نحن فى ليبيا نعيش هذه الأيام فى أكبر مغالطة تاريخية وسياسية وإجتماعية وإقتصادية لم يعشها هذا الوطن لقرون مضت من الظلم والعسف والإستبداد ، فمنذ أن وطأت أقدام العثمانيين تراب هذا الوطن فى سنة 1551م بعد إن إستنجدوا بهم أهالى تاجوراء ومحيطها لإنقاذهم من فرسان القديس يوحنا ، والمعاناة والآلام لم تُفارق حياة هذا الشعب البسيط وهذا الوطن المترامى الأطراف فقد كان الإستبداديون يتلاعبون به وبقيمه الأزلية ومرجعياته العقائدية التى تكمن فى الإيمان بالله الواحد القهار وسيد الخلق وإحترام الأولياء الصالحين وأهل الذكر وممارسة الشعائر الدينية بكل ثقة فى الإيمان بالله ووسطية لا غلوا فيها يحترمُون المقدسات الدينية ويقدرون العلاقات الإنسانية وحق الجار الذى أوصى به الرسول الكريم ويعتبرونه وريثاً معهم فى المبادئ والقيم وصلة الدم لديهم فوق كل إعتبار المرأة عندهم ، قيمة إجتماعية لا تُهان ولا يُعتدى عليها ولا يُقلل من شأنها ، لا يخونون ولا يعتدون على الغير إلا إذا أُعتدى عليهم ، عاشوا الفقر وتوارثوه ، عرفوا قيمة الحُرمات ودافعوا عنها ، وعشقوا تراب الوطن وإستشهدوا من أجله ، ذاقوا القهر على يد كل من حكم بلادهم ورفضوه ومورس عليهم الظلم من أدوات الإستعمار المتعاقبة وإنتفضوا كثيراً لرفعه عنهم ، إنتبهوا لمخططات التآمر عليهم وعلى مستقبلهم لطردهم من وطنهم للعديد من المرات ولكنهم لم يستسلموا أبداً فالوطن عندهم خط أحمر غير قابل للمُساومة . فأى مُستعمر مُستبد عربى أو عجمى لم يستطع تغيير هذه القيم المتوارثة لديهم مهما كانت الظروف ، فقد حاول الأتراك بعهودهم الثلاثة إبعاد هذا الشعب عن تُراثه ولكن هيهات دون جدوى ، عثمانى أول وقرمانللى دكتاتورى وعثمانى ثانى وإيطالى وليبيا هى ليييا وآخرها نظام القذافى الذى حاول تغيير هوية الليبيين ديموجرافياً وإجتماعياً وسياسياً فلم يقدر على ذلك طيلة أربعة عقود وما إلتفاف شعبنا وتكاتفه خلال تحرير الوطن فى فبراير إلا دليلاً على رسوخ وثبات هذا الشعب العظيم … أقول ذلك بكل فخر … ولكن…..
ما أن تحررت ليبيا من تلك الدكتاتورية القذافية العائلية القبلية الجهوية المناطقة بفضل الله تعالى والثوار الحقيقيين وفضل أبناء الشعب الليبى الأحرار أينما وجدوا ، حتى تكالبت علينا ما تُسمى بالكيانات السياسية أو (الأحزاب) حيث إنتشرت على طول البلاد وعرضها مُمثلة فى رموز لها لم نشاهدهم إلا من خلال الفضائيات التى يُطلق عليها (ليبية) زوراُ وبهتاناً منها الممول من رؤوس الأموال الذين نهبوا أموال الشعب الليبى فى غفلة منه ومنها الممول من دول عربية وغربية لغرض فى نفوسهم إستعداداُ لهيمنة مُستقبلية تم التخطيط لها جيداً ، لقد حضرت شخصياً البعض من لقاءات رموز هذه الأحزاب التى نزلت بخطة لعب أعتمد فيها إما الفوز أو على وعلى أعدائى ، ولقد تم إستقطاب البعض من الرجال والنساء وكان التركيز من قبل هذه الكيانات على البسطاء وأنصاف المُتعلمين حيث يوزعون عليهم نماذج الإنتساب بعد تقديم (بوفيه) يحتوى على أفخر أصناف الحلويات والمشروبات وأحياناً ولائم دسمة تحتوى على (المحّمر والمشمّر) كما يقال وهذا يعتمد على قدرة الكيان المالية وما لديه من أموال إما نهباً من أموال الليبيين فى السابق لأن معظم الرموز على الساحة الليبية كانوا يعملون وزراءً وسفراءً ومدراءً وبصاصين وعملاء مزدوجين لدى النظام السابق ، أو تمويلاً خارجياً مشبوهاً.
صدقونى إذا سافرت لعمل خاص أو غيره إلى طرابلس ليس بقدرتى الإقامة فى فنادق خمسة نجوم والتى يقيم فيها حالياً أعضاء المؤتمر الوطنى ولكن بإستطاعتى أن أقيم فى أحد فنادق (ميدان السويحلى) أو أن يستضيفى قريب من مدينتى وليس أولئك الذين تعرفنا عليهم فى أيام الدراسة بكلية الهندسة بجامعة طرابلس فى بداية السبعينيات ولمدة خمس سنوات ، حيث أن الكرم هناك محدود قد يكون لكبر العاصمة أوعادات أهلها والناس لم تتعود على إستضافة الأقرباء أو الأصدقاء إلا بشق الأنفس وكل بلاد وعزاها !! وهى ملاحظة للتذكير فقط بالرغم من أن طرابلس عزيزة عندى ولدى فيها ذكريات وأصدقاء ولكنهم تربوا على (أنستو بعضكم وتوا نشابحوا) وسلامتك … بغير عادات أهلنا فى الشرق وبنغازى العريقة بأصالة أهلها وتقاليد الجبل الأخضر الأشم جبل العزة والفزعة وكرم الضيافة ودرنه التى يستحى أهلها ترك صديق أو قريب فى فندق وبيوتهم مفتوحة ، فأرجوا أن لا يزعل منى أحدا أو يأخذ على خاطره !! فهذه حقيقة لابد أن تُذكر ليُعطى كل ذى حق حقه ، فأنا أحد الذين يعتزون ويقدسون الوحدة الوطنية والإنتماء الوطنى ويتخذون منه مبدءاً أزلياً لا يمكن الحياد عنه.
أستميحكم عذراً أيها الأعزاء الكرام فقد إبتعدت بعض الشئ عن الموضوع الذى أردت الكتابة فيه والتنويه عنه ، فالكاتب أحياناً يتحيّز لرأيه لا لشئ إلا لمحاولة إقناع البعض به ولكن أنا شخصياً لم أتعود على ذلك ويُمكننى الوصول إلى طرح الموضوع بكل شفافية وصراحة وما أجمل الشفافية عندما تكون خالية من الأحقاد أو التحامل على الأصدقاء أو محاولة إنتهاج التشويه بغير حق … وهنا أقول … عندما بدأت الكيانات الحزبيه تتقاطر على المدن والقرى الليبية إتصل بى بعض الأصدقاء من المثقفين والمفكرين من العزيزة على القلب بنغازى وطلبوا منى ضرورة المشاركة فى أحد هذه الكيانات المطروحة ، وكان ردى أنا غير مقتنع بهذه الدكاكين التى تبيع الكلام وبضاعة منتهية الصلاحية ، وهذا نابع من ملاحظاتى وقناعاتى بما يدور على الساحة السياسية والتكالب للحصول على موضع قدم فى كل قرية ومدينة ، ونظراُ لتواجدى فى تلك الفترة لحضور لقاء مع الإخوة فى جمعية عمر المختار ببنغازى، فقد إتفق البعض من الأعضاء على قبول الدعوة بعد جدل طويل لحضور إجتماع تكتل ما يسمى (الإتحاد من أجل الوطن) إسم ينطق بالوحدة الوطنية ويتقاطر منه الإنتماء الوطنى ، وقد كان الإجتماع فى مدينة بنغازى وبحضور الكثير من السياسيين والمفكرين والكتاب والإعلاميين ، حيث إستشعر الحاضرون أن هذا التكتل سيكون فاتحة خير والمثل الشعبى يقول (الربيع يبان من فم الدار) وما إتبات إلا على أقسامها !… المهم دار الحوار والنقاش لمدة ثلاثة أيام وكانت الإقامة فى فندق (أوزو وتيبستى وآخر نظراً لكثرة العدد ) وقلنا لهم فى ختام الإجتماع ، إذا عزمتم فتوكلوا على ألله ما دمتم من أجل الوطن ووحدته ، المهم أن تكون الأمور خالصة لوجه الله .
وما إن أنتهى ذلك الإجتماع حتى إنقطعت الإتصالات نهائياً وكما يقول المثل (لا ريتنى لا ريتك) بين أعضاء مجلس الأمناء عن المناطق وكذلك تم تجاهل نائب رئيس التكتل الذى يقيم فى مدينة بنغازى الذى كان يتصل بى من وقت لآخر لشرح الموقف وتجاهل إدارة التكتل لفروع المنطقة الشرقية فربما كانت تلك البروباقندا التى تمت فى السابق عبارة عن جسر عبور لإدارة الإتحاد للوصول إلى أهدافها بالقول نحن متواجدون على مستوى (ليبيا) . وفى ظل ما تبنته بعد ذلك إدارة الإتحاد لوحدها من مواضيع وقرارات داخل المؤتمر الوطنى وخصوصاُ فيما يتعلق بالقرار رقم (7) المتعلق بتطويق مدينة بن وليد وإجتياحها حيث لم يكن رأى الإتحاد واضحاُ داخل المؤتمر الوطنى بالرغم من أن أهداف الإتحاد كانت المصالحة الوطنية ضرورية من أجل المستقبل ، ناهيك عن ما جاء فى كلمة رئيس الإتحاد فى إجتماع الثوار بمدينة مصراته الذى جاء فيه موضوع العزل السياسى غير المدروس الذى يشتم منه رائحة الحقد والكراهية لأناس بعينهم وإقصاءً مُتعمداً والذى يتخذ من شعار تصفية الحسابات التاريخية هدفاً فى حقيقة الأمر ، كل هذه البيانات والقرارات التى صدرت بدعم وموافقة من تكتل الإتحاد من أجل الوطن ،، تتحمل مسؤليتها إدارة التكتل وحدها ، ولهذا فقد أصدر كل من نائب رئيس التكتل ومعه أعضاء مجلس الأمناء بالإسم والتوقيع بياناً بالخصوص حيث تم نشر البيان فى وسائل الإعلام والصحافة الإلكترونية ومنهم من قدّم إستقالتة مكتوبة لرئيس الإتحاد.
ومن هنا أقول .. أن ما أكتبه عن دكاكين الإحزاب فى العديد من مقالاتى لم يكن من أجل التحامل عليها أو الرفض القاطع لها ولكن ما نشاهده من تصرفات تعكس مفاهيمها وأهدافها الخفية ، هذه الكيانات التى إقتحمت علينا هدوءنا وعلاقاتنا الإجتماعية الطيبة التى لم تعتمد يوماً على المصالح الشخصية كمرجعية لها أو أهداف غير منظورة ولطالما تحاورت مع البعض من روّاد هذه الكيانات من أولئك الذين لا يعرفون الصبح إلا بشروق الشمس وكأنهم لا يعوون أن هناك العديد من العلامات التى توحى بإنبلاج الصبح ، وهم الذين على أتم الإستعداد للقتال من أجل هذه الكيانات . ولكن الكثير منهم تراجعوا أخيراً عندما إتضحت أمام أعينهم الأمور والأجندات الخفية ، فهذه الدكاكين باشرت فى التحكم فى ليبيا قبل صدور الدستور وقبل إصدار قرار بتنظيم هذه الدكاكين لكى نُفاضل بينها ويساعدنا فى ذلك الحرس البلدى بعد عودته للعمل قريباً لكى نعرف من يبيع بضاعة صالحة ومن يبيع بضاعة منتهية الصلاحية ولو أننى إكتشفت أن الجميع من هذه الأحزاب يمكنهم وضع علامات تجارية على بضاعتهم والتأكيد على أنها صالحة مدى الحياة لأنهم إعتنقوا القول المأثور (الغاية تبررالوسيلة)..!!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً