الدستور غاية كل شعب متحضر للفصل بين السلطات وضمان السلم الإجتماعي، والدستور مصدر لكل القوانين والفيصل في النزاعات الكبرى والمرجع عند تعارض السلطات، فهو الصوت الذي يرتضيه الجميع والحُكم الذي لا يعارضه أحد. هكذا دستور يعلوا على الجهوية والقبلية وثقافة الغنيمة، المواطنون أمامه سواء ومصلحة الدولة فوق كل إعتبار، ومن يخرج عن سياقه يتهم بالخيانة العظمى، ومن يسير عليه يوشح بنياشين المواطن الصالح ويكرم أيما تكريم. الدستور مثل عربة العرسان لا يقودها إلا المٌهر والجياد، أما من يريد أن يجر العربة بجمال وعير فلأفضل له أن يفكر في الهودج وعبيدها، ولقد ضاق الليبيون برجال العير ورغائهم.
مجلس النواب بوضعه الحالي (وصاحب العكاز أمام بابه) لا يستطيع إنجاز شئ، مجلس فاشل بكل معنى الكلمة، لقد حاولت اللجنة الوطنية للإنتخابات أن تتواصل معه ولقد أنجزت مشروع قرار للإنتخابات على مستوى ليبيا بدائرة إنتخابية واحدة، فقام مجلس النواب بتحويره وتزويره ليكون هناك ثلاثة دوائر إنتخابية على أن يتحصل أي مرشح بأكثر من 50% في كل الدوائر، وهذا يعني سوف لن يكون هناك دستور ولا رئيس دولة ولا حتى حكومة موحدة. إجتماعات المجلس سب وخصام، وإنتهاء الجلسة بعد أقل من ساعة من إنعقادها، هذا إن إنعقدت بثلة ممن لا عمل لهم.
فتح باب الإستفتاء على الدستور في الوقت الراهن ليس بريئا، فأعضاء مجلس النواب والدولة وحتى الرئاسي يعلمون أن نهاية الحقبة الحالية بإنتخابات رئاسية وبرلمانية هي نهايتهم في العمل السياسي، ولذا إدخال برنامج الإستفتاء على الدستور سيزيد من تواجدهم في المشهد الليبي لسنتين قادمتين، (وكما يقول المثل في السنتين إما سيموت الجمل أو الملك ولن أحاسب على تعليم الجمل الكتابة)، أي أن الهدف تمديد فترة اللاقرار والأدولة والأسلم، لمتخاصمين سياسيا ومتآزرين في إستمرار تواجدهم، إن تخاصموا أصدروا قرارات تئن منها الجبال لتقع على هذا الشعب المسكين، وإن تصالحوا يقتسمون الغنائم وأملاك الدولة فيما بينهم.
أخيرا أن الدستور في نسخته الأخيرة معيب من ناحية إستبدال مبداء المواطنة بالجهوية، أي أن المواطن في الجنوب يساوي أكثر من ثمانية مواطنين في الغرب الليبي، وفي الشرق أكثر من ستة مواطنين، وهذا يتعارض مع جميع المواثيق الدولية. ولقد إشتم ذلك الكثير من المثقفين ومنهم الأمازيغ الذين كانت رؤيتهم صائبة بأن رجالات السياسة الحالية والثقافة السائدة لا تنتج دستورا وطنيا، وأن تراكم الثقافة الشوفينية من تعصب وعنصرية وعنجهية أفقدت الأمل في تغير ثقافي وإجتماعي سريع.
من الناحية الواقعية الدستور يحتاج إلى شعب يدافع عن القيم التي أتي بها، وهذا لم يحدث، فلقد صفق الليبيون لإنقلاب 1969م بعد ثمانية عشرة عاما من صدور الدستور، ولم يعارض أحدا لإلغائه، وحتى الإعلان الدستوري لم يلتزم به حتى واضعيه، وقالوا البقاء للأقوى، وهذه الثقافة هي التي تربى عليها أجيال الساسة الحاليين، وهي الطامة الكبرى التي تعرقل أي تغير إجتماعي إلى الأفضل.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً