين المصوتين في انتاخابات المؤتمر الوطني تجاوز مليون وستمائة ألف ليبي أدلوا بأصواتهم.
أول قصيدة لمجلس النواب كانت كفرا كما يقولون فقد دعى أبوبكر بعيرة باعتباره أكبر الأعضاء سنا الى جلسة تشاورية في مدينة طبرق فتحولت الى جلسة رسمية لاختيار رئيس ونائبين ومقرر و أجهض أمل بعيرة في تولى رئاسة المجلس. وانتخب عقيلة صالح رئيسا ربما عشما في أنه قاضي سابق وسوف يرى الأمور ويسيرها وفقا لروح العدل والقانون فاذا به يمارس مهام الرئاسة بعقلية شيخ القبيلة بعيدا عن العصر ومعطياته وبعيدا عن القانون وأحكامه رز ولحم ومطالب اقليمية وغاب الوطن.
جاءت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لتبطل قانون انتخابات عام 2014 وبذلك أصبح مجلس النواب والعدم سواء.
لم يمتثل القاضي السابق ورئيس مجلس النواب الحالي لذلك الحكم ما يعني حالة تمرد على القضاء لا يمكن أن تصدر الا عن شخص لا يعرف للقضاء والقانون معنى ولا يقيم لهما وزنا.
حدث تصدع في مجلس النواب وزاد هذا التصدع اتساعا بعد التوقيع على اتفاق الصخيرات حيث تنكر القاضي السابق ورئيس مجلس النواب الحالي وبدأ الترويج بأن الذين وقعوا لا يمثلون الا أنفسهم.
نائبه الأول امحمد شعيب وقع وقاد حوالي مائة عضو من مجلس النواب معترفين بشرعية التوقيع ثم خذلهم وانصرف بعيدا الى مصالحه الخاصة.
التجأ القاضي السابق ورئيس المجلس الحالي الى اختراع عراقيل لمنع أعضاء مجلس النواب من الاجتماع مرة باغلاق مداخل قاعة الاجتماعات ومرة بسحب سجل الحضور وأخيرا تكليف واحد بدوي متخلف ليجلس على كرسي بعكوزه ليمنع الأعضاء من الدخول. تماما مثل بواب أي عمارة يأذن لمن يشاء ويمنع متى صدرت له الأوامر.
بعد جهد جهيد تمكنت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور من التصويت على المشروع وقدمته الى مجلس النواب.
نام القاضي السابق ورئيس المجلس الحالي سنة كاملة وأزيد دون أن يطلب ملف قضية مشروع الدستور ليتداوله ممثلي الأمة ليتفقوا ويتوافقوا على اصدار قانون الاستفتاء عليه باعتباره الأمل الأخير المعلق للم شمل الدولة وانهاء مراحل العبث السياسي وانقاذ الدولة من الانهيار.
جاءت البعثة الأممية للدعم في ليبيا ومارست ضغوطات على مجلس النواب لاصدار قانون الاستفتاء وحيث منيت لمرات ومرات بوعود معسولة على لسان القاضي السابق ورئيسه الحالي بأن القانون سيصدر وحيث أصيب رئيس البعثة الحالي غسان سلامة بالاحباط جراء الوعود التي لم تنفذ فانه بدأ يلمح الى امكانية تجاوز مجلس النواب وقدم احاطة لمجلس الأمن عبر فيها عن نفاذ صبره على مراوغات المجلس.
أمام هذه الضغوط ومن أهمها اعلان غسان سلامة عن انعقاد المؤتمر الجامع في أوائل يناير القادم وأن الانتخابات ستجرى في ربيع عام 2019. هنا شعر القاضي السابق ورئيس مجلس النواب الحالي بأن المقصلة ستهبط لا محالة فاستبق الأمر وساعده دهاقنة الكولسة فصاغوا له قانونا للاستفتاء يؤدي الى رفضه.
اطمأن القاضي السابق ورئيس المجلس الحالي بأن هذا القانون سيحقق له النطق بالحكم على مشروع الدستور بالاعدام مع سبق الاصرار والترصد وبذلك يكون القاضي قد حكم بالعدل استنادا لما نص عليه القانون.
دخل على خط ارباك المشهد السياسي وتعقيده رئيس المفوضية العليا للإنتخابات خالد السايح فقبل مبتسما فرحانا بقانون الاستفتاء الذي يقسم ليبيا الموحدة ويعطل مشروع الدستور ويلغي الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور لتتأسس دكتاتورية جديدة في زي مدنيي للتمويه بالباسها شرعية انتخابات عامة مؤسسة ومرسومة ومفصلة تفصيلا مسبقا لهذا الغرض .
الرجل كان متحمسا جدا فأعلن أن الاستفتاء سيتم قبل موعد انعقاد المؤتمر الجامع وأن المفوضية بحاجة ملحة لأربعين مليون دينار. أما وحدة الوطن وارادة الناخبين فانهما ليستا ضمن القضايا الملحة ولا ادري ان كان تصرفه هذا يمثل توازنا وقراءة صحيحة للمشهد السياسي أم أنه يفتقد استشعار الخطر المحدق بالوطن لو تم الاستفتاء بموجب القانون المهزلة الذي استلمه من النائب الأول لمجلس النواب. أم لعله يشترك مع القاضي السابق ورئيس مجلس النواب الحالي في التآمر ضد ارادة الشعب الليبي؟
وبعد
هذه حصيلة سبع سنوات عجاف تسير على وثيرة من فشل الى فشل أفدح ويبقى تلخيص المشهد السياسي المرتبك على النحو التالي:
لدينا مجلس لا أدري هل أسميه مجلس نواب الشعب أم هو مجلس بعض نواب الشعب.أم مجلس عقيلة صالح ومن يدور في فلكه ومن يدورهم في فلكه.
مجلس منقسم على نفسه منذ اليوم الأول لانعقاده حيث قاطعه نواب منتخبون أعتقد أنهم خذلوا ناخبيهم فبدلا من أن يعملوا من داخل مجلس النواب بدأوا يغردون خارجه وأعطوا الفرصة لغيرهم لأن ينحرفوا بالمجلس ويطوّعوه لرغباتهم وأفكارهم وقضاياهم ومصالحم.
ولدينا مجلس أعلى للدولة يبدو في الظاهر متماسكا ولكنه في الداخل مثل النار تحت الرماد فئة من أعضائه يدعون للتريث والحكمة واستعمال العقل بالمزيد من التواصل مع أعضاء مجلس النواب ولا أدري ما اذا كانت هذه النوايا صادقة ومخلصة أم وراء الأكمة ما وراءها؟ في حين يرى البعض الآخر أن العقل والحكمة تستدعي أن يتخذ مجلس الدولة موقفا واضحا وصريحا يعبر عن آمال الشعب الليبي في انهاء هذه الصراعات العبثية باعلان موقف حاسم للمجلس يقطع حبل الصرة مع مجلس النواب لأنه لم يبد حسن النوايا ولا الرغبة في انهاء الأزمات التي تعصف بالوطن طيلة الثلاث سنوات الماضية وأن التعديلين الدستوريين الأخيرين اللذين يدّعي مجلس النواب اصدارهما بنصاب قانوني هما طعنة قاتلة لآمال الشعب الليبي وتطلعاته في تأسيس دولة مدنية ديمقراطية موحدة بمؤسسات دستورية وأنه لا عودة للحكم الشمولي أو استنساخ النظام السابق ولن تكون ليبيا لقمة سائغة لطلاب السلطة والحالمين بالزعامة.
ان ما يفعله هذا المجلس أو باسمه هو أكبر خيانة ترتكب في تاريخ ليبيا القديم والحديث ولا بد من وضع نهاية لاستمرار بقائه وهذا موقف وطني ولا مجاملة في القضايا الوطنية وخاصة ممن يحملون مسؤولية تمثيل الأمة بأوجاعها وآلامها بآمالها وطموحاتها.
أنا من مؤيدي هذا التوجه ولا زلت أدعو له منذ أكثر من سنة وأن على المجلس الأعلى للدولة أن يرمي بكل ثقله مع المؤتمر الجامع لاعادة الأمانة الى الشعب الليبي ليعيد تشكيل المشهد السياسي مستفيدا من تجارب السنوات العجاف غير أنني غير واثق من النتيجة التي أتمناها فقد تأتي لحظة التصويت على هذا التوجه خلافا لرغبتي ورغبة من يرى أن علينا أن نتجاوز ونبتعد عن أي سلوك مهادن يضر بمصلحة الوطن واستقراره وأن على من يمثل ناخبيه أن يدرك بأن ليس هناك من يستفيد من هذه الأوضاع السيئة الا سيئي النية الذين يرون الوطن غنيمة عليهم اقتناصها.
أريد أن أرى مجلسا للنواب بدماء جديدة وأفكار جديدة تُدخل ليبيا الى القرن الواحد والعشرين بكل معطياته الحداثية وثقافاته الواسعة وتبعدها عن أفكار الطمع التي تنتج التشظي والانقسام والتخلف لكي لا تتلاشي الدولة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
أحسنت كأن المقال كتبته أنا والألاف ممن يرون أن مجلس النواب المسخ لا يفيده الترقيع، وأن إزالته نصر لكل الليبيين.