الدستور وشكل الدولة في ليبيا يجب أن يكون بناءاً على اختيار الشعب . فاستغربنا من الشيخ الصادق الغرياني قوله أن خصوم الإسلاميين إذا وصلوا إلى الحكم سيفعلون كذا وكذا . من هم خصومهم ؟ أليسوا ليبيين ؟ ثم أليس الشعب الليبي هو من سيصوت على الدستور في استفتاء ؟ فلماذا الخشية ؟ اللهم إلا إذا كان الشيخ ( وهو ما نرجحه ) يرى أن الأغلبية في الناس لا يعلمون ولا يفقهون !
نحن هنا لسنا بصدد تسجيل النقاط على أحد . ولكننا نرى أنه من حقنا الرد على أي شيء يمس السياسة سواء أكان مأتاه دينياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً ، مادمنا لا نراه يتناسب ( من وجهة نظرنا ) مع الواقع السياسي ، ولا يخدم مصلحة ليبيا وبشرط وجود إلمام بالموضوع ودون شخصنة للنقاش .
ونؤكد أننا ضد نهج البعض في تسجيل النقاط والنظر للأمور بعين الغالب والمنتصر واصطياد الأخطاء للانتصار للذات ، حتى تضيع البوصلة فيصبح الانتصار للذات أو الفكرة أو الذات ، حتى يصل أمرنا كما قال الرئيس الأمريكي اوباما للجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس ( بالسيرك السياسي ) .
الشيخ الصادق الغرياني لا نختاره لشخصه ، بل لنهجه العريض و لتأثيره ومكانته ، سواء كان ذلك ايجابيا أو سلبياً ، مبالغ فيه بالزيادة أو النقصان .
كما نرى أنه مثال حي على الأزمة التي عانى منها ومازال يعاني منها الفقه الإسلامي و العديد من علماء المسلمين . فبرغم كثرة كتابتهم فهي ترديد ممل للماضي وارتماء في أحضانه وإعجاب به مما يؤدي إلى الجمود وعدم الإبداع ، فكل شيء مردد ومعاد ، وأشبه بالقصص ، وفي كثير الأحيان منفصل عن الواقع وطوباوي وغير موضوعي ، بل ويؤدي إلى التناقض .
وهذا لا يقلل احترامنا له ولأي شخص آخر ، فنحن ضد السباب والشتائم وتسجيل النقاط ، بل مع النقد الموضوعي لأجل مصلحة ليبيا والليبيين .
الشيخ الصادق الغرياني يقول في لقائه الأخير : “‘ لا نقول بان الإسلام يجب أن يكون المصدر الوحيد للتشريع … ما نقوله هو أن أي قانون يناقض الإسلام باطل’. !!!!!!
إلا أن الشيخ الصادق الغرياني يقول قبل ذلك وفي لقاء إذاعي بان : ” الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع ” .!!!!!!
وهذا هو رابط اللقاء :
http://www.youtube.com/watch?v=f5LIzMDaj2I
وهذا التناقض لا يدل على عدم الصدق أو غيره ، بل يدل على عدم وجود فكرة واضحة لدى الشيخ عن مصطلح الدستور ودوره وفكرة الديمقراطية ، فعندما ندخل الدين والأفكار الدينية المتأثرة بالعاطفة والتاريخ المبالغ في كثير منه على الواقع المغاير لذلك والمتغير سينتج هذا التناقض .
فالشيخ الصادق يقول في ذات اللقاء أن الديمقراطية في بداية نشأتها كانت تعني فصل الدين عن الدولة ، وهذا خلط واضح وعدم دقة فلنرجع إلى اليونان القديمة ، فهل كان الدين منفصلاً عن المجتمع ؟ وكذا الديمقراطية الغربية ، كانت تعني قدرة الناس في اختيار حكامهم والمشاركة في الأمور العامة ، ولا علاقة لهل بفصل الدين عن الدولة .
ثم يأتي الشيخ ليصل تعسفاً إلى نتيجة مؤداها أن الديمقراطية هي الحرية وبالتالي هي الشورى ، هكذا نضل ندور في التاريخ ونستنتج النتائج تعسفاً وفقاً لما هو موجود لدينا من قراءات تاريخية عاطفية غير موضوعية وغير دقيقة ويختلط فيها السياسي والشرعي والواقعي والخيالي ، فنصل حتما إلى التناقض وتشوه الفكرة واجتزئها من سياقها وتشويه مضمونها فتخرج هجيناً منفصل عن الواقع ، لا لون ولا رائحة ولا طعم له .
علاوة على أن الشيخ الصادق الغرياني لم يبين لنا المقصود بالإسلام الذي يرى بالا يخالفه قانون ؟!! هل هو إسلام المذاهب والتيارات ؟ أم الإسلام بفهم أناس قبل 1400 سنة ؟ أم 1300 سنة ؟ وهل كان فهم الإسلام واحداً قبل 1400 سنة ؟ هل نحن مع نهج سيدنا أبا بكر أم عمر ؟ هل مع نهج أبي ذر أم معاوية ؟ أم مع الحق والدليل كما يقال ؟ وهل اتفق على فهم الدليل الواحد ؟ وهل اتفق على كل الأدلة ؟ أم نأخذ بفهم المحدثين المعاصرين ؟ أم بفهمنا نحن ؟ وان اختلفنا نحن فبفهم من نأخذ ؟ وهل فهم هذه السلطة الدينية الجديدة سيكون أعلى من تفسير القانون والدستور والدائرة الدستورية بالمحكمة العليا ؟!!!!
نعم أضيفت صلاحية جديدة للسلطة التشريعية في ليبيا !!!! فمن ليبيا يأتي الجديد !! نعم السلطة تنشئ السلطة في ليبيا ، والمؤقت ينشئ الدائم !!! ( خلطة دستورية دينية قانونية سياسية ما رأينا لها مثيلاً ) . نعم في ليبيا السلطة الانتقالية المؤقتة التشريعية تنشئ سلطة رابعة جديدة دائمة !!!!
كما أن الشيخ الصادق الغرياني يكفر الليبيين ، ويقسمهم إلى قسمين ، عندما يحض في ذات البرنامج المسلمين باختيار التيار الإسلامي وعدم ترك المجال لخصومهم !!!!!!
حقيقة نستغرب ولا نستغرب مثل هذا الكلام من الشيخ ، وهو ناتج عن أزمة عميقة في الفقه الإسلامي التقليدي ، مما تأتى عنه في هذا السياق شيئين مهمين :
1- لم يتبلور مفهوم المواطنة لديهم بشكل كافي وعن اقتناع كما يقولون . إن هذا فيه تكفير لليبيين وإبعاد مفهوم المواطنة عن دولة في طور الإنشاء وتشكيل ثقافتها السياسية الجديدة . فالأحرى لو قال الشيخ على الليبيين لا المسلمين في ليبيا . فنحن في دولة ليبيا والجنسية الليبية هي مناط اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات لا الديانة أو المذهب ، والقانون هو الذي ينظم كل ذلك لا الفتاوى أو الآراء المذهبية .
2- لم تتبلور فكرة الوظيفة العامة وعدم استغلالها ، باعتبار من يشغلها خادماً لكل الليبيين ، فتجد المشايخ والأئمة يستغلون المساجد ويسخرونها لأهدافهم وتياراتهم الفكرية والسياسية . كما استغل الشيخ الصادق دار الإفتاء لتأييد فكرته والتيار الذي يؤيده على الآخرين .
فجميع مناصب الدولة يجب ألا تستغل لأغراض تصب في مصلحة فئة من الليبيين ، سواء كانت غالبية عظمى أو قلة . هذه ثقافة يجب أن نرسخها . وإذا كان هذا رأي سياسي للشيخ الصادق الغرياني يسعى لنصرته وتأييده فما عليه إلا أن يستقيل ويروج لهذا الرأي .
ما يقول به المفتي كلام خطير جدا ، ففيه تحريض على الأخر ربما قد يؤدي إلى قتله ، فبعض الشباب المتحمس لا يفهم من قول المفتي بأن خصوم الإسلاميين إن انتصروا سينالون من الإسلاميين ، وسيحكمون بغير شرع الله وسيعم الفساد وتنتشر الفوضى ، وان غير الإسلاميين هم منافقين وكفار عملاء يسعون لهدم الإسلام ومحاربة الدين وربما هدم الكعبة والاعتداء على قبور الصحابة رضوان الله عليهم .
ولكي لا يكون كلامنا لغرض النقد ، يجب ان نقترح حلولاً لكل ذلك ومنها :
1- يجب على الشيخ ونهجه وغيره أن يبادروا إلى إقامة الحوارات مع من يخالفهم ، لا مع من يؤيدهم فهذا نوع من إضاعة الوقت والجهد .
2- كم نتمنى أن نشجع الإبداع والعقل في مجال الفقه الإسلامي ، بدل هذا التقديس للأشخاص والمذاهب والآراء القديمة التي لا تتناسب بعضها مع حاضرنا ولا مستقبلنا ؛ لاختلاف المكان والزمان والافهام والسياقات .
2- يجب التأكيد على أن المرجعية في كل شيء في ليبيا هي للدستور ، أياً كانت مواده وللقوانين من بعده واللوائح والقرارات .
3- لا يجوز أن يفتأ بأنه لا يجوز التقيد بالقوانين التي يراها شخص أو مجموعة مخالفة للإسلام . فنحن يجب أن نؤكد على إقامة دولة القانون . وهو انه يجب احترام جميع القوانين ، ومن رأى أن قانوناً (مخالفاً للدستور ) وليس كما جاء ( مخالفاً للإسلام ) لان الحاكم القانوني المكتوب والمصاغ بنصوص محددة واضحة هو الدستور . من رأى مخالفة قانون لمادة من الدستور عليه الطعن على ذلك أمام الدائر الدستورية بالمحكمة العليا . وقبل نطق المحكمة بذلك يجب التقيد بهذا القانون لأنه صادر عن السلطة التشريعية .
4- نقترح إلغاء دار الإفتاء ، والناس أدرى عمن تأخذ الفتاوى التشريعية . كما أن إنشائها يؤدي إلى إنشاء سلطة جديدة ، وهو مستغرب ومما لا يختص به المجلس الانتقالي ولا أي برلمان .
5- يجب تشريع قانون عقابي يعاقب أي شخص (بما فيهم أي شيخ ) يحرض على طائفة سياسية أو فكرية أو دينية أو يسعى لتقسيم الليبيين وفق دينهم. أو يفتي بفتوى تعارض أو تؤدي إلى التحريض على عدم احترام القانون أو الدستور . ومن أراد تغيير مادة دستورية أو قانونية فما عليه إلا سلوك الطريق السياسي أو القضائي .
6- يجب تشريع قانون جديد ينظم عمل المساجد لمنع السيطرة عليها واستغلالها في غير مصلحة الدولة و الليبيين مجتمعين . وألا يسمح بمن هب ودب ارتقاء المنابر ، بوضع شروط تضمن ذلك وروادع عقابية لكل من يحاول الالتفات على ذلك .
للتواصل مع الكاتب:
البريد الإلكتروني: saadalnaas@yahoo.com
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً