تسعة أشهر من القتال والدمار، ولا يخفى على أحد مدى المعاناة التي يقاسيها المواطن الليبي من قصفٍ وتهجيرٍ قسريٍ واعتقالٍ واغتيال، ولا يزال يدفع فاتورة تلك الحرب التي حولت حياتهم لكابوس، حرباً دفع النازحون ثمنها.
لقد تسببت الاشتباكات الدائرة في كثير من المناطق العاصمة طرابلس بين حكومة الوفاق الوطني وقوات خليفة حفتر في نزوح آلاف العائلات من منازلهم، وأصبحوا يقيمون إمّا في مساكن مستأجرة، أو داخل مراكز للإيواء، وفي بيوت المبيت الجامعي، وهكذا بدأت رحلة النزوح القسري لمناطق أكثر أمناً هرباً من جحيم الحرب المستعرة، لا يعرف الليبيون ما ستؤول إليه نتائج تلك الحرب، نزاع يستمر بتشريد وقتل المدنيين ليرتفع بذلك عدد النازحين إلى 200 ألف على حسب تقرير المنظمة الدولية لشؤون النازحين أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن ويعيشون في ظروف صعبة، وفي أوضاع اجتماعية ونفسية سيئة للغاية.
نزوح وهروب مستمر
معاناة النازحين تزداد يوما تلو الآخر، فمع استمرار الحرب، ودخول فصل الشتاء وهطول الأمطار وزيادة برودة الطقس داخل مناطق الايواء الحكومية والمدارس، تسكن أوجاع النازحين وآلامهم، إيواء يفتقر لأدني مقومات المعيشة، ليس هذا فحسب الكثير منهم لا يجد مكاناً يستره هو وعائلته من متغلبات الطقس.
وتستمر الاشتباكات وتتفاقم معاناة هؤلاء الذين ضاق بهم وطنهم، ونزاعا تتزايد حدت عنفه ومعاناة المواطنين تتأجج تحت حرباً لا تكاد وترتها تهدى حتى تعاود الاشتعال من جديد.
وتستمر في ضواحي العاصمة طرابلس الاشتباكات العنيفة، التي أدت إلى سقوط 635 قتيلا، وإصابة أكثر من 3550 شخص آخر من بينهم 3 من العاملين في المجال الطبي، حسبما أعلن المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية.
وهنالك تحديات كبيرة تواجه حكومة الوفاق الوطني لتوفير المساعدات المطلوبة للنازحين منها الاحتياجات الغذائية اليومية ووجود الأسر في أماكن غير مهيئة للسكن كالمدارس والمباني التي لم يكتمل إلى حد الآن تجهيزها للسكن، إضافةً للرعاية الصحية وخصوصاً كبار السن الذين يعانون من الأمراض المزمنة وتوفير الأدوية لهم وتقديم الدعم النفسي للنازحين بعد خروجهم من منازلهم في لحظات صعبة و ظروف قاسية.
إحاطة المبعوث الأممي
وكشف مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة،من خلال إحاطته في أكتوبر الماضي، أن «حرب العاصمة» نتج عنها فرار أكثر من 128 ألفًا من ديارهم، مشيرًا إلى أن هناك 135 ألف مدني مازالوا عالقين في المناطق التي تشكل الخطوط الأمامية للقتال، إضافة إلى 270 ألفًا آخرين يعيشون في المناطق المتضررة بشكل مباشر من الحرب، وأضاف أن النزاع المستمر في ليبيا تسبب في وقوع خسائر فادحة بين المدنيين، وفي ظل عدم وجود حل عسكرى تواصل الأمم المتحدة دعوتها لوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات، يتفاوت تضرر النساء من الآثار الأوسع نطاقاً للنزاع المسلح في ليبيا، مما يفاقم من جعلهن عرضة للفقر والتمييز والعنف.
وأضاف سلامة: الغارات الجوية السبب الرئيسي للخسائر في صفوف المدنيين والتي بلغت 394 ضحية (182 حالة وفاة و 212 جريحاً)، يليها القتال البري وعمليات الإعدام بإجراءات موجزة والعبوات الناسفة وعمليات الاختطاف،منظمة الصحة العالمية رصدت 61 حالة اعتداء مرتبط بالنزاع على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها، في زيادة بلغت 69% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018. وقد أضرت هذه الاعتداءات بـ18 مرفقاً صحياً و20 سيارة إسعاف و40 موظفاً من العاملين في المجال الصحي.
عجز دولي وإقليمي
حيث فشلت كل المفاوضات والمبادرات والمحاولات الدولية والإقليمية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار منذ اندلاع الحرب على العاصمة في الرابع من أبريل الماضي، وتدخُّل بعض الدول الغربية والعربية بحجة الحفاظ على ارواح الليبيين وممتلكاتهم.
ومنذ ذلك الوقت، قتلت الحرب مئات الأشخاص وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، رغم أن منظمات حقوق الإنسان تقول إن عدد القتلى الحقيقي قد يبلغ أكثر ذلك.
قال وزير شؤون النازحين والمهجرين في حكومة الوفاق “يوسف جلالة” إن الهيئات واللجان المكلفة من قبل المجلس الرئاسي تدرس إنشاء مجمعات سكنية للنازحين إذا استمرت الحرب على طرابلس.
وأضاف جلالة في حديثه للجزيرة نت أن “أغلب النازحين موجودون حاليا في المدارس والمعاهد والمبيت الجامعي، وندرس إخلاء هذه المقرات وإتاحة الفرصة للطلبة للرجوع إلى مدارسهم عند بداية العام الدراسي الجديد.
وأوضح أن حكومة الوفاق منحت منذ بداية الأزمة 120 مليون دينار إلى 64 بلدية في المنطقة الغربية لمساعدة النازحين، مشيرا إلى أن الجهات المختصة تسعى للحصول على 100 مليون دينار للمنطقتين الشرقية والجنوبية.
واعتبر جلالة أن حكومة الوفاق ستتحمل أعباء مالية كبيرة لجبر الضرر نتيجة التدمير الذي يطال المرافق العامة والخاصة وبيوت المواطنين والمسروقات، وذلك بعد انتهاء الحرب، على حسب تقرير نشر على موقع الجزيرة.
الإيجار واستغلال السمسار
أصبح البحث عن مأوي مطلباً ضرورياً وحاجة ماسة لدي النازح، أين يذهب؟ وإلى من يلجأ؟ لقد ضاقت الدنيا بما رحبت، ولم يعد هناك مكان ومجالاً للصبر، ورافقت حركات النزوح تلك ارتفاعًا بالأسعار في الأسواق فضلًا عن ارتفاع إيجارات المنازل، مما زاد الامر سوء كما ندرة وجود منزل فارغ بسبب تزايد الطلب في الأشهر الماضية، ومعاناة تضاف لهم يصل أسعار إيجارات العقارات في العاصمة إلى أرقام خيالية، وتتراوح بين 1500 و2000 دينار وما فوق، ويختلف السعر باختلاف مساحة السكن وإن كانت مفروشة أم لا، كما تخضع تلك العقارات المراد تأجيرها لتحكم وسلطة صاحب العقار الذي يفرض الشروط على المستأجر وفق مزاجه دون أي اعتبار لحالة النازح أو المهجر.
ويقول جمعة المبروك وهو من سكان حي الخلة: إن من أهم العوائق التي تواجه من يريد أن يستأجر منزل أو شقة سكنية في أحياء العاصمة طرابلس هي الأسعار، وتابع المبروك في حديثه: من الصعوبات الأخرى هو الشرط الذي يفرضه المؤجر على المستأجر وهو دفع أجرة 6 أشهر مقدمًا، الأمر الذي يثقل كاهل النازح، وهذا الأمر.
وضاعفت الحرب الدائرة في طرابلس الأوضاع الإنسانية المأساوية التي يعيشها سكان المدينة سواء النازحين أو المقيمين، إذ تواجه المستشفيات نقصاً في الإمدادات الطبية اللازمة لإغاثة الأعداد المتزايدة من المرضى، فضلاً عن المعاناة اليومية من نقص السيولة في المصارف التجارية وطوابير يومية على محطات الوقود ومستودعات غاز الطهو.
اترك تعليقاً