إن أكثركم صخباً، وأكثركم عتاداً وقدرة على ممارسة العنف اليوم أقربكم إلى “قلب” السلطة… فهل تريد أن تنعُم قريتك أو مدينتك النائية أو عشيرتك المُهمَلة بإهتمام السُلطات العُليا الجديدة في ليبيا وأن تَحظى قبيلتك أو جماعتك الدينية أو حزبك بالدلال والمناصب الرفيعة والحياة المخملية… فإن الوصفة في منتهى البساطة … فكل ماعليك فعله هو أن تجمع عدداً من الفتية الأشداء أو الضعفاء -لايهم طالما لديهم السلاح- من قبيلتك أو جماعتك الدينية وتحاصر أقرب مقر حكومي وتقطع النفط أو الغاز أو الماء أو أقرب طريق عام أو مطار أو مشفى… أو حتى مخبز القرية…
وإن أردت أن يأخذ الأمر بعدا دولياً وأصداء اعلامية واسعة … فكل ما عليك فعله هو أن تـجُـر عـدداً من الشيوخ والطـاعنين في السن – ممن لم يعد يهمهم ماذا سيحدث للعالم “حسب قول برنارد شو” – وتعلن عــزمكم “النأي بالنفس” -عن المستنقع الليبي- والاستقلال ببـقعة الأرض التي تقطنونها وأن تقوموا بترسيم حدودكم الجغــرافية ولا تنسى التعاون مع فضائيات مشائخ الخليج، فما خُـلقَت فضائياتهم إلا للإكـثار من نسل بلاد العرب وزيادة عدد الكراسي بمقاعد جامعتهم العربية.
الوصفة ناجعة .. ومضمونة النتائج .. وآخر النماذج هو اعلان رئيس الحــكومة بنقل مقر عدد من المؤسسات الرسميّة الرئيسية الى بنغازي اضافة لمنح هذه المدينة 15 مليون دينار بشكل عاجل …! في أول رد فعل لحكومة زيدان عقب اعلان الشـطر الشــرقي من ليبيا انفصاله عن ليبيا واعلان استقلاله تحت اسم “امارة برقة” … وكأن كل هم السيد زيدان هو كسب بعض الوقت مع هذا الشطر المتمرد من الوطن …!
ولسان حاله يقول خذوا ماشئتم فقط فلنؤجل الانفصال وتفتيت الوطن الى حين… وتلك هي سياسة “التؤدة الزيدانية”…! ولم ينسى زيدان التأكيد عن “حريته” وعدم خضوعه لأي ضغـط في اتخاذ قراراته كما هو حال البرلمان… وأن نيران كل تلك الأسلحة المصوّبَة الى رأس الحكومة والبرلمان تنزل عليهم “برداً وسلاماً”.
ويظهر الأمير وريث عرش السنوسية وديعاً .. وانسانياً .. نابذاً لإستخدام العنف واللجوء للقوة في اصدار القـــرارات الرسمية على نحو ما حدث بـ “قانون العزل” وكأن الأمـــير والشيخ الطموح قد نسي اغلاق أنصاره من المســلحين لطريق “الوادي الأحــمر” في العام 2012 واغلاق شـــركات النفــط بقوة الســلاح ومافعله انصــاره كذلك قبل وابان مرحلة الانتخــابات …!! وإلا فمن أين له ماحــققه من انجازات “فيدرالية” ومنها فرضــهم لتغيير ما يٌسمى بقانون “لجنة الستين” من التعيين إلى الانتخاب وتبني الاحزاب الكبرى العودة إلى دستور 51 لا غــيره وأخــيرا انـتزاع عدد من المؤسسات الرسمية للدولة لتكون ضمن نطاق حدودهم الجغرافية …!!
ربما ذاكــرة الأمــير تحتاج لبعض التنشيط وقد نسي بأنه يحتمي بـ “جيش برقة” والمسمى ألوية قطر سابقاً… لذلك لا تستكثر على الشباب المتحمسين انتزاع “قانون العزل” بالقوة فقد كنتم رواد تحــقيق المصالح والمطالب بالقوة أيها الأمــير الشيخ المُتقِد طموحاً.لإستعادة عرش السنوسية
ونيل المطالب بالقوة … نهج اعتمدته الحكومة والبرلمان الليبي … فلا شيء على الطاولة وعلى بنود جدول الأعمال قبل مَطَالب المُسلحين والارهابيين و”الفتــوات” من كل الفئات سواء دينية أو قبلية أو جهوية أو حزبية … ولا تسأل مثلاً عن “وزير الأوقاف” من الذي ألزمه بيته ولماذا لم يستطع مزاولة عمله حتى هذه اللحظة، ويدرس زيدان أخيراً اعفائه من منصبه لأن “مذهبه الديني” لا سُـلطة له على الأرض ولا يمــلكون السلاح الكافي ..!
في ليبيا اليوم .. مطالب الجماعات الأكثر صخباً والأكثر عتاداً وسلاحاً تأتي أولاً وقـبل كل شيء …! ثم سيأتي من بعدهم دور الخـراف والحـملان الصامتة .. هذا إن بقي لهم وقت أونصيب من نهر المليارات المتدفقة على غير هدى..! ونخشى أن لا يطول صمت تلك الحملان … طالما “السلطات الرسمية” تدفعها عنوة للايمان بأن الحقوق اليوم “تُـــؤخذ غلابا”… ولا شرعية إلا لقوة السلاح..!
فما الذي تنتظره بقــيّة المُــدن والقُــرى النــائية والصامتة فلتنتصب الكانتــونات والفيدراليات والاقاليم والجمهوريات … فإن ليبيا اليوم أصبحت حِــملاً ثقــيلاً على اهلها وصار لزاماً عليهم “تفتيتها” ليسهل على كل فريق حمل الشـطـر الذي يخصّه، ليجعله اخوانياً أو وهابيا أو صوفياً أو علمانياً او مضارب لعشيرته وذويه، كل حسب هواه وما تميل اليه نفسه… وإن بقيت حالتنا هذي الحالة … فبعد وقت قريب جــداً سنسمع عن وطن في حكايا العجــائز اسمه “ليبيا” كان يقـبع ما بين مصــر وتونــس … قـسّمَه ومَــزقه أهـله إرباً، طمــعاً وخـــوفا..!
وأخيراً .. نرجوا أن تنتبه “السلطات الرسمية” للأمانة التي أشفقت الجبال من حملها وقد ارتضوها .. فإما “أن يكون هذا الوطن أو لا يكون” .. وعلى كل المرتعشين من حملة السلاح أن يوقـنوا بأن “القذافي” قد شــبع موتاً ولن يعـود. ولا مبرر لكــل هذا الرعب .. وعليهم تسليم السلاح هذا ان كانوا ليبيين بحق ومسلمين صادقين يهمهم أن لاينهار ويغرق في الدم بلد مسلم آخر … فهذا السلاح المنفلت والعتاد الذي تكنزون لن يكون إلا وبالاً ونكبة للوطن.
وحفظ الله هذا الوطن
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً