وصلت الأزمة الليبية اليوم إلى محطة هامة من محطاتها، وهو النفط وهو بيت القصيد من كل مايدور من أزمات، وهو السبب الرئيسي للتدخل الدولي، ولعل أول ما خطر على بالي مقولة الملك أدريس رحمه الله ودعوته ان لايكون النفط نقمة علي الليبيين، ويبدوا انه اصبح نقمة بالفعل تهدد بزوال الوطن. وحادثة اخري لعل ذكرها اليوم مناسبا، وقد نقلها لي الدكتور عبدالله لعيرج منذ اربعين سنة في حادثة رواها له الدكتور علي الساحلي، وكان شاهدا عليها عندما جاء السيد نيكسون والذي تولي رئاسة الولايات المتحدة لاحقا في زيارة الي ليبيا وكان مرافقا له في لقائه مع الملك ليقوم بالترجمة، فقال نيكسون للملك ان ليبيا اكتشفت بها ثروات طائلة، ولا يحتاجها الليبيون كلها و طلب من الملك تخصيص جزء من تلك الثروة لدعم البرامج الامريكية في افريقيا، لمقاومة الامراض والفقر والجهل هناك، وكان ذلك في الستينات في اطار الصراع الامريكي الفرنسي في افريقيا، فكان رد الملك اولا ان الفقر والمرض والجهل لازال في ليبيا، وان الليبيين لم يستشعروا خيرات البلد بعد وثانيا انه ليس صاحب القرار،وانه سيعرض الامر اذا قدم اليه طلب وخطة الى البرلمان، والليبيون وحدهم هم اصحاب القرار، وثالثا ان ليبيا ليس لديها عقدة مع افريقيا، فهي لم تستعبدهم ولم تبعهم في الاسواق، في اشارة الي ماقام به الامريكان ضد الأفارقة. وانتهى اللقاء ورافق الدكتور علي الساحلي السيد نيكسون، الى مقر اقامته وفي الطريق وبعد سكوت التفت إليه نيكسون قائلا الملك رجل طيب فسأله ماذا تقصد قال له انه لايصلح لأن يكون رئيسا للبلاد وبعد هذه الحادثة بفترة قليلة حصل انقلاب القذافي. وبالتأكيد كان الامريكان طرفا فيه، ولقد قام القذافي بالدور المطلوب منه بالمحافظة علي ثروات البترول لصالح الغرب ،فكل عائدات النفط كانت تودع خارج البلاد وكان يصرح علنا، ان النفط لا علاقة لأحد به ،واودعت كل مداخيل النفط خارج ليبيا، وتوزعت علي كافة الدول الغربية ولم يتم بناء مطار ولا ميناء. وقبر القذافي والليبيون يعالجون في تونس والاردن، وكل ذلك ليس عبثا بل مخطط له ،فلم تستفد كل دول البترول العربية من نفطها ولن تستفيد،فقد دمر العراق ولازالت السعودية تعاني التخلف كما الكويت وليبيا والجزائر.. وبعد ان انتهي دور القذافي واصبح عبأ علي المجتمع الدولي استغلت فرنسا ودول الغرب مطالب الاصلاح والحرية في فبراير، وقامت بانهائه وكان الاصرار علي قتله واضحا حتي لايتم الاطلاع علي خفابا المرحلة.
وبعد الثورة وغياب وجود الدولة صارت المخابرات الدولية وعلي رأسها مخابرات دول الجوار وغيرها تعبث بالبلاد وتعمل علي خلخلت القواعد الاجتماعية، واستغلال بعض المطالب التي سبقت استقرار الدولة، وبناء المؤسسات لتفكيك البلاد وجاءت الانتخابات بمؤتمر هزيل معظم اعضائه من الذين ابتعد عنهم الحس بالمسئولية، وكان اختيارهم لحكومة، هي الأسوء في العالم وبدأت المشاكل تطل برأسها وتنهش الوطن. وكانت قصة الجضران وماأحاط به من توجهات جهوية وقبلية، داعمة له لقفل النفط واذلال الليبيين ،ولم تحرك الامم المتحدة والدول الغربية ساكنا، وضيعت علي البلاد مليارات كان يمكن ان تمنع الانهيار الإقتصادي القائم حاليا.
وبعد ثلاث سنوات متتالية فشلت فيها كل المحاولات لإنهاء الأزمة. تم تحرير الهلال النفطي وتم تسليم عائداته الي السيد الكبير وليتصرف فيها بإرادته وحده ولابأس من بعض الصلاحيات للسراج وبعض الملايين للسادة النواب. ولكن الغريب ان الاوضاع ازدادت سوءا، بعد عودة عائدات النفط واصبح تحرير تلك الموانئ بدون معني وازداد الامر سوءا بهجوم مليشيات الجضران مجددا.
والسؤال من دعم الجضران ليعود مجددا؟؟ سؤال يحتاج الى اجابة فهو قطعا لم يمر الي الموانئ عبر السماء. وبعد طرده مجددا كان تسلسلا منطقيا، ان يتخذ قرار بنقل تبعية الموانئ الى المؤسسة الموازية فهي أولا في بنغازي ومن فيها ليبيين وليست خارج الوطن وثانيا من حرر النفط ومن دفع اكثر من مائتي جندي لحمايته طرف لابد من التفاوض معه بجدية فهو طرف في المعادلة. لقد تأكد ان حكومة الوفاق كانت داعم رئيسي للجضران في هجومه،من خلال صديقه وزير الدفاع، والذي توسط لدي مليشيات نالوت لإطلاق سراحه.
في الختام أقول أولا في اعتقادي ان قرارا نقل تبعية الموانئ الى مؤسسة النفط الموازية ليس قرارا جهويا وانما هو قرار تفاوضي ،وكان يجب منذ البداية ان يكون هناك من يراقب توزيع الانفاق ،وان لايترك للعابثين قوت الليبيين.
ثانيا انه لاتوجد مشكلة دينية او عرقية في ليبيا هي سبب الصراع ،وبالتالي فإن النفط هو لب الازمة وهو مصدر الثروة الوحيد الذي يدور حوله الصراع. ومع رسوخ النظرية الغنائمية في عقول الليبيين، والتكالب والفساد الذي شهد عليه ديوان المحاسبة، فلابد من معالجة حقيقية ومرضية لكل الليبيين، وقد كانت سابقا بقانون توزيع الثروة والتنمية الصادر عام 1958 ويمكن اعادة تفعيله من جديد.
ثالثا ان الذين نادوا بالتقسيم لأن النفط ذهب الي بنغازي ارتكبوا حماقة عظيمة فليس سبب الوحدة هو البترول وانما نحن شعب واحد فوق ارضنا ليبيا
رابعا اذا ترك السيد محافظ ليبيا المركزي الصديق الكبير مكانه فلن تذهب ليبيا الي الهاوية فهو مع غيره اودعونا بها ولن يكون ذهابه الا خيرا بشرط ان لايكون البديل أسوء منه كما يشاع عن احد اعضاء المجلس الرئاسي لتولي منصب المحافظ.
خامسا يجب ان يتجرأ الليبيون وحدهم لمناقشة مشاكلهم وايجاد الحلول وقصة تاورغاء لم تنتهي الا بالليبيين وحدهم فليس لهم صديق إلا انفسهم.
ليبيا وطننا جميعا وما نعانيه هو نتاج اربعين عاما من الاستبداد وكتم الافواه فلابد ان نتجاوز الالم وان نسعي الي الحوار الجاد لبناء ليبيا الوطن للجميع.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
الكاتب عبدالهادي شماطة ، ( لكل مثقف وكاتب )
تحية طيبة وبعد
الرجاء الاتصال عبر بريدي او ارسال عنوان بريدك الالكتروني لطرح بادرة نعتزم القيام بها في محاولة لتصحيح الاوضاع القادمة مع الانتخابات في ليبيا لاهمية دور الكتاب والمثقفين في انارة الرأي العام ولك جزيل شكري
محمد علي المبروك
اللهم أسحق اللصوص والمجرميين من كبيرهم إلى صغيرهم ، لعنة الله عليهم .