مع توجه التونسيين غدا لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية بعد ثورة الياسمين، أفردت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريرا حول التجربة الديمقراطية التونسية، والدرس الذي تعلمه الإسلاميون من خلال صعودهم إلى سدة الحكم.
ورأت الصحيفة أن عدم مشاركة حزب النهضة الإسلامي هو بمثابة خروج آمن من السلطة، وتجنب لمصير تيارات الإسلام السياسي في دول الربيع العربي، لاسيما السيناريو المصري.
في ظل حالة التمزق التي يعيشها العالم العربي، حققت الديمقراطية الناشئة في تونس إنجازا نادرا، وهو: انتخابات سلمية ونزيهة سلبت الأغلبية البرلمانية من الإسلاميين مؤخرا، مع ذهاب فرصة الفوز بالانتخابات الرئاسية للمرشح الباجي قايد السبسي، الذي خدم في حكومات استبدادية سابقة، بحسب الصحيفة.
وبعد ثلاث سنوات من الربيع العربي، وما صاحبه من آمال كبيرة تحولت إلى يأس، حيث وقع “انقلاب” في مصر، وتزحف ليبيا نحو حرب أهلية، وتشهد سوريا حمام دم، فإن تونس تبقى هي الدولة الوحيدة التي تسقط ديكتاتورا وتبني ديمقراطية، على حد قول الصحيفة.
وتعكس هزيمة الإسلاميين في الانتخابات التشريعية حالة استياء واضحة مما نتج عن الديمقراطية، فقد كان راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة، رمزا للإسلاميين في المنطقة الذين صعدوا إلى السلطة بعد الثورات وأملوا في إحداث تحول في بلدانهم التي يحكمها مستبدون علمانيون، إلا أن الحكومة التونسية وجدت صعوبة في احتواء الإرهاب وإنعاش الاقتصاد وكسب تأييد مجتمع شديد العلمانية، بحسب الصحيفة.
وقال رضوان المصمودي، الناشط التونسي – الأمريكي الذي كان مؤيدا للغنوشي: “أخشى لو أن السبسي فاز بالرئاسة، أن تكون اللعبة انتهت، ويكون النظام القديم بالأساس هو المتحكم في كل شيء”.
ولفتت الصحيفة إلى أن تونس تتمتع بأغلبية مسلمة، لكن فُرضت عليها العلمانية بالقوة خلال خمسة عقود من الحكم الاستبدادي، فكان الأمن يضايق الشباب الذين يرتادون المساجد، وحُرمت الطالبات من لبس غطاء الرأس.
وعندما صعد الإسلاميون إلى الحكم في تونس بعد الثورة، اكتشف الغنوشي أن الحكم أصعب بكثير مما كان يتخيله، وقد ذكر هذا بنفسه عندما قال إن الواقع أكثر تعقيدا من أي نظرية.
وأردفت الصحيفة أن النهضة سعي خلال حكمه إلى تهدئة شكوك الرأي العام إزاء الحزب الإسلامي، فشكّل ائتلافا من حزبين علمانيين صغيرين، وتعهد بعدم فرض الحجاب أو تقييد حقوق المرأة، وفي عامه الأول من الحكم وصلت مبيعات البيرة إلى مستويات قياسية.
لكن التحدي الأكبر أمامه لم يكن العلمانيون، بل إن حرية التعبير سمحت للإسلاميين المتطرفين باللجوء إلى المساجد والدعوة إلى العنف والتعصب، فأخذت الحكومة على حين غرة، وقال الغنوشي إنهم أنفسهم كانوا ضحايا السجن والحبس، ولم يكن سهلا عليهم أن يرسلوا آخرين إلى السجن.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش في مصر المجاورة أطاح بالرئيس المنتخب وحكومته، وبدأ المتظاهرون التونسيون بالدعوة لحصول الشيء نفسه في بلادهم، لكن تونس لديها مميزات عن مصر، فجيشها أضعف ومؤسساتها المدنية أقوى.
وبعد هزيمتهم في الانتخابات التشريعية، قضى إسلاميو تونس الأسابيع القليلة الماضية في اجتماعات لتضميد جراحهم والقلق بشأن مستقبلهم، وكان حزب النهضة قد قرر قبل أشهر ألا يطرح مرشحا رئاسيا، خوفا من أن يكتسح البرلمان والرئاسة فيثير غضب معارضيه، والآن ربما يتم استبعاده تماما من الحكومة.
واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى إقرار الغنوشي بأن الحزب ارتكب أخطاء، لكن ما دامت الديمقراطية بخير، فإن حزب النهضة بإمكانه التعافي، وبمقارنة ما حدث في تونس مع الدول المجاورة، فإن الوضع التونسي هو الأفضل في العالم العربي.
اترك تعليقاً