قد يكون من الأنصاف البحث في جذور الانحطاط والسقوط في هاوية التطرف التي أوصلت بعض المتطرفين “الإسلاميين” إلى قبول قتل النفس البشرية بانتحارهم طمعا في الجنة!!! دون الإنصات وبحذر لقوله سبحانه وتعالى: ” من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً”.. لذا يرى الكاتب من باب مسؤوليتنا كبشر وكمسلمين سبر أغوار هذه الحقيقة المرة والمخزية ، بعد ربطها بالإسلام، والتي تحولت إلى ظاهرة تنمو وتترعرع في المجتمعات المسلمة الفقيرة المعوزة والمعدمة .. وخاصة بعد أن بتنا نسمع بمقترحات إعلامية لرجوع المقاتلين المتشددين “الإسلامين” في سوريا إلى بلدانهم ودمجهم في مجتمعاتهم.. بعدما تراءى لنا بأن الحرب تضع أوزارها..
ظاهر الأمر يحمل المسؤولية للمجتمعات التي سمحت لنمو السلفية الوهابية وخلقت ووفرت البيئة المناسبة لنمو التطرف بالجهل والفقر والظلم .. الكاتب سيتفق مع هذه الدعوات من باباها الإنساني لكن بالطبع هناك سيناريوهات أخرى محتملة غير الجانب الأنساني:
- من ساهم في صناعة التطرف من الاستخبارات الغربية لا يريدون للمتطرفين الوصول إلى أوروبا وأمريكا وحتى أستراليا .. لذلك فيلزم الترويج لعودة هؤلاء المتشددين المقاتلين في سوريا لبلدانهم.
- ربما هناك مشروع إمارة داعشية جديدة تستهويهم ليتجمعوا بها كحل أخر .. وما نسمعه من تحضيرات في أودية بعيدة عن مدينة بني وليد قد يتوافق مع هذا الحل.
مع أن المسؤولية بالتأكيد تقع على تلك المجتمعات التي أفرزت وخرجت تلك العناصر الدموية الحاقدة على الإنسانية بعد أن مورس عليها أبشع أنواع التعنيف والقهر والظلم .. إلا أن صناع الإرهاب عليهم المساهمة أيضا في فاتورة أعادة تأهيل المقاتلين إلى بلدانهم بعد انتهاء الحرب في سوريا وحتى العراق!!!
قد نتفق على أن تبرير غريزة العنف المعجونة بالنفس البشرية متأصلة بدافع حمايتها من التهلكة وربما يكون مردها إلى قوله تعالى”ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها “.. فبصورة أو أخرى على الانسان أن يعرف كيف يدافع عن نفسه، إذا هاجمه ذئب أو حتى إنسان يريد قتله، ولو أضطر لقتل ذلك المهاجم.. إلا أنه ستظل ضرورة ملحة الموازنة بين رقي الإنسان وقيمه المثلى، مع حاجته إلى تفجير منابع العنف، ربما من معين الفجور، في نفسه ليحافظ على حياته عندما يفاجئها تهديد.. وهذا ما يجب أن تقوم به التربية الأسرية والمجتمعية والإنسانية العالمية.. نعم بالفن والأدب والدين يرقى الإنسان ويترقى في سلم الأخلاق الكريمة وبالتدريب على الدفاع عن نفسه واستخدام السلاح يقترب ويقارب إلى العنف والهمجية .. ومن هنا تأتي أهمية ايجاد نقطة التوازن في حياتنا ليفوز بها الإنسان المتزن المتوازن..
درجة التوازن:
من الممكن اعتبار أن درجة التوازن بين كل متناقضات الإنسان، والحياة، والعالم أعلى درجات الكمال التي يصبو لها اصحاب الانفس النورانية .. ومع أن هيجل يقر بنظرية الأضداد وديمومة تفاعل المتناقضات في العالم ويرى بأن التناقض هو منبع كل نمو .. فالكاتب يرى بأن الموازنة بين الأضداد على رأس قائمة مهمة استخلاف الإنسان في الأرض .. فالموازنة بين الغرائز المادية والتجليات الروحية بدون إفراط أو تفريط يقربنا من الكمال .. وبهذا التوازن يعمل الإنسان على عمارة الأرض والتوافق مع حاجياته المادية ومثله العليا والتوازن البيئي وكذلك التوازن الاجتماعي الإنساني.
الانحياز للغرائز المادية والإفراط في الملذات الدونية سيحط من قدر الإنسان ولن يرجع لوضعه الطبيعي المتزن إلا بارتقاء الوثيرة السلوكية والقيمية ألأخلاقية ليظل الصراع بين الغرائز المادية والقيم الروحية بين صعود وهبوط إلى أن يتحرر الإنسان من اثقال غرائزه الجسدية!!! ويوازن بين حاجات جسده وأنوار قلبه وروحه وعقله.
هل الاستشهاد الانتحاري التفجيري عمل إرهابي؟
عندما ترتفع درجة غليان الغضب في النفس البشرية يتحول الانسان إلى مضحي بحياته وربما يطلق على هذه التضحية إحدى التسميات التالية: أستشهادية، إنتحارية، تفجيرية، أو فدائية .. وقد يعبر البعض على أن مصطلح تفجيرية الأقرب للحيادية لكن أين منها لم يرتبط بالإرهاب إلا مؤخرا وربما مع ثمانينات القرن الماضي.. قد لا نستغرب حصول أعمال فدائية عبر التاريخ وما قام به الطيارون اليابانيون من عمليات كاميكازي-توكو-تاي والمقصود بها بالرياح المقدسة أو الرياح الإلهية، مضحيين بأرواحهم لإغراق بوارج الحلفاء المهاجمة لإمبراطوريتهم، لم ينعتها أحد بالإرهابية بل هناك من أطلق عليها بالهجوم الخاص !!! فربما هذا الاستشهاد الانتحاري التفجيري يترجم بمصطلح الفدائي .. فمن الصعب جدا نعت عمليات كاميكازي-توكو-تاي بالعمل الإرهابي لذلك كانت ترجمته بالعمل الفدائي أو الهجوم الخاص كما أرتاه اليابانيون.
لقد ذاع صيت مصطلح الفدائي مع صعود التيار الراديكيلي والثورات الشعبية ضد احتلال المستعمر والاستبداد الملكي. وسمعنا عن العمليات الفدائية ضد الاحتلال، أو الحكم، العسكري المستبد إلا أنه أنحرف مسار العمليات الفدائية بعد أن تحولت لممارستها ضد المدنيين باختطاف الطائرات المدنية وتفجيرها .. وربما من هنا بدأ يتشكل مصطلح ألإرهابي والعمل الإرهابي..
عندما قررت أمريكيا محاربة الوجود السوفيتي في افغانستان بدأ نبش الاستخبارات الأمريكية في التراث السلفي الوهابي وربما حصلت على الاستنتاجات التالية:
- رجعية الفكر الوهابي ورفضه للحداثة بأي شكل كان واعتبارها بدعة.
- تعطيل العقول والجمود على النصوص ورفض التأويل.
- ارتفاع درجة الحساسية ضد الكفار تحولت واختزلت في الإلحاد!!!
- الإعلاء من نصوص الجهاد في التراث الإسلامي ولو نزلت في مناسبات مختلفة أو كانت منسوخة.
فبعد أن حولت الجبهة الاعلامية “المجاهدين” ألأفغان ومنهم العرب الأفعان، وبتمويل وهابي، إلى أصحاب كرامات ورفعتهم إلى الدرجة الملائكية .. أختلف الأمر بعد طرد الروس فتحول المجاهدين الفدائيين إلى إرهابيين!!! بل بعد انتهاء العدو السوفيتي بانهيار الاتحاد وانتهاء الحرب الباردة وجد بعض المفكرين السياسيين مثل صامويل فيليبس هنتنجتون (Samuel Phillips Huntington) بان الصراع سيكون ثقافي وديني وبذلك أصبح الإسلام عدوا بديلاً عن الاتحاد السوفيتي فألصق به الإرهاب .. فكل عملية خطف أو تفجير حصلت بعد ذلك ربطها الأعلام العالمي بالإرهاب “الإسلامي”. وليس بالضرورة باللفظ “الإسلامي” فيكفي أحيانا الإشارة إلى العملية الإرهابية ومرافقتها بصورة رجل ملتحي وبلباس خليجي “عربي” أو بخلفية مسجد أو أي معلم إسلامي.
تطور صناعة الإرهاب !!
فعالية العمل الجهادي في هزيمة الاتحاد السوفيتي أوحى للدوائر الاستخباراتية الأمريكية بتحويل هذه الوصفة، بعد أن أثبتت نجاعتها، في تحويل الكثير من الجاهدين إلى قنابل بشرية موقوتة يمكن تفجيرها عن بعد، إلى برنامج لخدمة المصالح الأمريكية.. وربما هذا ما أوحى بفكرة الجيل الرابع للحرب …فيكفي وضمن مجموعة متشربة للفكر السلفي التكفيري دس بعض العناصر المتخصصة في السلوك النفسي، والمطلعة على الموروث الجهادي السلفي الوهابي الذي صنعته بريطانيا ليقاتل معها ضد الإمبراطورية العثمانية “الإسلامية”، لتحويل تلامذة السلفية إلى قنابل موقوتة !!! وتزامنا مع نظرية الجيل الرابع من الحرب الأمريكية على اعدائها .. فقد تحول الفكر السلفي الداعشي إلى أداة طيعة لخدمة المصالح الأمريكية .. فأصبح يتم توظيف الفكر الداعشي لتحريك سوق السلاح أو ربما للإطاحة بحكم أو إعادة رسم لحدود جيوسياسية وذلك لما يتميز به من الخصائص التالية:
- تعطيل العقل وتأكيد أن الدين لا يخضع للعقل .. استنادا للقول المتكرر عن سيدنا علي بأن المسح على الخف لو كان بالمنطق والعقل لكان المسح أولى من تحت القدم من ظهره!!!!
- تهويل البيعة بمفهوم أن من مات ولم يكن في عنقه بيعيه مات ميتة جاهلية.. للتفتيش عن الأمير والركض وراء مبايعة لتكون الخطوة التالية الطاعة العمياء “لولي الأمر” وتكون النهاية بإسدال الستارة على الفصل الأخير من المسرحية التفجير والانتحار !!!
- تعميق كراهية المخالف سواء كان في الدين أو حتى في المذهب أو طريقة العيش!!!
- القنوط من الحياة والتعجيل بالموت متناسيين قوله الله “ومن أحيا ها فكأنما أحيا الناس جميعا” بل مسحها من الذاكرة.
- جاهزية أصحاب الأنفس المتدمرة بسبب الظلم أو القهر أو الفقر للإنتحار..
- رغبة بعض مؤيدي الأنظمة الدكتاتورية (صدام .. معمر) في الانتقامممن أطاحوا بأصنامهم فكان الالتحاق بالدواعش نكاية في أعدائهم.
صناعة الإرهاب والجيل الرابع:
الجيل الرابع من الحروب (“4GW” Fourth-Generation Warfare) أو “الحرب اللا متماثلة” يعبر عن الصراع اللامركزي الذي أطلقه البروفيسور الأمريكي “ماكس مايوراينگ” في محاضرته بمعهد الأمن القومي الإسرائيلي .. ملخصها: ” الحرب بالإكراه ، إفشال الدولة ، زعزعة استقرار الدولة ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية”.. و هذا من حقها وقد يرجع هذا للأسباب التالية:
- أدركت الولايات المتحدة الأمريكية التكلفة الباهظة للحروب التي خاضتها في أفغانستان والعراق وما تتطلبه من مليارات لتحريك قواعد عسكرية متحركة تجوب البحار على متنها أكوام من البشر وطائرات حربية وناقلات للجنود والعتاد وآليات حربية.
- تعددت حالات الاضطراب النفسي عند جنود أمريكان حاربوا في افغانستان والعراق بإطلاق النار عشوائيا على مدنيين وأخرها ما حصل في ولاية فلوريدا.
- وجدت أمريكا أن العدو الذي ابتدعته “الإرهاب الإسلامي” بدون حدود إقليميةأي تحارب لا دولة وفي بقاع مختلفة من العالم.
- الحاجة للمعلومات الاستخباراتية على الأرض مستعينة بجيوش بشرية مدنية بما في ذلك مؤسسات خيرية وحقوقية وفي السماء طائرات بدون طيار.
- الاقتصار على عمليات القوات الخاصة القادرة على القيام بعمليات جراحية نوعية كما حصل في صبراته وفي قرضه ببراك الشاطئي أو خطف أبو أنس الليبي على سبيل المثال.
فالواقع الجديد الذي أرادته أمريكا بعد انتهاء صلاحية معمر القذافي جعلها تبدأ بقيادة الحرب على القذافي ثم رجعت للكرسي الخلفي واستمرت في إدارتها عند بعد .. بالطبع المقهورين من دكتاتورية القذافي، بما فيهم الإسلاميين بمختلف توجهاتهم، كانوا وقودا للحرب بالوكالة أو بالإكراه لإفشال الدولة الليبية .. وبعد تباشير انتصار أحرار فبراير فتح القذافي الخاسر مخازن ترسانة أسلحته وسرح المجرمين وبهزيمته تم تحرير المتشددين الاسلامين من السجون فبات من الضروري خلق حرب أكراه أهليه وداعيشية.. وذلك ربما لتحقيق هدفين:
- التخلص من ترسانة الأسلحة التي خلفها القذافي.
- القضاء على أكبر عدد ممكن من المتشددين بل جعل ليبيا مقبرة لدفن أكبر عدد من المتطرفين من العالم!!! وربما هذا مبرر لصناعة داعش وقيام أمارتهم بسرت بليبيا.
فهؤلاء المساكين أصحاب العاهات النفسية نتيجة التعذيب بالسجون أحيانا والفقر والجوع وقلة الحاجات الأساسية مرات أخرى كانوا أول الضحايا في مسلسل الإرهاب الاصطناعي.. فعوضا أن يخضعوا للتأهيل والرعاية النفسية والروحية يزج بهم في معركة بالإكراه لا يحددها أين من الطرفين .. فيسرب بين تلاميذة السلفية متخصصين في علم النفس ليستنهضوا فيهم الكراهية للأخر ويضخمون لهم استباحة القتل والسبي واعتباره تقربا إلى الله وتكفيرا عن ذنوبهم .. بل يحاولون شرعنة الذبح والحرق والشنق بفتاوى مفصلة لعقولهم الصغيرة!!! نعم يؤنبونهم عن حياتهم الكفرية قبل استتابتهم ومبايعة ألأمير بحيث لا يتركون أي ثانية عاشوها في حياتهم إلا ونعتوها بالكفر فالموسيقي كفر والمرأة كل ما فيها مكفر بل وظهور أي سنتيمتر من جسمها ورؤيته هو الكفر بعينه بل وجودها مع الرجل في نفس المكان كفر بواح.. والعمل في الدولة أشد الكفر وكل أبتداع جديد معاصر خروج من الدين وكفر.. وبعد الجوقة التكفيرية يوظفون جهلهم بالدين بحيث يفتحون لهم ثغرة ضيقة ووحيدة للتكفير عن ماضيهم الكافر المخزي إلا وهي: تفجير أنفسهم لقتل أكبر عدد من أعداء الدين المخالفين لهم!!!! الكاتب لا يدري هل يتأسف عن هؤلاء؟ ويتساءل: هل الإرهابيون ضحايا قبل الإجهاز على ضحاياهم؟
كلمة ختامية:
بالتأكيد الكاتب لا يبرر التطرف أو جرائم داعش ولكن ما يحاول ابرازه .. هو أن هناك ضمن منظومة التطرف عموما وداعش خصوصا ضحايا .. وهناك طوابير طويلة من الخامات الجاهزة للتدعوش والركوب على خط أنتاج داعش لصناعة قنابل بشرية موقوتة تفجر عن بُعد!!! فغياب الوعي والجهل والفقر هو ما يساعد صناع الإرهاب العالمي في الحصول على المادة الخام البشرية المتهيئة والمستعدة لقبول التعويذات السلفية للموت انتحارا.. فالإرهاب صناعة معقدة تلعب فيها الدوائر الإستخباراتية الدور الأبرز إلا أن حطب هذه الحرب هم ضحايا قبل أن يتحولوا إلى مجرمين منتحرين ومضحيين بأنفسهم قبل الإجهاز على ضحاياهم “المخالفيهم”!!! ومع أن تغذية التطرف يسهم فيها أيضا التيار السلفي الوهابي .. الرافض لعقلنة الإسلام وأنسنته.. والحاقد على الحداثة والمشيطن لكل ما في المرأة بما في ذلك صوتها وخروجها من بيتها!!! إلا أننا جميعا كُتاب ومفكرين ومثقفين وسياسيين ونشطاء مدنيين لا يمكن أن نعفي أنفسنا من المسؤولية تجاه هؤلاء المساكين المعدمين والمصابين بلوثة التطرف السلفي !!!! ولا نبرئ صُناع الإرهاب الدوليين من المسؤولية في إعادة تأهيل المقاتلين العائدون لأوطانهم.. وكما يقولون علينا أن نقيم الحجة عليهم بعمل الكثير تجاه التطرف السلفي أولا قبل محاربتهم .. وربي على الظالم.. تدر ليبيا تادرفت
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً