التيار الإسلامي هو تيار موجود في المجتمع، وهو يماثل تلك التيارات الدينية في كل المجتمعات الانسانية، والتي تتعايش مع غيرها بهدوء.
واعتقد أن تشكل التيار الإسلامي بهذا الشكل هو حديث ووليد القرن العشرين ولقد انطلق البعض منهم من نصوص و مفاهيم نظرية دينية علي قداستها، وتجاهل الواقع والمحيط ولذلك اصبح خطابه خطاباً عقيماً، ليس له مردود ايجابي ،لأن النص لم يتفاعل مع الواقع، وانما قدم متفاعلا مع حقبة زمنية مضت.
وصار الإسلاميين الجدد أسري للتاريخ، وهذا أجج العاطفة لديهم ورفع درجة الاحتقان، في مواجهة منتقديهم ليس من مخالفيهم فقط، بل حتي من المتعاطفين معهم، ومن طبقات متدينة بطبيعتها. وهذا الانغلاق أدي الي عدم مواكبتهم للتطور الفكري والثقافي، وحتي العلمي والذي اصبحت وتيرته سريعة جدا، فهم أولا لم تكن لديهم آليات للإنتاج لما يفكرون فيه ،ولم يستطيعوا أن يطرحوا حلولا للمشاكل، اضافة الي عدم قدرتهم علي ممارسة السياسة، والاهم التعامل مع دهاليزها، التي بها قدرا غير قليل من البعد عن القيم. فخلال مايقرب من قرن كامل كانت النتائج سلبية للصراع السياسي ،الذي شغلهم عن العمل في القواعد الشعبية، لإصلاح سلوكيات المجتمع، والذي صار مصابا بداء نفسي، تتعارض فيه معتقداته الراسخة، مع سلوكياته الواقعية فانشغل بتبرير سلوكياته مع اصراره علي التمسك بمعتقداته. وبعد أن لاحت فرصة للمشاركة في ادارة شئون شعوبهم، اتضح انهم ليسوا مستعدين، وليس لديهم شيئا يقدمونه، غير شعارات وعناوين، خالية تماما من المضامين، فحقيبتهم فارغة من المشاريع والافكار، وحتي من القدرات.
لكننا ونحن اليوم علي مفترق طرق، لابد ان ندرك ان هذه التيارات جزء من واقعنا، وهي جزء من مجتمعاتنا. وقد تعرضت لإمتحان عسير دفعنا جميعا تكاليف باهضة له ،ولذلك يفترض أن تستفيد هي أولا من هذه التجربة المؤلمة، فخطاب الدولة المدنية والديمقراطية مع عموم المجتمع علنا، والحث علي استخدام القوة لتحقيق الاهداف سرا لم يعد مقبولا، وهو ضار لتلك التيارات، فازدواجية الخطاب ضررها أكثر من نفعها، وكذلك لابد من ادراك أن المجتمعات تتغير بالدعوة والتربية والقدرة علي اسقاط النصوص الدينية بطريقة صحيحة، وكذلك ادراك أن التغيير لا يأتي من خلال تأجيج المجتمع وصنع الصراعات وعبر الثورات العابرة، وانما من خلال منهج ورؤية تري الاهداف، وتسير باتجاهها بهدوء، عبر برامج تعليمية وتربوية وصنع ضمير للامة يقدس القيم. ولكنه ايضا يقدس حق الاخرين في الاختلاف معهم، وتقبل أرائهم فالقرآن عرض واضح وصريح لذلك الاختلاف، بل وعرض رأي الكفار في رسلهم وما وجه للرسل عليهم صلوات الله ،من اهانات وشتائم. فلابد للتيار الاسلامي ان يتحلي بالصبر في عرض مالديه للمجتمع فهو معني بهدايتهم وليس معنيا بتكفيرهم، وان تحقيق أهدافه ليس محددا بزمن ولابد من ادراك أن مايتقبله المجتمع هو الاسلام فذلك يؤمن الجميع أنه من عند الله. أما افكار المجتهدين فهي محل أخذ ورد،وليست ملزمة إلا لمن اعتقد بصحتها فقط. كما لابد من الاستفادة من التاريخ، فما حققه الحوار واتفاقية الحديبية اكثر بكثير، مما حققته المعارك السابقة له علي عظم أثرها .
إن حالة الصراع التي نعيشها اليوم وسعينا كمجتمع لايجاد الحلول لحقن الدماء، تتطلب وعيا ببعض مانعايشه وحجم التآمر، فالبعض يقوم بعملية كارثية وهي شيطنة التيار الاسلامي بكل مكوناته، هو بذلك ينزلق بنا الي ساحات للصراع والحروب، واستمرار حالة الانهيار بالمطلق وثباتها لعقود قادمة. لذلك يجب ان ندرك أنهم جزء منا واننا معنيين بادخالهم ضمن دوائر الحرية الفكرية وافساح المجال ،لعرض افكارهم لمن لا يستخدم القوة والسلاح والتكفير كأدوات، يود ان يفرض بها رأيه وان نساعدهم علي اعادة انتاج انفسهم، باشكال جديدة وبمشاريع تتحقق فيها روح التراحم والود ، وان نرفض جميعا كل مريض بداء التطرف، او التفريط ،وان ننشر بيننا التراحم والحب ويكون فيها الجميع يدا واحدة ،لتحقيق كل الاهداف التي يصنعها المجتمع من خلال تفاعله.
هل سنستفيد من مأساتنا ونعود جميعا الي الحكمة والعقل وصنع مجتمع متحضر مجتمع التراحم والحب والفضيلة ..؟؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً