ويستمر حصار درنه وتاريخها المشرف في طرد داعش - عين ليبيا
من إعداد: أ.د. فتحي أبوزخار
محاصرة المدنيين في درنه مثلها مثل محاصرتهم في قنفودة.. وخروج الدواعش منها تم ولكن بطرق مختلفة.. فقد نجح أحرار درنه في طرد داعش من مدينتهم بعد أن استغلت بعض الجماعات ذات التوجه الإسلامي لتوطين داعش بينهم.. إلا أنه في المقابل استمر وجود داعش في بنغازي لحين انتهى دورهم وطلب منهم النزول من على خشبة مسرح القتال في بنغازي.
لقد وظف بعض الشباب بتوجهات إسلامية “سلفية” ضمن مشروع داعش الإستخباراتي المعقد بتشبيكه مع أطراف وطنية وإقليمية ودولية متعددة قد تكون أحيانا متناقضة!!! فمشروع داعش وطن بالغرب والجنوب والشرق الليبي وأنتهى به المقام بسرت حيث كانت نهاية داعش بعد قبرها بسرت. إلا أنه تم التركيز على المنطقة الشرقية وتحديدا بالمدينتين المنتفضتين، من قبل سنة 2011، ضد دكتاتورية القذافي درنه وبنغازي، ومنهما كان الانتقال إلى المنطقة الوسطى سرت لعدة اعتبارات أهمها [8] توافقت مع غاية المشير حفتر:
لقد حاصر وعاقب القذافي المنطقة الشرقية .. بل لا نبالغ لو قلنا بأن كل المعوقات ضد قيام دولة وطنية مدنية ديمقراطية زرعت بالشرق وتوافقت مع الرافضين لانتفاضة فبراير.. بالطبع المحاولات تمت كذلك بالمنطقة الغربية والجنوب ولكن لم تنجح بالقدر الذي حصل بالمنطقة الشرقية..
فنجد استمرارية محاصرة المدنيين الرافضين للحكم العسكري بقيادة السيد حفتر.. بل يستمر قتل العزل والأطفال نتيجة للحرب المستمرة على المدنيين والتي انتهت بقتل الأستاذ/عمر أشكال،رحمه الله، بعد قصف قنفوده.. الحرب التي أقتنع الجميع بأنها لن تكون الحل للفوضى أو الأزمة في ليبيا.. ومع قناعة الجميع بقبول تسوية سياسية بما في ذلك المشير خليفة حفتر ولو ظاهريا.. فربما الزيارة الأخيرة للسيد رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لروسيا وكذلك نائبه السيد أحمد عتيق وتصريحات روسيا بضرورة الحل السياسي بالرغم من دعمها الحربي في السابق واللاحق للمشير حفتر..
يريد الكاتب شد الانتباه لنقطة مهمة كمقدمة قبل الولوج لدهاليز الحسابات الدولية التي لا تخضع إلا لقانون المصالح.. فعندما تتطلب المصلحة رفع كفة طرف في المعادلة السياسية يتم ذلك ولو أختلف معه. لذلك لن نجد تفسيرا منطقيا، بل هو تحرك نفعي بامتياز، حين تقصف طائرات حربية أمريكية طائرة حليفة أردنية يقودها معاذ الكساسبه. وهذا ما يؤكده السيد محمد السعدي عضو مجلس محافظة ديالي حيث كشف ” عن هبوط طائرات تابعة للتحالف الدولي في مناطق حوض سنسل التي يسيطر عليها عناصر مجاميع “داعش” الإجرامية، والمحاصرة من قبل القوات الأمنية العراقية، مؤكداً أن الطائرات قامت بنقل قيادات التنظيم من المنطقة خوفا على مقتلهم ..في الوقت الذي تشير كل المعطيات ان ارسال اسلحة متطورة امريكية عبر الجو لصالح داعش لم يكن خطاءا بل هو امر مبرمج” [1] .. توجد تكهنات بأن السبب وراء إسقاط الطائرات الحربية الأمريكية لطائرة التي يقودها الطيار الاردني معاذ الكساسبه لإخفاء سر خطير لكونه شاهد عيان على تزويد امريكا لداعش بالسلاح جوا.. ويصرح الإعلامي المصري توفيق عكاشة بان “الطائرات الحربية الأمريكية هي من أسقطت الطائرة الأردنية عن سبق إصرار وترصد .. بغض النظر عن صحة الخبر من عدمه ولكن الحسابات الاستخباراتية دائما غير معلنة ولا تقيدها مواثيق ولا عهود.. وما الحروب التي تحصل ولو بتبريرات محاربة الإرهاب أو الثورة المضادة تبقى في إطار الفوضى الخلاقة ولو ثبت وجود الإرهاب والثورة المضادة.
لذلك يؤكد ” الدكتور هاني رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن تنظيمي داعش وفجر ليبيا هما أدوات غربية لعمل حالة من الاضطراب في ليبيا إلى أن يستقر الغرب على الوضع الذي ستنتهي إليه ليبيا، ” [2]. بل وما توارد من أنباء عن المستشار السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن بأنه”يكشف خطة “عش الدبابير” لحماية الدولة العبرية. وأوضح سنودن أن بريطانيا والولايات المتحدة والكيان الصهيوني تعاونوا لإحداث هذا التنظيم الإرهابي حتى يكون قادرا على استيعاب أكبر عدد ممكن من المتشددين وضمهم ضمن تنظيم واحد .. لخلق عدو قريب من حدودها لكن سلاحه موجه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده ..وكشفت المصادر ذاتها أن البغدادي خضع لتدريبات مكثفة استمرت على مدى سنة كاملة خضع فيها لتدريب عسكري على أيدي عناصر في الموساد بالإضافة لتلقيه دورات في الخطابة والعلوم الدينية [2].
لا يمكن إنكار أن مدينة درنه لها تاريخي نضالي ضد الطاغوت معمر القذافي. وقد أخذ هذا التمرد المسلح صبغة إسلامية فكانت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة. إلا أن النظام السابق أعلن الحرب، وبلا أي هوادة، ضدها مع منتصف التسعينات. وقد خسرت الجماعة المقاتلة الكثير ثم استتيب المسجونين منهم عبر ما سمي بالمراجعات.. إلا أنه ومع انتفاضة 17 فبراير استأنف العديد من الشباب القتال ضد القذافي بل هناك منهم من ذهبوا للقتال في سوريا ضد بشار الأسد ضمن كتيبة تسمى البتار.
حسب ما نشرته مونت كارلو الدولية [6] وصل “عدد مقاتلي تنظيم “داعش” في “ولاية برقة” بـ800 مقاتل ويمتلك عشرات المعسكرات خارج درنة وخاصة في الجبل الأخضر كما أن له فروعاً في مدن البيضاء وبنغازي والخمس بالإضافة إلى العاصمة طرابلس” [6] وربما من أهم التحالفات التي عقدها داعش مع التنظيمات الجهادية في ليبيا “أبرزها فرع بنغازي لـ”أنصار الشريعة” (التي انشق أحد قياداتها المدعو أبو عبد الله الليبي مع مجموعة من المقاتلين وبايع البغدادي) و”القاعدة في المغرب الإسلامي”[6].
قد نجد نوع من اللبس فيما يخص بداية داعش في درنه إلا أنه وبغض النظر عن الخلفيات لثوار درنه إلا انهم قرروا بعد مرور حوالي 3 سنوات من انتفاضة 17 فبراير مقاومة داعش..لقد أعلن داعش عن نفسه “عبر شريط فيديو نشر على الانترنت في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2014 وأظهر حشداً من المسلحين التابعين لما يسمى “مجلس شورى شباب الإسلام” في مدينة درنة الساحلية يبـايعون الـتنظيم وزعيمه أبو بكر البغدادي ” [4] [6].
يقف وراء داعش ترسانة إعلامية يسهمون في تأجيجها بعملياتهم الإرهابية من ذبح وحرق لأحياء وشنق في الميادين.. فلغة التأجيج الإعلامي نقرؤها في المبالغة في قدرة داعش على الاستقطاب في النص التالي بحيث: ” استطاع استقطاب الآلاف من الشباب من الليبيين وغير الليبيين إضافة إلى انجازه لتحالفات مع تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وتنظيم الإخوان المسلمين مجسدة في قوات الدروع الوسطى والغربية بما يرفع عدد الداعشيين إلى أكثر من 150 ألف مقاتل”[7]. وبالرغم من الدعم الاستخباراتي الدولي (من دول كثر) إضافة إلى الأرضية المتخلفة نتيجة صناعة الدكتاتورية والغبن والخوف والجهل… إلا أنه أتضح لنا في درنة وسرت وصبراته بأن داعش وحش كرتوني .. فهذه الصناعة المبنية على العقد النفسية والكراهية والحسد ظاهرة آنية قصيرة العمر .. ولكن الأعلام المظلل يظل الداعم الأول لداعش!!!
تعتبر مؤسسة السبيل للأعلام المنبر الرسمي والمؤسسة الأعلامية الرسمية لمجلس مجاهدي شورى درنه. وقد تولت أيضا إلى جانب مؤسسة السبيل ” مؤسسة العهد الإعلامية ” نشر أخبار وبيانات المجلس وتعتبر الجهة الإعلامية الأقرب للقيادات” [4].
بالتأكيد اختيار درنه لمن يكن عبطا. وبطيعة الحال لأنه مشروع استخباراتي فالتحوطات الأمنية وضمان النجاح للمشروع تم دراسته بصورة مستفيضة تجعل من فرص احتمالات الفشل ضئيلة. وربما نوجزها في ألأتي:
مع وجود كتيبة شهداء أبوسليم بدرنه وتأسيس مجلس شورى درنه وتزامنا مع الإعلان عن عملية الكرامة في بداية عام 2014 التي يقودها السيد خليفة أبولقاسم حفتر ظهر تنظيم الدولة الإسلامية داعش. بحكم أن مشروع داعش استخباراتي فليس بشرط ما هو ظاهر يعني الحقيقة الجوهرية.
بالرغم من تداول بعض التقارير الأمنية لأسماء قيادات داعش أو “مؤسسي الفرع الليبي وهم العراقي أبو نبيل الأنباري (يعتقد أنه قتل في غارة أمريكية على درنة في تشرين الثاني/نوفمبر 2014) والسعودي أبو حبيب الجزراوي واليمني أبو البراء الأزدي.” [6] إلا أن المعلومات التي تحصلنا عليها من درنه [5] تفيد بأن من تسلل من قادة داعش لدرنه يمكن اختزالها في الأسماء:
بدأت المواجهات مبكرة بين المتطرفين وكتيبة شهداء أبوسليم بعد أن “أصدر والي التنظيم أبرهيم الورفلي وقاضي التنظيم فيصل العرفي فتوة وحكم بردة كتيبة بوسليم لوجود جماعات مكفرة لدى هذه الكتيبة كذبا وزورا وبهتانا ليترك غالب وجل شباب درنه هذه الكتيبة وينضموا وينخرطوا داخل هذا التنظيم البدعي الخارجي” [5]. وتناقلت وسائل الإعلام هذه المواجهات بعد أن شهدت ” مدينة درنة الساحلية، شرقي ليبيا، مواجهات عنيفة، منذ فترة بين أكبر فصيلين إسلاميين متشددين، وهما “مجلس شورى شباب الإسلام”، الذي يضمّ تنظيم “أنصار الشريعة”، والعائدين من القتال الدائر في سورية، ومالي والجزائر، و”كتيبة شهداء أبو سليم .. يتبع المجلس، فكرياً وحركياً، تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، بينما تأسست الكتيبة، بعد اندلاع ثورة 17 فبراير/ شباط 2011، وشاركت في المعارك العسكرية، وعادت الى المدينة قبل تحرير سرت، واعترضت على الطريقة التي تعاملت بها باقي الكتائب المقاتلة مع مدينة سرت من سرقة ونهب وقتل عشوائي.” وقد لخص العربي الجديد [3] أهم دوافع الخلاف يسن المجلس والكتيبة في الأتي:
قبل مراجعة أسباب رفض داعش في درنه ربما تجدر الإشارة إلى معرفة الظروف التي هيأة الأرضية لاستقرار داعش لفترة مؤقتة .. وقد تتلخص في الأتي:
بالتأكيد خطط المخطط الاستخباراتي ونفذ الدواعش مستغلين جهل الشباب بالحياة والدين ولكن لا ننسى أن هزيمة داعش بدرنه وراءها مبررات يمكن جملها في الأتي:
توعد أنصار داعش الانتقام لمقتل معتز المرعاش بعد أن تأزم الموقف بين مجلس شورى شباب الإسلام وكتيبة شهداء أبوسليم مما تطلب استدعاء كتيبة البتار ” التي كانت تقاتل بسورية تحت راية “داعش”، وعاد أفرادها الى درنة، إلى الإعلان عن أن “الشخص المقتول هو أحد قادة مجلس شورى شباب الإسلام”، وتوعّدت بالانتقام لمقتله من “مرتدي كتيبة شهداء أبو سليم”، على حد تعبيرها” [3].
بالرغم من أن هناك بعض المقترحات بشأن التخلص من داعش بدرنه إلا أن هناك من يرى بأن هناك من ساهم في إشعال فتيلة الصدام بين مجلس شورى شباب الإسلام وكتيبة شهداء أبوسليم لتطفح قياداتهم على السطح. وهذا ما أوعزت به “عناصر استخبارات دولة أجنبية تعمل على إذكاء نار الحرب بين أكبر مجموعتين مسلحتين في درنة، حتى تبرز رؤوس وقادة هذه المجموعات الى السطح، ويسهل جمع معلومات عنها ومن ثم اغتيالها”. [3]. إلا أنه كان هناك على الطرف الأخر محاولات أخرى لاستيعاب جميع الشباب بتوجهات إسلامية..
ففي تقرير استخباراتي قدم للأجهزة الأمنية الليبية “انتهى التقرير إلى عدم كفاية الحل الأمني لمواجهتها، في ظلّ تزايد أعداد أفرادها بسبب البطالة وضعف المستوى التعليمي..واقترح التقرير تقديم منحة مالية خاصة بدرنة بقيمة نصف مليار دولار، وتكون 300 مليون منها هبة، والباقي مموّل على أساس قرض طويل الأجل، على أن يتمّ استخدام هذه الأموال في تمويل مشاريع صغرى ومتوسطة، وتنظيم بعثات تعليمية خارج ليبيا، وتمويل إنشاء معاهد للتدريب المهني..إلا أن حكومتي علي زيدان وعبد الله الثني لم تقدما أية مقترحات لمعالجة أزمات المدينة الأمنية والاقتصادية، في ظل تفاقم الأوضاع وبروز حركة نزوح كبيرة من رؤوس أموال ومنتسبين سابقين للأجهزة الأمنية خوفاً من الخطف والاغتيال. ” [3]
مع نجاح أحرار درنه في طرد داعش إلا أن الحصار ما زال مستمرا لأهالي درنه من قبل قوات حفتر بحجة وجود أرهابين .. متناسيين أن الإرهاب هو رفض الدولة المدنية والتحول للصراع الحربي باسم العسكرة أو حتى الأسلمة.
ومهما تمكنت الفوضى الخلاقة من زرع داعش في ليبيا يبقى التنوير الفكري وأنسنة الدين أهم عناصر مقاومة التدعوش. وعلى جميع منابر الإعلامية والثقافية والدينية (المنأسنة) وحتى التعليمية لعب أدواراً متنوعة للارتقاء بعقول الشباب الملوثة والمسممة بسلفية تكفيرية وافدة وممولة من الخليج. تدر ليبيا تادرفت.
[su_divider top=”no” size=”1″]
[1] الجزيرة نت، “تنظيم الدولة يتوعد بتصفية بلمختار“، 27 أغسطس 2015.
[2] مراد علمدار الجزائري، “كيف صنعت أمريكا داعش؟ /طائرات أمريكية تزود داعش بالأسلحة ووزارة الدفاع تدعي بانه خطاء/الطيار الاردني شاهد عيان على تسليح امريكا لداعش جوا“، 16 فبراير 2015.
[3] ( )، “حرب الجماعات الإسلاميّة في درنة: “داعش” واستخبارات“، العربي الجديد، 4 يوليو 2014.
[4] مركز البحوث، “مجلس شورى مجاهدي درنه”، 15 يونيو 2016.
[5] منسق سرايا الثوار، المجلس المحلي درنه وضواحيها.
[6] مونت كارلو الدولية، “”داعش ” ليبيا: كيف نشأ؟ وكيف يعمل ومع من؟ “، 16 فبراير 2016.
[7] الرصيفة الأخبارية، “بعد وصوله إلى درنة.. تنظيم الدولة الإسلامية يتوسع في ليبيا“، 2014-10-08 .
[8] فتحي سالم أبوزخار، “داعش خارج دائرة المحرمات.. ودرنة الضحية“،الحوار المتمدن، العدد : 5070
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا