لقد تناولت في ما تناولته في الجزئيين السابقين، من تحت هذا العنوان، وانتهى بنا التناول ُلى إمكانية ولادة كيان وطني ليبي جديد غير الذي كان، ومن ملامحه المميزة ظهور وعّي عضوي غير مسبوق لهذا الكيان تَخَلّق بفعّل وتفاعل وتمازج المفردات بالمراحل . التى صاغة وشكلت هذا الكيان الجديد . واشرّنا الى ان هذا الوعي العضوي . يتكئ على الواقع الجغرافي الملموس والمحسوس . للكيان الوطنى الجديد . وقدرنا بان هذا الوعى مع اكتماله . سيتّجه فى ما سيتّجه اليه . نحو اعادة النظر فى مفردات ومصطلحات ومفاهيم قاموسه السياسي . ودهبنا فى مقاربة توضحيه لذلك . واتخذنا من مفّهوم (الغرب السياسي) . كمثال . وقلنا بان هذا الوعى العضوي . سينّتبه بان ما اصطلح عليه (بالغرب السياسي) . لا يجب النظر اليه . من على جغرافية شرق المتوسط وشمال اقريقيا . والتعاطى معه على انه غرب سياسى واحد . فمعاينة هذا المفهوم – الغرب السياسى – من خلال الواقع الموضوعى للكيان الوطنى الليبيى الجديد . يُظّهره . بانه غربيين اثنين . وليسا غرب سياسى واحد . غرب أوربي . وهو ما تضمه اليابسة الاوربية . وغرب اخر اطلسي انجلوسكسونى .
وذهبنا الى حصر النقاط . التى جعلت منهما غربيين متمايزين فى الاتي :-
*غرب أوربي . يلتقى معه شرق المتوسط وشمال افريقيا . فى جغرافية وثقافة شعوب حوض المتوسط .
* غرب اطلسي انجلوسكسونى . لا يُشاركه فى شيئا مما فات ذكره . فهذا ينتمى الى فضاء جغرافي وثقافي اخر .
غير انه تمت عامل جوهري وأساسي اخر . نتج عن التعاطي المختلف . لهذيّن الغربين مع جغرافيتنا هذه . . اتنا الحقبة الاستعمارية . فبالرجوع الى تاريخ . هذه الرقعة الجغرافية . مع مرحلة المد الاستعمارى . نجد كِلا الغربيين . عندما سعيا نحو وضع اياديهما . على رقعة شرق المتوسط وشمال الأفريقي . بغرض جعلها جغرافيات تابعة , ومنّضوية تحت مظلتهما الاستعمارية الواسعة . توجّه حينها . كِلا الغرّبين الأوربي والاطلسيى . الى المرّتكز الثقافي لهذه الجغرافيات . للاشتغال علية . وجعله اداة لهم . لتحقيق مبّتغاهم ذاك .
* فذهب الغرب الأوربي . فى اتجاه احلال بديله الثقافى . مكان المفاعيل الثقافية التى يتشكل منها المرتكز الثقافي . للجغرافيات التى وقعت تحت يده . فى شرق المتوسط وشمال افريقيا . وسقط هذا البديل الثقافى باكرا . مع المواجهات الاولى , لما عُرف تاريخيا . بمرحلة التحرر الوطني .
** امّا الغرب الأطلسي . المتمثل حينها بالاستعمار الإنجليزي . فقد سلك سبيل اخر , وكان خطيرا . ركّز فيه هذا الإنجليزي . على اختراق هذا المرّتكز التفافي . ببعّديّه الديني والقبلي . وسعى للوصل لهدفه هذا . عِبر دراسة جيدة وموسعة لهذا المرّتكز الثقافي فى . مكوّناته . ادواته . آلياته . مرّجعياته الخ . عبر رحّالته وجواسيسه ومراكز أبحاثه . استوعبه وهضمه وتمتله . ومن ثُم اشتغل على . ابتداع تيار فكرى موازى , داخل هذا المرتكز الثقافي لهذه الجغرافيات . وقد نجح فى ذلك . ولا يحتاج المتتبع المهتم . لجهد كبير . للتعرّف على حضور هذا التيار . فى مناشط وتفاعل وحراك . تيار الحياة اليومي داخل هذه الجغرافيات . وان تخفى فى تعاطيه مع الواقع اليومى . بذات اللسان واللباس , وتفاعل مع ذات الرموز والمرجعيات . وتعامل بذات الشعائر والطقوس . وقد عمل عرّاب هذا التيار الفكرى . على ان يكون عائد ومردود . تعاطي هذا التيار مع جغرافياته . يصب فى صالح وخدمة ومرامي عرّابه الانجلوسكسونى العتيد . سوى على نحو مباشر او غير مباشر .
كنت احاول القول . بصيغة اخرى . وبترّكيز شديد . لقد تمكن هذا الإنجليزي . بواسطة مكونات و مفردات هذا التيار الفكري الموازي . ببعّديه الديني والقبلي . من وضع الاسس والقواعد المتينة . لإقامة (مسجد ضرار) . لينهض صرحا عاليا . وفاعلا . داخل المرّتكز الثقافي لجغرافيات شرق المتوسط وشمال افريقيا . وبه تمكن هذا الانجلوسكسونى من الوصول الى كل ما يًريد . بعيدا عن كل جريرة او تبعات او اوزار قد تطاله . حتى وان جاء وصوله الى هدفه . على انقاض ودمار واشلاء الاخرين .
فها نحن الان . فى وقتنا البائس هذا . نعايش ونحسّ صوت وصورة . بعض من ثقل ووقعْ حراك هذا التيار وتفاعله المدمّر . الذى طال كل شيئي فى حياتنا . حتى الضروري اليومي منها . وقد صار بعبثه هذا . ملء السمع والبصر . وقطب رحى احداث هذا العالم البائس . وتمكن بأبجدية سفهه هذه . من نحت اسمه بالدم والدمار ورائحة البارود . كعلامة من علامات هذا العصر البائس .
ولكن دعونا نتابع بعض من المشاهد المقتضبة . لمراحل نشأت هذا التيار الفكري الموازي . وتطوره . فمند بداية ارهاصات تشكّله فى الوجود . شاهدناه فى تجسّداته البدائية وتمظّهراته الاجتماعية المُبكّرة . ذات الصبّغة البدوية . كيف انتفض مُسّتنفرا . ليمتطي صهوة فرسه . ويعتلى راحلة بعيره . فى معمعة الحرب العالمية الاولى . ليقاتل حذو النعل بالنعل مع صانِعّيه . ويساندهم فى دفع وازاحت اليد الترّكية . عن بعض جغرافيات شرق المتوسط . لتؤول هذه الجغرافيا . فى ما بعد الى يد عرّابه الإنجليزي . وصايتا واحتلال .
وصار هذا التيار الفكري . مع تقدمه فى الزمن . يطور من نفسه , ويُدعّمها . بروافد جديدة . تزيد فى قوته. وترفع من معدل ادائه . لتؤهلها للقيام بادوار ومهام جديدة . ولكن كل هذا . ليس ببعيد عن سمع وبصر ويد صانِعّيه .
فبعدما تخلى عن وسائله وادواته القديمة . فى فرسه , وراحلة بعيره . واستبدلهما بسيارات (اللاندروفر) وعربات (الجِيب) . واسّتعاض عن سلاحه القديم . بمدفع رشاش ذو كثافة نارية عالية . و بقاذف صاروخي لمعالجة الاهداف ذات الدروع السميكة . والاهداف الجوية ايضا . شاهدناه مع ثمانينات القرن الماضي . بعدما ارتدى قناعه الديني . ينّخرط فى جاهد مسّتميت , عبر الممرات الضيقة بجبال افغانستان وكهوفها . بهدف اخراج ودفع القوات السوفيتية الملّحدة . بعيدا عن البوابة الشرقية لحلف الأطلسي .
وعندما ازفت ساعة . تشّكيل الشرق الاوسط الجديد . فى دهن وعقل مُخطّطيه وصانِعيه . وفى اللحظة التى بادر فيها الغرب الأطلسي . بالترويج لمشروعه هذا . وسعى نحو خلق البيئة النفسية لانطلاقته . وذهب الى اجّتراح مُصطلح (الفوّضة الخلّقة) كاطار لإنجاز ما عزم عليه . لم يتباطآ منبر هذا (المسجد الضرار) فى الدعوة الى حالة النفير . تحت غطاء وتأويل دينى . يقول باولوية مقاتلة العدو القريب . فانطلقت السيارات المفخّخة . لتعصف دمارا بمدن جغرافيات شرق المتوسط وشمال افريقيا . لتحيلها اشلاء وانقاض . فصار بهذا الاستنفار . العمران داخل هذه الجغرافيات خرابا . وزحفت الامواج البشرية المرّعوبة الهاربة . من هذه الجغرافيات المستهدفة بالدمار . ميمّمه بوجهها صوب القارة العجوز كما اسماها , غريمها الغرب أطلسى .
كل او جل هذه الاحداث . قد عايشّنا تمظّهوراتها السيئة . فى دنيا واقعنا اليومي المعاش . ولازلنا . وعانينا الكثير من مردوداتها المدمرة . داخل هذه الجغرافيات البائسة . وطالت اتاره المميتة . بعض من جغرافيات الغرب الاوربى . ولكن ومن خلال المتابعة لجل المقاربات . التى تستهدف التضيق على هذا التيار . ومن تم الوصول الى شل وتفكيك , آلته المدمرة . نجد بان كل المحاولات التى تناولته . كانت غير جادة فى تعاطيها مع هذا التأزم . لأنها وبإيجاز القول . لم تذهب الى العقل الذى تفتّقت موهبته . عن صناعة آلت . هذا الدمار الذى يعصف بالحياة . لتخّنق هذا الغول . فى خلايا . ذلك العقل المشوّه . وهذا فى الامكان تحّقيقه وتحقّقه بسبل عدّه . فمثلا . قد يذهب المتضرّر . من كل هذا العبث المدمر. الذى يطاله حياته . فى داخل هذه الجغرافيات التابعة . نحو التفتيش . عن موطأ الجرح المؤلم . فى كيان هذا العقل المشوه . وعند الوصل الى موضع الالم . سيتراجع هذا العقل المريض . وسيعيد النظر فى جمّلة حساباته . لأنه يعرف حينها . ويتحسس مصيره , قبل تحسس القاعدة العلمية التى تقول . بان كل فعل . له ردة فعل مساوية له فى القوة ومضادة له فى الاتجاه .
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً