أحمد الفيتوري
حكم البلاد وأدارها شخص شاذا جسديا وعقليا وحاصلا على شهادة عسكرية صغرى ومتوسط الذكي وابن عائلة فقيرة وقبيلة لا تذكر، حكمها لأكثر من أربعة عقود بمساعدة من أشخاص على وزن أن الطيور على أشكالها تقع، كانت المحصلة مدمرة مما تطلب ازاحته ثورة شعبية وحرب ضروس بمساعدة تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الامريكية! ،كان طوال تلكم العقود عضوا في المنظمات الدولية السياسية منها والحقوقية، وحين يراجع المرء منا ما حدث طوال العقود الماضية يلاحظ أن ادارة البلدان ليست بالأمر الجلل، بل على العكس تحتاج إلى أشخاص متوسطى الذكاء والفاعلية والجسارة، و بل حتى الاغبياء مثل القذافي وجورج بوش الابن.
وبين 2011 و 2013 أدار بلدان الربيع العربي أكثر من حاكم ومن حكومة والأمور تبدو على ما هي عليه، ما ورثناه من الأنظمة التي تم اسقاطها مازال يدير الدولة أو مازال يتحكم في أمورها ولو سلبيا بمعنى مازالت الحكومات تبدد الوقت والجهد والمال، أما الشعوب فلم تخرج بعد من الشارع، الشارع الذي تحول الى جامع المفتى فيه وريث الديكتاتور يفتى في كل شيء وحتى في اللاشيء، مما حول الدين إلى لعبة لإنصاف العقول من يقولون ما لا يعون وما لا يفعلون، وفي كل واد يهيمون.
يطل عام جديد ولم نرسم خارطة طريق ولم نعرف ما نريد بالضبط، في هذه المدة الطويلة نسبيا علي بلاد غرق في شبر ماء هذا الشتاء لم نر طحينا وان سمعنا فرقعة وأصبتنا النيران القاتلة خاصة في مدينة بنغازي التي تتحول تقريبا – حسب مظاهرة الجمعة 28 ديسمبر 2012م – إلى بنغازيستان.
لقد اتخذ حكام البلاد منذ العهد العثماني من قلعة السريا الحمراء بطرابلس مقرا ومن طرابلس المدينة حدودا يذودون بها ويلوذون اليها عن كل البلاد بعد أن يجبون الجابيات، وفعل الديكتاتور السابق نفس الخطيئة التاريخية معتبرا مدينة بنغازي ملاذا للمارقين وبين حين وحين يغار على هذا الملاذ كما فعل فترة التسعينات حين حول بنغازي ودرنة إلى مدن لحرب عصابات ضد الجماعة المقاتلة المسلحة، والحال الآن يشبه البارحة الرصاص يلعلع في المدينة الملاذ فيما السيد رئيس المؤتمر الوطني محمد المقريف يقبع والأعضاء الموقرين بين قصور الضيافة وقاعة المؤتمر وفندق ريكسوس يصدرون البيانات ويلقون الخطب، ويحصل كل واحد منهم على سيارة قيمتها 45 الف دينار فيما يستخدمون سيارات الدولة لتنقل: فما أشبه الليلة بالبارحة.
2013 حكومة عاجزة!
لو صار وقابلت أحد أعضاء الحكومة الموقرة أو المؤتمر الوطنى العام ستسمع جوابا حارقا: ماذا نفعل ليس باليد حيلة، هو جواب قاطع لسؤال أقطع، ثم يردفون الجواب بأننا شعب الله المستعجل نريد كل شيء الآن وهنا، و يغمرون البلاد في سيول من أوراق البنكوت هذا الحلال للمصائب وفتوى الفتاوي أن المال الحلال خير دواء لكل داء، وأنت تعيش تحت غطاء من وابل الرصاص الذي يعبث في المدينة، ما ينفعك المال إذا كان القبر هو خارطة الطريق في المدينة البعيدة جدا عن مقر الحاكمين؟.
وخلال هذه الفترة القصيرة الطويلة على من يعيش في رعب، خلال هذه الفترة ترأس البلاد مجلس وطني ومؤتمر وطنى عام وثلاث حكومات انتقالية، دون حسيب و لا رقيب، وانقسمت البلاد إلى دول بالقوة في مصراته والزنتان وطرابلس والجنوب والشرق ونحن نحشد ونتراص ضد الفيدرالية في بلاد مقسم على أرض الواقع، بلاد الفرض فيه غائب وكل الأئمة يتراصون لأجل السنة يتركون الواجب ويطالبون بالحقوق: الصادق الغرياني يفتي أن التظاهر للمطالبة بالأمن زقوم و لا يفتي البتة بشأن سرقة البلاد ومال البلاد وتشريد واعتقال وقتل العباد بغير حق.
العدالة الانتقالية المغيبة
حضرت خلال الأسبوع الماضى: المؤتمر الأول حول تجارب العدالة الانتقالية في دول الربيع العربي الذي عقده المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الانسان، وذلك في فندق الودان بمدينة طرابلس.
رئيس المجلس هو المحامي محمد العلاقي وزير العدل السابق تحدث عن هموم العدالة، وفي حديثه كان المسكوت عنه أن المجلس يعاني من انعدام الأمن وبالتالي فإن تقرير المجلس يشوبه التقصير في هذه القضية أو تلك، لأن الحقوقي أيضا بشر وبحاجة لتوفير حد أدنى من الأمن والأمان اللذان إن غابا غابت الحقوق الرئيسة كلها، وتكون العدالة الانتقالية مغيبة في حالة سيطرت الانتهاكات على الإنسان.
من يستطيع الحديث عن ما يعانيه الآخرون من تشريد واعتقال قصري واستباحة نفوس وبيوت وهو يقع تحت التهديد؟، لهذا نحن جميعا بحاجة للدفاع عن حقنا في الأمن والأمان ولن نحقق ذلك إن ظن أي منا أنه قادر على تحقيق أمنه مفردا، الأمن جمع بصيغة المفرد.
وكل عام وأنتم بخير وحرية وأنتم في أمن وأمان.
———————————————————
إفتتاحية صحيفة “ميادين” يوم الأمس كتبها رئيس تحريرها.. أ. أحمد الفيتوري
اترك تعليقاً