قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على المجلس الانتقالي الليبي أن يعدل فوراً القانون الجديد الذي يحمي أفراداً من الملاحقة القضائية بعد أن ارتكبوا جرائم إن كان ما اقترفوه يهدف إلى ” إنجاح أو حماية الثورة” ضد معمر القذافي. القانون يسمح للسلطات أيضاً باحتجاز الأشخاص لمدة تصل إلى شهرين إذا كانوا يعتبرون “تهديدا للأمن”.
القانون رقم 38 “بشأن بعض الإجراءات الخاصة بالمرحلة الانتقالية” الصادر في 2 مايو/أيار 2012 والمقرر أن يبدأ سريانه في 12 مايو/أيار، ورد فيه أنه لا عقاب “على ما استلزمته ثورة السابع عشر من فبراير من تصرفات عسكرية أو أمنية أو مدنية قام بها الثوار بهدف إنجاح الثورة أو حمايتها”.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “هذا القانون يسمح لمن ارتكبوا جرائم جسيمة أن يسيروا أحراراً لأسباب سياسية. إنه يعزز ثقافة العدالة الانتقائية التي ناضل الليبيون بقوة للتخلص منها”.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني عملية ضرورية حتى تصبح ليبيا الجديدة مستندة إلى سيادة القانون.
القانون الجديد قضى باتخاذ بعض الإجراءات للتعامل مع مشكلة جلب آلاف المحتجزين طرف الميليشيات إلى سيطرة الحكومة المركزية ولمحاكمتهم في حال وجود أدلة على ارتكابهم لجرائم. قانون 38 ورد فيه أن وزارات الداخلية والدفاع عليها إحالة “جميع مؤيدي النظام السابق” المحتجزين حالياً طرف الميليشيات، إن كانت هناك أدلة كافية ضدهم، إلى سلطة قضائية مختصة، بحلول 1 يوليو/تموز.
تحتجز الميليشيات حالياً الآلاف من الأشخاص، أغلبهم متهمون بأنهم دعموا أو قاتلوا إلى جانب حكومة القذافي. أغلب المحتجزين لم يمثلوا أمام أية سلطة قضائية وهم من ثم محتجزين بشكل تعسفي.
وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى بشكل موسع عمليات التعذيب والمعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز التي تديرها الميليشيات، والتي أسفرت عن الوفاة في بعض الحالات. بعض الميليشيات تورطت في انتهاكات جسيمة أخرى، مثلإعدام ما لا يقل عن53 شخص على ما يبدو في أكتوبر/تشرين الأولفي سرت، والنزوحالقسريلنحو30 ألف شخص من بلدة تاورغاء، وهو ما يرقى لكونه جريمة ضد الإنسانية.
وقال جو ستورك: “تكليف الوزارات بالتعامل مع محتجزي الميلشيات في ظرف شهرين خطوة إيجابية للتصدي للمشكلة الجسيمة القائمة”. وأضاف: “لكن منح تصريح خروج مجاني للمسؤولين عن جرائم جسيمة، هو تكريس لثقافة الإفلات من العقاب، التي تشجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات”.
كما نص القانون على أنه حتى إذا برأت المحكمة شخصاً احتجزته ميليشيا، فهذا الشخص لا يحق له تقديم شكوى جنائية أو مدنية ضد الدولة أو الميليشيا، ما لم يكن الاحتجاز بناء على مزاعم “مختلقة او كيدية “. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه لابد من كفالة حق اللجوء للقضاء بالنسبة للأشخاص المحتجزين بالخطأ والذين تتم تبرئتهم بعد ذلك.
كما يمنح القانون للحكومة سلطات تقييد تنقلات الأفراد، وفرض غرامات أو احتجاز الأشخاص لمدة أقصاها شهرين إذا اعتبروا “تهديد للأمن أو الاستقرار” من واقع تصرفات الشخص السابقة أو انتماءاته لدى أجهزة رسمية أو غير رسمية أو أدوات النظام السابق. يمكن للمتأثرين بهذه الإجراءات الطعن فيها أمام قاضٍ.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن هذه القيود على الأفراد الذين يعتبرون تهديداً للأمن لابد أن تستند إلى أدلة ملموسة على ارتكاب مخالفات وليس بناء على الانتماءات السابقة. هذه المخالفات لابد أن تُنظر بموجب القانون الجنائي وليس بناء على سلطات فضفاضة مبهمة في احتجاز الأشخاص بصفتهم “تهديد للأمن”.
يبدو أن القانون يخرق الإعلان الدستوري المؤقت، الذي ينص على أن جميع الليبيين “سواء أمام القانون” وأنهم يتمتعون بالحقوق “المدنية والسياسية” على قدم المساواة. ويقول الإعلان الدستوري أن جميع المواطنين لهم نفس الفرص ويخضعون لنفس الواجبات والالتزامات، دون أي تمييز من واقع المعتقد السياسي.
الحصانة المعممة التي يوفرها القانون رقم 38 للأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم دعموا أو حموا ثورة السابع عشر من فبراير يخرق التزام ليبيا بموجب القانون الدولي، الخاص بالتحقيق والملاحقة القضائية في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
القانون الدولي يعارض منح العفو على الجرائم الدولية الجسيمة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجميع حالات التعذيب. ليبيا دولة طرف في اتفاقية عدم انطباق أحكام القوانين التي تحد من ملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتي تطالب بإزالة أي قيود على ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم. وهي أيضاً دولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تطالب بضمان اعتبار جميع أعمال التعذيب مخالفات جنائية، وتستدعي التحقيق والملاحقة القضائية لجميع الأشخاص على أراضي الدولة المسؤولين عن مثل أعمال التعذيب هذه.
فضلاً عن ذلك، فإن سلطات الدول الأخرى يمكنها مقاضاة المسؤولين عن الأعمال التي شهدتها ليبيا، بموجب الاختصاص القضائي العالمي، دون اعتبار لمنح الحصانة داخلياً. الدول الأخرى قد يُطلب منها الحفاظ على تطبيق الاختصاص القضائي العالمي المذكور بموجب اتفاقيات هي طرف فيها، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب. أي حصانة تُمنح من المجلس الانتقالي غير ملزمة قانوناً لمحاكم الدول الأخرى والمحاكم الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي لها اختصاص نظر انتهاكات القانون الدولي الجسيمة، ومنها ما تم ارتكابه في ليبيا.
للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص قائم في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، أخذاً في الاعتبار من بين عوامل أخرى، إن كانت السلطات الليبية مستعدة وقادرة على ملاحقة الجناة في هذه الجرائم. هذا القانون قد يكون بادرة قوية على عدم الاستعداد للتحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل جميع الأطراف.
الاحتجاز التعسفي محظور تماماً في القانون الدولي، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وليبيا دولة طرف فيه. الاحتجاز “الإداري” على أساس أمني، خارج نظام القانون الجنائي، هو الأمر الوحيد المسموح به، في ظروف قليلة، حيث هناك حالة طوارئ حقيقية وصادقة تهدد حياة الأمة، وتلتزم الحكومة في تلك الأثناء بكافة الخطوات المحددة في العهد الدولي والتي وضعتها لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بما في ذلك خطوات من أجل عدم فرض القيود على الحقوق إلا بما هو ضروري لا أكثر لمواجهة حالة الطوارئ (على ألا تكون الحدود المفروضة فضفاضة أو مبهمة الصياغة)، وأن تكون الحكومة قد أظهرت أن القوانين القائمة – بما فيها القانون الجنائي – غير كافية للتصدي لحالة الطوارئ. لم تتخذ ليبيا أي من هذه الخطوات المطلوبة بموجب العهد الدولي، للتنصل من توفير هذه الحقوق كي تبرر عمليات الاحتجاز الإداري.
كما يطالب العهد الدولي تحديداً بحق أي شخص تعرض للاحتجاز غير القانوني في التعويض.
القانون 38 ليس هو التشريع الإشكالي الوحيد الصادر عن المجلس الانتقالي. في 2 مايو/أيار أصدر المجلس أيضاً قانون 37، الذي يحظر إهانة الشعب الليبي أو مؤسساته. دعت هيومن رايتس ووتش المجلس الانتقالي إلى إلغاء القانون 37.
دعت هيومن رايتس ووتش المجلس الانتقالي إلى تعديل قانون 38 بحيث يتم استبعاد المسؤولين عن الجرائم الدولية من دائرة العفو، جرائم من قبيل القتل والتعذيب والعنف الجنسي والاختفاء القسري.
وقال جو ستورك: “لا يمكن توفير أي بديل عن العدالة والمحاسبة على الجرائم الجسيمة”. وأضاف: “حماية الأفراد من العدالة تشجيع على ارتكاب انتهاكات في المستقبل، وتأخير للمصالحة الوطنية”.
اترك تعليقاً