شهدت الدورة 37 لمعرض تونس الدولي للكتاب يوما ثقافيا ليبيا، ضمن الأيام التي منحتها إدارة المعرض لبعض الدول، لتعرض جانبا من ثقافتها عبر الندوات والحوارات.
شارك في تقديم بعض جوانب الثقافة الليبية في هذا اليوم الثقافي، الدكتور علي برهانة، والدكتور الصديق بودوارة، والأستاذ الناشر علي جابر، أدار الحوار الدكتور خليفة أحواس رئيس رابطة الكتاب الأدباء الليبيين، ودار الحديث حول أدب الكاتب الليبي الراحل الصادق النيهوم، وولادة وموت المجلات الثقافية، وهموم حركة نشر وتوزيع الكتاب في ليبيا، وأثر النشر الإلكتروني على الكتاب الورقي التقليدي، وشارك في الحوار الكاتب التونسي المهتم بالشأن الليبي البشير الجويني، وقد حضر هذه الحوارات جمع غفير من زوار المعرض ومن المهتمين بالثقافة الليبية.
الصحفي والمدون الليبي منصور عاطي طرح سؤالا عن التأثير المتبادل بين شبكة الإنترنت والكتاب، ومدى صمود الكتاب الورقي التقليدي أمام مد النشر الإلكتروني، عقب الناشر الأستاذ علي جابر ببعض الشروحات على الموضوع، مركزا في حديثه عن الجوانب القانونية للنشر الإلكتروني وحقوق المؤلفين.
هذا الموضوع يكتسي أهمية بالغة على مستوى صناعة النشر، وعلى مستوى القراءة بشكل عام، وهو موضوع قديم نسبيا، يتجدد في مثل هذه المناسبات التي تحتفي بالكتاب الورقي في كل القارات والعواصم، ولأنني من جيل نشأ على المطالعة الورقية، شاركت في الحوار بكلمة لم أخف فيها تحيزي للكتاب التقليدي، وفي السطور التالية بعض الآراء والأفكار التي طرحتها في الحوار.
أرقام التوزيع تؤكد أن الكتاب الورقي يتراجع طباعة وتوزيعا، فيما تتصاعد نسبة نشر الكتب إلكترونيا، فالأجيال الجديدة التي نشأت وتكونت في الزمن الرقمي تفضل القراءة الرقمية المختصرة، كما أن النشر الإلكتروني قليل التكاليف قياسا بالنشر الورقي، الذي يتحمل فيه الناشر تكاليف الطباعة، والتوزيع، والتخزين، والشحن، وحقوق المؤلف.
نشر الكتب رقميا له مزايا عديدة، فبالإضافة إلى قلة التكلفة، يمكن للكتاب الرقمي الانتشار السريع والوصول للقارئ بمنتهى اليسر عبر الشبكة، مع سهولة الدعاية والعرض، وعدم الحاجة إلى مساحات للتخزين، في قرص صغير بحجم راحة اليد يمكن تخزين مكتبة كاملة، بينما تشكو المكتبات ومتاجر الكتب الورقية من محدودية المساحات وتكدس الكتب، ما يضطرها إلى التخلص منها ببيعها بأسعار زهيدة، والحديث يطول.
وبالمقابل ثمة عيوب ونقاط ضعف، لكنها لن تؤثر كثيرا في حركة النشر الرقمي، ومع الزمن سوف تتم معالجتها والحد منها، ولن تلغي حقيقة أن المستقبل حتما سيكون للنشر الرقمي.
لكن السؤال المهم الآن، هل سيختفي الكتاب الورقي من التداول بعدما فقد عرشه كأهم مصدر لحفظ ونقل المعرفة عبر القرون الماضية؟ ثمة حقائق لا يمكن تجاهلها، أولها أن الكثير من الصحف والمجلات في كل البلدان، توقفت عن الطباعة الورقية وتحولت إلى النشر الرقمي، أو في أقل التقديرات خفضت من عدد النسخ المطبوعة، والكثير من دور النشر والمكتبات غيرت نشاطها نحو النشر الرقمي، الذي يواصل قضم الكتاب الورقي، لتزداد حصته في سوق الكتاب بشكل مطرد.
ومع ذلك لا أعتقد أن الكتاب الورقي سينتهي، ونعلن أنه بعد عقود قليلة سيشيع إلى مثواه الأخير في المتاحف.
عندما انتشر الراديو وبات في متناول الجميع، ظن البعض أن الصحف لن تكون قادرة على منافسته في سرعة نقل الأخبار وانتشارها، ولكن الصحف تكيفت مع هذا الاختراع، وصار مصدرا موثوقا تنقل عنه، مسهلا لها التحقق من صحة أخبار المصادر الأخرى، وبعد ظهور التلفزيون وأجهزة الفيديو تجرأ البعض ونعى السينما، ولكنها ماتزال مستمرة، محافظة على سحرها لدى هواة الشاشة الكبيرة والمشاهدة الجماعية.
الكتاب الورقي له مزايا وخصوصية لا تتوافر للكتاب الوقمي، لذلك سوف يستمر جنبا إلى جنب مع الكتاب الإلكتروني، ثمة طقوس محببة يمارسها عشاق الكتب، لا يمكن ممارستها مع الكتاب الرقمي، مثل القرأة المتأنية التي لاتحتاج إلى شحن كهربي أو شبكة إنترنت، مع سهولة الحمل والمطالعة في أي مكان، المقهى، شاطئ البحر، قبل النوم، وغيرها، وتدوين الملاحظات على الهوامش.
ستتغير أوضاع النشر، ويقل عدد قراء الكتاب التقليدي، لأن الغالبية ستتجه للكتاب الرقمي، لكنه لن ينقرض، وسيتعايش مع كل الوسائط مثلما يتعايش الراديو مع التلفزيون، والسينما مع شاشات البلازما الكبيرة.
معارض الكتاب الورقي خلقت المناسبة لكي يلتقي الأدباء والكتاب مع القراء، ليس لاقتناء أحدث الإصدارات فحسب، وإنما للحوار والتفاعل عبر المحاضرات والندوات، مع تطرحه المطابع من كتب جديدة، وهذه أيضا لن يوفرها الكتاب الرقمي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً