قانونية الأجسام “الدستورية” في ليبيا.. بحث في المشكل والمخرج

قانونية الأجسام “الدستورية” في ليبيا.. بحث في المشكل والمخرج

مقدمة

حضرت خلال الفترة من 18-20 مارس 2017م ملتقى بتونس بعنوان “التوافق حول العقد الاجتماعي” نظّمته مؤسسة مبادرة فريق صناع السلام، وكان من بين الحضور أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور ورؤساء أحزاب وشيوخ قبائل وقانونيون وشخصيات ونشطاء من منظمات المجتمع المدني.

استمر الملتقى ثلاثة أيام، عقدت خلاله ست جلسات، طرحت فيه العديد من الأفكار في كيفية وسبل دعم الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وبالذات لجنة 12 التي شكلت مؤخرا، بعد قرار المحكمة القاضي ببطلان مسودة صلالة. وفيما يخص مدى دستورية الهيئة ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمؤتمر الوطني العام، فالحاضرون لهم قناعاتهم المختلفة بشأن ما هو دستوري وما هو قانوني.

في المحصلة هناك شبه إجماع على أن جميع الأجسام تعاني من انتهاء المدد الدستورية وأصبحت، في نظر العديد من القانونيين والساسة، غير قانونية، ويعتقد هؤلاء القانونيون أن الاتفاق السياسي هو المخرج الوحيد المتاح.

هذه الورقة تحاول أن تعرف المشكلة كما هي بموضوعية وتجرد، لتصل في نهاية المطاف إلى مقاربة للخروج من هذا المأزق، مع أخذ واقع الاختلاف بعين الاعتبار. تركز هذه الورقة على الوضع الدستوري والقانوني للأجسام الأربعة الرئيسية؛ المؤتمر الوطني العام، الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، ومن ثم تستعرض خارطة طريق، للخروج من الأزمة الدستورية التي تعيشها البلاد، مبنية على أرضية الاتفاق السياسي، المعروف باتفاق الصخيرات.

إن ما تطمح إليه هذه الورقة هو تجميع صورة المشهد الدستوري في ليبيا، لوضع المعنيين أمام الصورة كاملة، غير مجزأة. ولا يخفى أن تجزئة الصورة، والنظر إلى كل مكون من مكوناتها لوحده يمنع تكوين رأي متكامل الأركان.

المؤتمر الوطني العام

استلم المؤتمر الوطني العام السلطة من المجلس الوطني الانتقالي في الثامن من شهر أغسطس 2012م، إثر انتخابه في السابع من شهر يوليو 2012م. وبعد ذلك بسنتين وكنتيجة لرفض البعض لاستمرار المؤتمر الوطني العام في السلطة، قام المؤتمر في مارس 2014م بإجراء التعديل السابع للإعلان الدستوري وتضمين مخرجات لجنة فبراير، والذي إثره صدر القانون رقم 10 لانتخاب مجلس النواب، وأجريت انتخاباته في 26 يونيو 2014م.

في 14 فبراير 2014م أعلن خليفة حفتر تعليق العمل بالإعلان الدستوري، وحل المؤتمر الوطني العام وجعل من أعضاء المؤتمر الوطني العام أهدافا مشروعة[1]. قامت الكتائب التابعة لحفتر، والمتمركزة في العاصمة طرابلس، بإلقاء بيان أمهلت فيه أعضاء المؤتمر الوطني العام خمس ساعات لتسليم السلطة[2]، وقامت في مارس 2014م بالهجوم على مبنى المؤتمر الوطني العام واستخدمت السلاح ضد أعضاء المؤتمر، نتج عن ذلك جرح ثلاثة من أعضاء المؤتمر الوطني العام[3] وقام مقاتلو تلك الكتائب بحرق ممتلكات خاصة وعامة وتم الاستيلاء على وثائق ومستندات تعود ملكيتها إلى المؤتمر الوطني العام.

في مايو 2014م خليفة حفتر قام مع عدد من الكتائب المسلحة في الغرب الليبي بالإعلان عن العملية العسكرية التي أطلق عليها اسم “كرامة ليبيا” ضد المؤتمر الوطني العام[4].

اعتبر المؤتمر الوطني العام ما قام به حفتر، والكتائب التابعة له والمتمركزة في العاصمة طرابلس، “انقلابا على مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤتمر الوطني العام”[5]، وذلك قبل أربعة أشهر من إجراء انتخابات مجلس النواب.

على أثر ذلك أعلنت رئاسة الأركان الجيش الليبي وكتائب الثوار المنضوية تحت قيادته، والمؤيدة لشرعية المؤتمر الوطني العام بالإعلان عن عملية عسكرية باسم “فجر ليبيا” لصد ما أطلقوا عليه انقلاب حفتر، كما أعلن عدد من ثوار بنغازي التصدي لعملية الكرامة، وتحولت مدينة طرابلس ومدينة بنغازي إلى ساحات حرب. لم تستمر الحرب في طرابلس طويلا لكن الحرب في بنغازي ما زالت مشتعلة.

لم يعق كل ذلك إجراء انتخابات مجلس النواب، حيث أجريت في موعدها، في ظل عزوف غالبية الناخبين “عن المشاركة في هذه الانتخابات حتى كان عدد المشاركين أقل من ربع من شارك في انتخابات المؤتمر في 7 يوليو 2012م، حيث شارك نحو 630 ألف في انتخابات مجلس النواب[6]، بينما شارك أكثر من (1,750,000) ناخب في انتخابات المؤتمر الوطني العام[7].

لم يتسنَّ لمجلس النواب أن يجتمع في مدينة بنغازي، كما نص القانون الذي انتخب على أساسه، ورفض المجيء إلى مدينة طرابلس لاستلام السلطة، وقام الدكتور أبوبكر بعيرة بتوجيه الدعوة إلى أعضاء مجلس النواب المنتخبين، بصفته العضو الأكبر سناً، إلى جلسة تشاورية في مدينة طبرق[8]، تحولت إلى جلسة رسمية، عقدت في 4 أغسطس 2014م، دون أن يتم الاستلام والتسليم بالطريقة المنصوصة قانونيا، حسب وجهة نظر المؤتمر الوطني العام، الذي رفض تلك الجلسة وطالب أعضاء مجلس النواب بالمجيء إلى طرابلس للاستلام والتسليم، بينما قاطع أكثر من 30 عضوا من أعضاء مجلس النواب جلسات المجلس، وبذلك تكرس الانقسام السياسي في البلاد.

استمر المؤتمر الوطني العام في عمله معتمدا على أنه الجسم التشريعي في البلاد وتعزز رأيه هذا، بحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، في القضية رقم 17 لسنة 2014م[9]، والتي قضت ببطلان المادة (11) من التعديل السابع للإعلان الدستوري، وكافة الآثار المترتبة عليها، ويعني ذلك أنه يشمل القانون رقم 10 لسنة 2014م بشأن انتخاب مجلس النواب في المرحلة الانتقالية، كما قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بانعدام الخصومة، نظراً لانعدام مجلس النواب، في القضية رقم 16 لسنة 2014م[10]، والجدير بالذكر هنا، أن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، نظرت في القضية رقم 17 لسنة 2014م قبل النظر في القضية رقم 16 لسنة 2014م، وهي القضية المطالبة ببطلان الجلسة الأولى في 4 أغسطس وما بعدها، حيث جاء في الأسباب أن انعقاد الجلسة المطعون بعدم دستوريتها قد تم بناء على التعديل الدستوري، الذى قضى بعدم دستوريته، وكان لهذا القضاء حجية مطلقة حسمت الخصومة الدستورية واعتبرت منتهية، أي بأنه من الناحية الدستورية لا وجود لخصم اسمه مجلس النواب باعتباره منعدما طبقاً لحكم الدائرة الدستورية رقم 17.

بناء على ذلك استمر المؤتمر الوطني العام في عمله، وشارك في الحوار السياسي، الذي أنتج الاتفاق السياسي، وتغيب في عديد المرات عن جلسات مهمة، لكن الحوار استمر رغم غيابه الذي وصفته في مقال سابق بأن المؤتمر استخدم الغياب كاستراتيجية لكن نتيجة هذا الغياب كانت كارثية[11]. في 17 ديسمبر 2015 أقر الاتفاق السياسي ووقعه النائب الأول لرئيس مجلس النواب، مدعوما بأكثر من 100 توقيع من أعضاء مجلس النواب، ووقع عن المؤتمر الوطني العام؛ النائب الثاني لرئيس المؤتمر، مدعوما بأكثر من 70 توقيعا من أعضاء المؤتمر الوطني العام.

بعد توقيع الاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات في 17 ديسمبر 2015م قام النائب الثاني بالدعوة إلى عقد جلسة للمؤتمر الوطني العام في الخامس من شهر إبريل 2016م، تم فيها تعديل الإعلان الدستوري وتضمين الاتفاق السياسي فيه، وحُل المؤتمر الوطني العام[12] بانعقاد أول جلسة للمجلس الأعلى للدولة طبقاً للاتفاق السياسي كما يراه أعضاؤه.

رفض بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام الاتفاق السياسي بحجة أن الموقعين غير مفوضين وأن الدعوة إلى ما سميت الجلسة الأخيرة باطلة وقاموا برفع دعوى أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.

ويرى هؤلاء الأعضاء المعارضون للاتفاق السياسي أن ما قام به أعضاء المؤتمر الوطني العام الموافقون على الاتفاق السياسي، هو اعتداء صارخ على اختصاص رئيس المؤتمر بالدعوة للاجتماع، وأن النائب الثاني لا يملك هذا الاختصاص، وبالتالي فإنهم يرون أن هذه الجلسة منعدمة دستوريا وكذلك مخرجاتها بسبب المخالفة، كما يشيرون أيضاً إلى أن المبعوث الدولي قبل الجلسة ولم يقبل مخرجاتها وبالذات تضمين الاتفاق في الإعلان الدستوري، لأن اعترافه بهذا التعديل يلزم منه الاعتراف بسلطة المؤتمر إلى تاريخ التعديل وهو ما يحذره أشد الحذر[13]. 

الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور

انتخبت الهيأة التأسيسية لصياغة الدستور في 20 فبراير 2014م، ومقرها مدينة البيضاء وسط مقاطعة من مكون الأمازيغ[14]، وتسببت الأوضاع الأمنية في عدم انتخاب ممثلين عن مدينة درنة. وتعرضت الهيئة كذلك لهزات متعلقة برفع عدد من القضايا أمام المحاكم، حيث قامت الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف البيضاء بإصدار حكم بعدم جواز تولي مزدوجي الجنسية للوظائف العامة، ومن ثم حكمت ببطلان عضوية علي الترهوني رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وكذلك بطلان قرار المفوضية العليا للانتخابات باعتماده رئيسا للهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.[15]. وطال البطلان أيضاً مشروع مسودة الدستور التي عرفت بمسودة صلالة، نسبة لمدينة في دولة عُمان عقدت فيها الهيئة بعض اجتماعاتها، وقد أقرت المسودة بعد تعديل للائحة الداخلية، اقتضى بأن يتم التصويت بأغلبية النصاب المنعقد بدلاً من النصاب الموصوف في الإعلان الدستوري، وبالتالي رفعت دعوى قضائية ضد المسودة باعتبار طريقة إقرارها غير قانونية.

أصدرت الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف البيضاء حكمها ببطلان مسودة مشروع الدستور وإلغاء كافة الآثار التي ترتبت عنها، معتبرة إياها “في حكم العدم”[16]، واستجاب أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، لقرار المحكمة وشكلوا لجنة من 12 عضوا من الموقعين والممانعين والمقاطعين لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى توافق في القضايا العامة، على أن تبحث القضايا الخاصة المتعلقة بالأمازيغ والتبو على مستوى الهيئة.

كان من المفترض أن تنهي الهيئة التأسيسية أعمالها، طبقاً للإعلان الدستوري، في 120 يوما من أول اجتماع لها، وكان من المفترض أن تقوم، في حالة عدم تمكنها من ذلك، بمخاطبة الجهة التشريعية في البلاد، وقد قامت بمخاطبة الهيئة مجلس النواب، رغم ما صدر من المحكمة العليا من أحكام بشأن انعدام مجلس النواب، ولم تخاطب المؤتمر الوطني العام، لكن أحد أعضاء الهيئة أكد للكاتب بعد نشر البحث؛ أن الهيئة خاطبت مجلس النواب قبل صدور الحكم، أي بعد انتخاب رئاسته مباشرة، ولم تخاطبه بعد صدور الحكم، بل  لم تقدم له المطالبة بميزانية الهيئة،  وقد نتج عن ذلك عدم حصول أعضاء الهيئة على مرتباتهم حتى اللحظة، أي لأكثر من 18 شهراً، و لكن بعد توقيع الاتفاق، تمت مخاطبة مجلس النواب، وذلك لاعتقاد الهيئة بأنها هيئة لكل الليبيين، ويجب أن تكون بعيدة عن كل ما يفرق الليبيين.

استمرت الهيئة في أعمالها إلى أن جاء الاتفاق السياسي وجدد لها حتى 24 مارس 2016م، ولكن ونظرا لاستمرار الانقسام السياسي استمرت الهيئة في عملها بالرغم من انقضاء المدة المحددة في الاتفاق السياسي، ولكن الاتفاق السياسي سيظل مفتاحا للحل في الحالتين؛ في حالة نجاح الهيئة في صياغة مسودة الدستور وتجهيزها للاستفتاء، فالدستور بحاجة إلى قانون استفتاء وبحاجة إلى جهة تشريعية تصدره وبحاجة إلى سن وإصدار لقانون الانتخابات العامة طبقاً للدستور. كما أنه في حالة فشل الهيئة في التوصل إلى مشروع مسودة للدستور، فإن الاتفاق يفتح الباب أمام مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوفاق للتداول بشأنها.

مجلس النواب

كما أسلفنا تم انتخب أعضاء مجلس النواب في الخامس والعشرين من شهر يونيو 2014م وعقدوا جلستهم الأولى في الرابع من شهر أغسطس 2014م في مدينة طبرق[17]، دون أن يتم الاستلام والتسليم من المؤتمر الوطني العام وكما سبق ذكره رفعت قضيتان أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.  قضت الدائرة في القضية رقم 17 لسنة 2014م ببطلان الفقرة رقم 11 من التعديل السابع للإعلان الدستوري وكافة الآثار المترتبة عليها، مما يعني انعدام مجلس النواب. وقضت في القضية رقم 16 لسنة 2014م المتعلقة ببطلان الجلسة الأولى لمجلس النواب المنعقدة في 4 أغسطس 2014م وما بعدها بأن الخصومة منتهية بالنظر إلى أن المدعى عليه معدوم وليس له وجود.

في 25 يناير 2016 اعتمد مجلس النواب[18] الاتفاق السياسي مشترطا حذف المادة الثامنة من الملحق الأول، ثم عاد في 07 مارس 2017 وقرر إلغاء قرار اعتماد الاتفاق، هذا القرار الأخير ما زال محل جدل داخل المجلس حيث خرج الناطق وتراجع عن قرار الإلغاء [19]وذكر أن المقصود هو إلغاء الملحق الأول بعدما تبين أن إلغاء اعتماد الاتفاق السياسي يعني بالضرورة إلغاء وجود مجلس النواب كجسم منبثق، لأنه بعد توقيع الاتفاق أصبح أحد الأجسام المنبثقة من الاتفاق السياسي.

انتهت ولاية مجلس النواب؛ إما بمقتضى أحكام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وإما وفقا لسند إنشائه على فرض أنه باشر عمله دستوريا ولم تحكم المحكمة بانعدامه[20]، وبالتالي ورغم تسويغ بعض القانونيين[21] لاستمرار مجلس النواب إلا أنه أصبح غير قانوني بالنظر إلى أن مدته انتهت في 25 أكتوبر 2015م، طبقا لمقترح فبراير[22]، وأن تجديده لنفسه دون استفتاء كما ينص عليه مقترح فبراير، لا يستقيم، حتى ولو غض الطرف عن أن مقترح فبراير سبق وأن حكمت الدائرة الدستورية ببطلانه. 

المجلس الأعلى للدولة

عقد المجلس الأعلى للدولة اجتماعه الأول في الخامس من شهر إبريل 2016م وحل محل المؤتمر الوطني العام بعد أن ضمن الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري في جلسة دعا إليها النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني العام بسبب مماطلة الرئيس، حسب ادعاء غالبية أعضاء المؤتمر الوطني العام، في عقد الجلسات المتعلقة باعتماد الاتفاق السياسي.

المجلس الأعلى للدولة أصبح معطلا، بالنظر إلى أن مجلس النواب لم يمضِ في تنفيذ نصوص الاتفاق السياسي. مجلس النواب يطالب بتعديل الاتفاق السياسي والعودة إلى المسودة الرابعة، ولا يمانع المجلس الأعلى للدولة في إعادة النظر في نصوص الاتفاق السياسي ولكن بشرط أن يتم ذلك وفقاً لنصوص للمادة 12 من الأحكام الإضافية[23].

كما سبق ذكره فإن أعضاء المؤتمر الوطني العام يرون أن هذه الجلسة معدومة دستوريا، وبالتالي لا وجود للمجلس الأعلى للدولة حسب وجهة نظرهم. ويشاركهم في ذات الاعتراض أعضاء مجلس النواب الذين يرون أن اجتماع المجلس الأعلى للدولة لا ينعقد إلا بعد تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري وهو ما يرونه لم يحصل بعد حسب وجهة نظرهم.

هناك من يشكك، بل منهم من قدم طعناً أمام الدائرة الدستورية، في شرعية المجلس الأعلى للدولة بالنظر إلى اعتقادهم بأن الجلسة التي عقدت في مطلع إبريل 2016م منعدمة دستوريا. 

الاتفاق السياسي

وقع الاتفاق السياسي ودخل حيز النفاذ في السابع عشر من شهر ديسمبر 2015م، ورحب مجلس الأمن بالاتفاق السياسي وأصبح يتعامل مع ليبيا وفقه، وطالب بمساندة حكومة الوفاق الوطني لكونها الحكومة الشرعية الوحيدة وطالب الدول الأعضاء بوقف التواصل الرسمي مع المؤسسات الموازية. وبالتالي أصبح الاتفاق السياسي هو المرجعية التي يستند عليها المجتمع الدولي في تعامله مع ليبيا.

يرى بعض القانونيين[24] أن كلا من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام قد أصبحا خارج المشهد السياسي الليبي وذلك لأن مجلس النواب قد انتهت صلاحيته بأمرين؛ الأول بأحكام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا عام 2014م، والثاني، انتهاء المدة المحددة لولايته في 20 أكتوبر 2015 دون إجراء استفتاء بالتمديد، ويظل مجلس النواب منعدما دستوريا، ولكن في ذات الوقت فإن المؤتمر الوطني العام ذاته قد صار منتهي الصلاحية مرتين وبإقرار من أعضائه، دون تدخل من القضاء أو نص في الدستور؛ الأولى تتمثل في تصويت المؤتمر، وبطريقة غير دستورية، لصالح إنشاء مجلس النواب وإنهاء المؤتمر الوطني العام، وتمريرهم مقترح لجنة فبراير دون دارسة أو تنقيح في جلسة غير مكتملة النصاب، رغم تمسك البعض بعدم وجود نص في الإعلان الدستوري يحدد ولاية المؤتمر بشكل صريح، والثانية تصويت غالبية أعضاء المؤتمر الوطني العام على إنهاء المؤتمر واستبداله بالمجلس الأعلى للدولة من خلال التصويت على الاتفاق السياسي الليبي في جلسة قصر ولي العهد إبريل 2016م.

وهذا ينطبق أيضاً على الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور فهي تعاني من انقضاء المدد المذكورة في الإعلان الدستوري، كما أن مسيرة الدستور والهيئة ذاتها، تحتاج إلى وجود كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لتصحيح وضعها، وكذلك لمراجعة مسودة مشروع الدستور وللتوافق على قانوني الاستفتاء والانتخابات العامة وإصدارهما، وإصدار الدستور بعد إقراره من الشعب الليبي. 

المخرج: الحل سياسي وليس قانونيا

جاء الاتفاق السياسي لكي تستمد كافة هذه الأجسام شرعيتها منه من جديد، وبذلك فتح الباب أمام تسوية المدد الدستورية المذكورة في الإعلان الدستوري ووضع طريقا لإجراء أي تعديل جديد للإعلان الدستوري بما فيه الاتفاق السياسي.

يتبين من كل ما ذكرت أعلاه أن كل الأجسام تعاني من مشاكل قانونية جسيمة، بل يرى عدد من القانونيين أنها كلها غير قانونية[25]، ولربما أيضا أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة العليا بقرارهم إيقاف النظر في الطعون الدستورية، يرون أن المشكل لم يعد قانونيا ولكنه سياسي بالدرجة الأولى، ويرون أن حجم الدعاوى المرفوعة، أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، يدل على ذلك.

فقد قررت الجمعية العمومية للمحكمة العليا بتاريخ 10 نوفمبر 2016 تأجيل البت في الطعون الدستورية إلى أجل يحدد فيما بعد بقرار من الجمعية العمومية، ولم يتم تحديد هذا الأجل، ورفع مجموعة من الحقوقيين عريضة موجهة لمجلس القضاء الأعلى ولرئيس المحكمة العليا، لإعادة النظر في القرار، قبل رفع دعوى خصومة استناداً إلى المادة 720 (فقرة 2) مرافعات.

كما أن كبار القانونيين يرون أن الاتفاق السياسي يمثل الآن مرجعية دستورية للبلاد بعد ترحيب مجلس الأمن به.

وبالنظر إلى أن كافة الأجسام أصبحت غير قانونية وأن الاتفاق السياسي، الذي رحب به مجلس الأمن وتوافق عليه قطاع واسع من أبناء الشعب الليبي، يمثل خارطة الطريق الوحيدة للعودة إلى المسار الدستوري والوصول إلى الدستور الدائم من خلال الخطوات المشار إليها في الاتفاق السياسي، وهي تمثل أيضاً الطريق إلى إنهاء الانقسام وعودة المسار السياسي موحدا.

ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يمنع من فتح الاتفاق للتفاوض، ومشاركة قطاع أوسع من الفرقاء في الحوار، للتوصل إلى صيغة التعديل الذي يحقق أكبر قدر من التوافق، لكنه يجب أن يكون في إطار الخطوات المذكورة في الاتفاق السياسي وهي:

  • أن يقوم وفدان من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة[26]، بالتوافق على تعديل الاتفاق السياسي وتضمينه في الإعلان الدستوري من قبل مجلس النواب، كما تم التوافق عليه.
  • يتم الاتفاق على لجنة مشكلة من خمسة أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وبمشاركة مجلس رئاسة الوزراء للتداول بشأن الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.
  • تشكل لجنة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة من أجل اقتراح مشروعي قانوني الاستفتاء والانتخابات العامة ويقوم مجلس النواب بإقرارهما.
  • تقوم الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، قبل إرسال مسودة مشروع الدستور إلى الاستفتاء، باستشارة كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول مسودة مشروع الدستور على أن ترسل ملاحظاتهم مكتوبة خلال شهر للهيئة.
  • يتم الاستفتاء على الدستور فإذا تحصل على ثلثي المقترعين أصبح الدستور الدائم للبلاد وتجرى على أساسه الانتخابات العامة وتنتهي بذلك المرحلة الانتقالية وتسلم السلطة إلى السلطات المنتخبة.

خاتمة

بعد استعراض صورة الأجسام التي تحكم حياة الليبيين، وتتولى تمثيل الدولة الليبية، تبينت حقيقة واحدة، وهي أن كل هذه الأجسام تعاني من مشاكل قانونية متعلقة بانتهاء المدد الدستورية، وهو ما يعني أن أي مخرج يسند إلى واحد منها الشرعية دون غيره، لن يكون حلا للأزمة، وإنما ترجيحا لبعض الأطراف في الأزمة. لذا فإن الورقة خلصت إلى مخرج يحل هذا الإشكال لكل الأجسام دفعة واحدة، ولم تنشغل في المفاضلة بين هذه الأجسام، ولا في حجج إعطاء هذا الجسم شرعية، وسحبها عن ذاك.

إن هذا المخرج يعتمد على روح الاتفاق السياسي وعلى عدة أمور أخرى من أهمها؛ استحضار حقيقة ليست خافية على أي مراقب، وهي أن البلاد بحاجة إلى حل سياسي، يحافظ على المسار الديمقراطي ويحترم القانون. ولا شك أن من تأمل المسار الذي استعرضناه أعلاه، بغض النظر عن الاختلاف في تقدير، وتفسير بعض التفاصيل، يدرك بوضوح أنه لا يمكن الخروج بحكم قانوني سالم من الطعون، لصالح أي من الأطراف. وحتى لو خرج مثل هذا الحكم، فليس من المتوقع أن تقبل به الأطراف الأخرى.

كما يحقق هذا الحل مبدأ احترام القانون، باحترام نص الاتفاق السياسي الليبي، الذي أصبح بحكم قرار المؤتمر الوطني العام، وبقرار مجلس النواب، وبتبني المجتمع الدولي، وتأييده وترحيب مجلس الأمن به، أصبح جزءً من المنظومة الدستورية والقانونية الليبية، ويعتمد هذا المقترح في الحل على التركيز على روح التوافق والمصلحة العليا التي تسن القوانين والدساتير من أجلها.

[su_divider top=”no” size=”1″]

[1]https://www.youtube.com/watch?v=fiFOR05PFjU

[2] – https://goo.gl/4y4HHL

نص البيان على العربية.نت: https://goo.gl/TnEs6i

[3] – أصيب الدكتور أحمد البوني بطلقات “خارق حارق” وأجريت له عمليات جراحية وبقى في المستشفى فترة طويلة وخضع للعلاج لفترة تزيد عن ثمانية أشهر، كما جرح كل من االنائب عبدالرحمن السويحلي والنائب نزار كعوان بشظايا وخضعوا للعلاج، ورفعت دعوة ضد مسؤولي الكتائب التي قامت بالهجوم.

[4]http://elaph.com/Web/News/2014/5/904785.html

[5] – https://goo.gl/d0TDya

[6] – https://goo.gl/wDWv9h

[7] – https://goo.gl/8Vn6sw

[8]http://alwasat.ly/ar/news/libya/29489

[9] – قرار الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بعدم دستورية الفقرة (11) من المادة (30) من الإعلان الدستوري بموجب التعديل الدستوري السابع الصادر بتاريخ 11 مارس 2014، وكافة الآثار المترتبة عليه

https://goo.gl/JxagL3

[10] – قرار الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا رقم (16) لسنة 2014 بشأن عدم دستورية جلسة مجلس النواب المنعقدة في طبرق بتاريخ 4/8/2014 وما بعد https://goo.gl/xYS91r

[11]https://www.eanlibya.com/archives/37610

[12] – https://goo.gl/2nDfDK

[13]– رؤية قانونية للمشهد السياسي في ليبيا، إعداد اللجنة التشريعية للمؤتمر الوطني العام.

[14] – https://goo.gl/8fzjQA

[15]http://alwasat.ly/ar/news/libya/125876

[16]https://alnabaa.tv/news/view/10084

[17]http://www.noonpost.org/content/3356

[18] – https://goo.gl/ikUI60

[19]https://www.eanlibya.com/archives/112382

– https://goo.gl/Z6dAEM

https://goo.gl/X9Tfjy

في الروابط أعلاه خبر عن قرار مجلس النواب إلغاء اعتماد الاتفاق السياسي، وهي القرار الذي صدر من المجلس يوم السادس من مارس 2017  وفي الرابط أدناه تصريح للناطق الرسمي باسم المجلس يتحدث عن إلغاء المحلق رقم فقط، وليس الاتفاق السياسي كليا:

– https://goo.gl/wF7Oup

[20] – رؤية قانونية للمشهد السياسي في ليبيا، إعداد اللجنة التشريعية للمؤتمر الوطني العام.

[21]http://alwasat.ly/ar/news/libya/46290

[22]  نص مقترح فبراير على هذا الرابط:

http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/31011

[23]  يمكن الرجوع إلى نص الاتفاق السياسي على هذا الرابط:

https://goo.gl/uQwrZu

[24]https://www.facebook.com/pagejuridiquedrkindier/posts/814852188656194

[25] – من أولئك الدكتور الكوني عبودة والدكتور علي خير الله وآخرون.

[25] – بالاستناد على روح المادة 12 من الأحكام الإضافية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً