في 11 يونيو/حزيران الجاري، رحل الطبيب وعالِم البيولوجيا المصري الأميركي “عادل محمود”، الذي لم تعرفه منطقتنا، كما ينبغي، إلا بعد أن نعاه “بيل غيتس” مؤسس شركة مايكروسوفت العملاقة، وأغنى رجال العالم قائلاً: إن “العالَم فقد واحدا من أعظم مبتكري اللقاحات في عصرنا”، وأضاف أنه “أنقذ حياة عدد لا يحصى من الأطفال”، كذلك خصصت صحيفة النيويورك تايمز الشهيرة مقالاً مطولاً عن مآثر هذا الطبيب العالم، مع عدد من صوره، وأضاف المقال: “لقد قام بدور حيوي في إنتاج لقاحات عديدة أحدثت تطورات كبرى في الصحة العامة”، لم يقف الأمر عند ذلك بل سارعت مؤسسات إعلامية أخرى، والمؤسسات الأكاديمية والخاصة التي عمل بها إلى الإشادة به وبإنجازاته التي امتدت عدة عقود أذكر منها جامعة كيس ويسترن رزرف في كليفلاند، وجامعة برينستون في نيو جيرسي، وجامعة وينستون سالم في نورث كارولينا، والمعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، بالإضافة إلى الشركة الطبية الخاصة التي عمل بها، وغيرها.
نعم، لم يصل الخبر للإعلام العربي إلا في يوم الأربعاء 20 يونيو/حزيران، ولم نعرف هذا الطبيب والعالم إلا من خلال ما تحدثت عنه تلك المؤسسات الإعلامية والأكاديمية الأمريكية.
لقد ذكرني ذلك بالندوة العالمية التي أقامتها جامعة “سانت بطرسبرغ” الروسية منذ عدة سنوات بمناسبة المئوية الثانية لمولد الشيخ “محمد عيّاد الطنطاوي” (1810-1861)، الذي أمضى عشرين عاماً في روسيا القيصرية يعمل في القسم التعليمي لوزارة الخارجية الروسية، وأستاذاً في كلية اللغات الشرقية بجامعة “سانت بطرسبرغ”. لقد أنجز “الطنطاوي” خلال تلك الفترة من حياته، أكثر من مائة وخمسين مخطوطة، إضافة إلى كتابة سيرته الذاتية والعديد من المؤلفات التاريخية والأدبية، وقد منح خلالها العديد من الألقاب والأوسمة، تقديراً لجهوده وإنجازاته، واستمر تكريمه والاعتراف بفضله حتى بعد وفاته، فقد جعلت الحكومة قبره قرب “سانت بطرسبرغ” من الأملاك الحكومية التي تقوم الحكومة بالحفاظ عليها وحمايتها، إضافة إلى ذلك تبنت كلية اللغات الشرقية بالجامعة مشروعاُ خاصاً لإصدار مخطوطات “الطنطاوي” على الشابكة “الإنترنت” بعد تصنيفها وفهرستها لتكون متاحة لجميع الباحثين والمهتمين في العالم، تقديرا لأعمال هذا العالم الذي نكاد نسمع به في منطقتنا العربية.
ذكرني ذلك أيضا باحتفال مكتبة الكونغرس الأميركي بالأديب والمفكر اللبناني “أمين الريحاني” بمناسبة مئوية روايته “كتاب خالد”، التي تعد أول رواية كتبها عربي باللغة الإنجليزية، وقد أقامت المكتبة ندوة حول إنجازات هذا الأديب حضرها العديد من الباحثين والمثقفين. لقد حفل إرث “أمين الريحاني” (1876-1947) بالعديد من الكتب والمسرحيات والقصص التي كتبها باللغتين العربية والإنجليزية، وبعد ذلك، خصصت المكتبة أيضاً عدداً من المناسبات والاحتفالات بإنجازات وإبداعات “جبران خليل جبران”، و”جورجي زيدان” وغيرهم من أشهر مفكري وأدباء المهجر.
أمام هذه الأمثلة، وغيرها، يحق لنا أن نتساءل : هل نجهل مبدعينا، أم نتجاهلهم، حقا ما أحوج مجتمعنا اليوم إلى تعزيز ثقافة التكريم، أو أخلاق الاعتراف بفضل الآخرين من أبنائه، خلال حياتهم وبعد رحيلهم، إنها وبكل بساطة حق من حقوقهم، وواجب من واجباتنا، فما أقسى أن نجهل المجتهدين والمبدعين أو نتجاهلهم، إنها وبكل بساطة ثقافة وأخلاق تبدأ في البيت والمدرسة، ولا تنتهي بعد ذلك.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً