يُقـَال “أن خطيئة الصمت في وقت ينبغي فيه الإحتجاج هو ما يَصنَع الرجال الجبناء”
”The sin of silence when they should protest makes cowards of men” Abraham Lincoln
يبدو أن الليبيين لم يقتلوا القذافي طلباً للحرية والديمقراطية وإنمــا قتلوه لأنه أصبح مُسِناً عاجزاً عن ممارسة الديكتاتورية كما ينبــغي، ولم يَعد قادراً على اشباع شهوة القهـر والإذلال الذي أدمنه الليبيون. فلو كانوا قد ثاروا فعلاً لإقامة دولة الحق والعدل ومن أجل حريتهم وكرامتهم لما خيّم عليهم كل هذا الصّمت وهذه السكينة إزاء كل هذه الجرائم اللاانسانية التي ترتكب في حقهم وحق وطنهم.
وأقصى ما يفعلونه اليوم هو أن ترتفع علامات النصر وتعلوا صيحات التكبير الهستيرية مع وصول كل كومة جتتث خارجة لتوها من السجون الثــورية .. وعند كل بوابة ثــورية ومع كل حــادثة اغتصاب وسـلب ونهـب وخـطــف.! انها الديكتاتورية الثورية الشابة والفتية التي يرجـون … والتي حـُرِمَ منها الليبيين منذ سبعينات وثمانينات القرن العشرين..!
لينتظم الشعب من جديد في طوابير ساكنة، مطمئنة، كل ينتظر دوره لترتفع صيحات الهتاف القديمة من الأفواه الميتة: “صفيهم بالدم يا ثائر…”* وباسم الثورة الأبدية و”المجيدة” وباسم الشعب تنتصب المشانق وتزداد أعداد السجون المُعلنَة والسريّة ! وباسم الشعب والثورة أيضاً يُهاجم “سجانو القطاع خاص” أو ما يسمى بالمليشيات وزارة العدل وقد أعدوا ما استطاعوا من عتاد ومدافع يرهبون بها الشعب وحكومته..!
وليس أمام الحكومة كعادتها إلا الاعلان عن تشبثها بالصبر والتزام سياسة “التؤدة” … والشعب يلوذ بالصمت والخنــوع أوالهــتاف والتهليل تزلـــفاً لحمـــلة السلاح..!
وكما يقول د. مصطفى حجازي: بأن “الإنسان المقهور لا يجد من مكانة له في علاقة التسلط العنفي ســوى الرضــوخ والتبـعـية، ســوى الوقوع في الـدونية كـقـدر مفـروض، ومن هنا شيوع تصرفات التـزلف والإســتزلام المبــالغة في تعظــيم الســيّد اتقـاء لشـره أو طمعاُ في رضـاه”..!
لذلك لا تندهــش من رفع عــلامة النصر والهتاف والتهليل من قِــبَـل من يتعــرضون للقـَهر والإذلال سـواء الآن أو في عهد الديكتاتورية العجوز.!
وليست الحكومة “صاحبة السلطة” بأفضل حالاً … فهي في كل مرة تتعرض فيها للأرهاب والإعتداء المسلح تناشــد وتتــوسل الشعب أن يشّد من أزرهــا ويدعمـها ويحميــها من بطش العصابات المسلحة…! ولا ننسى بأن هذه الحكومة في ذات الوقت هي نفسها من تـقـوم بالتمويل المـالي وصــرف المكافآت لهذه الجماعات المسلحة التي تعتدي عليها وتقــوّض سلطتها..!
ان ما يحدث ليس في ليبيا – فحسب – بل وفي كل ما يسمى بـ “بلدان الربيع العربي” هو صناعة مُنظــمَة للـرعب، لإجهاض أي مشروع حقيقي للتنـمية والديمـقراطية والعيــش الكــريم لهذه الشعوب المنــكوبة. هذه الشعوب المقهورة التي أطلقت لأحلامها العنان وارتفع سقف مطالبها وشطح خيالهم بعيداً في انتظار قطــاف هذا الربيع العربي الذي تتــغنى به وسائل اعلام الدنيا بأسرها..!
وقد كان لزاما اعادة هذه الشعوب الهائمة والحالمة الى مخابئها وثقوبها وصعقها كي تستفيق وبالطبع كانت صناعة الرعب وتهديد أمن الناس بنشر “البلطجية” ودفع المرتبات والمكافآت للمليشيات المسلحة وترك البــاب على مصراعيه مفتوحاً لتشكيل المزيد من تلك المليشيات، وترك الفرصـة لإنتشار الجريمة المنظمة وحوادث الخطف والاغتصاب والتحرش الجنسي وترويج المخدرات والخمور السامة واقتحام البيوت على ساكنيها…!
لا عجب … فإنها أحدى وصايا “أدولف هتلر” الذي قال: “إذا أردت السيطرة على الناس عليك أن تشعرهم بالخــطر وأن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنــية معارضيك” ! ونحن نرى هذه الأيام نجاعة صناعة الرعب فمظاهرات شعوب دول الربيع العربي هبط سقف مطالبها للحضيض ليقتصر على المطالبة بالأمن والأمان والحد من جرائم الإغتصاب والتحرش الجنسي .. ولسان حال شعوب الربيع العربي يقول “فقط دعونا نعيش بسلام وخذوا ما شئتم من جاه وسلطان”.
لقد صار الشرطي في وطني حلماً وأملاً يُرتجى … رغم أن “الشرطي” في كل الدنيا رمزاً للرعب والخوف ومصـدراً للأرق إلا في بلدان الربيع العربي، فقد تحول الشرطي إلى نبي و مُـنقـذ مُـنتــظر … لم يتصور “الشرطي” يوماً أن يجد نفسه في المظاهرات محمولاً على الأكتاف ببدلته ونياشينه اكرامــاً وتبجـــيلاً ! لأن الناس صارت تتوسل هراوات البوليس لتنقذهم من بطش الحرية..!
بينما في المقابل نرى ضحايا المرحلة الجديدة ومن يرتاد سجون حكومات الربيع العربي هم الاعلاميين والنشطاء الحقوقييين والسياسيين، رأينا كيف أن المذيعين والنشطاء وأصحاب القنوات يتدفقون اسراباً على المحاكم والسجون بتهم نشر الفوضى وإثارة الرأي العام والإخلال بالأمن .. في الوقت الذي يستمر فيه “البلطجية” والعصابات المُـسلحة والخارجون فعلاً عن القانون في عملهم الدؤوب في بث الرعب، آمنين مطمئنين، وهم خارج طائلة العقاب بل ويتقاضون مكافآت رسمية من الدولة كما يحدث في ليبيا الجديدة..!
ربما ذلك قدر صحراء العرب فإنه لا ينبغي لها أن تعرف الربيع ..! وأن العربي لا يجب أن تتعدى همومه نصفه السفلي. وإلا جثم عليه كابوس الرعب والخوف، وعليه أن يتوسل الأمان إن اراد العيش هانئا قابعاً في بيته، وإلا فإن أرض الله واسعة..!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً