تسأل الدكتور محمود جبريل ، موجهاً كلامه للقانونيين عن قانونية ما فعلته لجنة النزاهة النازوبعثية ، النسخة المعدلة لمجلس صيانة الدستور في جمهورية آيات الله والحرس الثوري الإيرانية ، تساءل الدكتور محمود جبريل عن قانونية ما اتخذته من قرارات بعدم انطباق معايير النزاهة على بعض أعضاء المؤتمر الوطني ومن ثم تم تعليق عضويتهم.
تساؤل الدكتور في محله في جزئية معينة ، والإجابة تتجاوز سؤال محمود جبريل لتبين العقلية التي أنشئت مثل هذه الهيأة التي ترجع للعصور الوسطى وللعقليات المريضة التي يعشعش في داخلها الإقصاء وتمجيد القوة ومنطق الغلبة وتسفيه المبادئ الدستورية والقانونية الراسخة.
لا يوجد في الدول التي تحترم نفسها مثل هذه المسخ ( المسمى هيأة نزاهة ) ، لماذا ؟ لان ذلك يتعارض مع دولة القانون ويهين سلطة القضاء ، لا بل أنه يتعدى على إرادة الشعب.
وقبل أن نفصل في ذلك ، نود أن نبين أن مصطلح النزاهة في دولة القانون له معنى مادي ومعنوي : الأول : وهو ما يعرف بشهادة الحالة الجنائية ، والتي تثبت أن هذا الشخص لم يحكم عليه جنائياً حكماً نهائياً باتا . بل أن النزاهة هنا تشمل حتى بعض الجرائم الغير مخلة بالشرف كالجرائم الخطئيه من حوادث المرور وغيرها.
الثاني : معنوي وهو الانتخاب الشعبي في اختيار حر ونزيه وشفاف ، فهذا يؤكد على أن الشعب يعتبر هذا الشخص نزيهاً ، ولذلك اختاره.
هيأة النزاهة والعقليات التي أنشأتها والتي تديرها والتي تطبل وتزمر لها لا يدرون ولا يفقهون لمصطلح دولة القانون والدستور والسلطة القضائية معناً . فأنى لمثل هذه العقليات أن تدرك ذلك.
في الدول التي تحترم دستورها ( والمتمثل في ليبيا حالياً بالإعلان الدستوري ) والمبادئ والأعراف الدستورية والقانونية والقضائية ومبادئ حقوق الإنسان لا يمكن أن يحرم مواطن من حقوقه ، ومن ضمنها حق الترشح والانتخاب ، إلا بموجب حكم قضائي . لماذا ؟ لان القضاء في دولة القانون هو حامي الحقوق وحارس الحريات ، وهذه الحقوق ومن ضمنها الحقوق السياسية لا يحرم منها المواطن بعد أن ثبتت بموجب الدستور والقوانين إلا بموجب حكم جنائي نهائي صادر في محاكمة عادلة من أثاره حرمان الشخص من حقوقه المدنية ومن ضمن هذه الحقوق حقوقه السياسية.
فقرار إنشاء هيأة النزاهة عار قانوني وسياسي ولا قيمة له قضائيا ، ونحن نعتب على عدد من المحامين الذين رفعوا دعاوى تظلم إلى القضاء من هذه قرارات هذا المسخ القانوني( المسمى هيأة النزاهة ) أنهم ذهبوا إلى التركيز على النتائج دون المقدمات ، فالاولى هو الطعن في شرعية هذه الهيأة لا قراراتها وحيثياتها وعوارها ، فالهيأة غير دستورية وغير قانونية لأنها تتعارض مع الإعلان الدستوري والقوانين الأساسية وجميع القوانين العامة في الدولة ومن ضمنها قانون الإجراءات الجنائية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعدى ذلك ، وشر البلية ما يضحك ، فمن المعروف والمتعارف عليه قانونا مبدأ يسمى الاستقرار القضائي والقانوني . فقد يحكم على شخص بالبراءة ، ولكي تستقر الأوضاع القانونية ، ولكي لا يكون هذا الشخص تحت رحمة النيابة العامة تهدده على مدار عمره من استئناف هذا الحكم ، حدد القانون مدد معينة للطعن على هذا الحكم ، إذا لم يطعن خلالها على الأحكام القضائية أو ما شابهها تصبح تلك الأحكام عنواناً للحقيقة ، ولو كانت في الواقع غير ذلك.
وبرجوعنا للمؤتمر الوطني نجد أن قوائم أسماء المترشحين للمؤتمر الوطني أعلنت ووضعت في مقار الدوائر الانتخابية وحدد ميعاد معين للمواطنين ولهيأة النزاهة للطعن على هذه الأسماء ، ولم يطعن أحد ، وهذا يعد بمثابة ضوء أخضر لهم ، فبفوات مواعيد الطعن يصبح الشيء عنواناً للحقيقة و لا يمكن نقضه أو العودة لمناقشته إلا في أحوال استثنائية.
أنتخب هؤلاء الأعضاء فتمتعوا فوق حقهم القانوني بعدم الطعن على ترشيحهم في الميعاد القانوني ( على فرض شرعية هذه الهيأة ) وفوق نزاهتهم المادية ( القضائية ) بنزاهة معنوية باختيار الشعب لهم .. ولكن ..
أنى للعقليات التي أنشئت وأدارت وتصفق لمثل هذه الهيأة أن تدرك مثل تلك القيم والأعراف الدستورية والقانونية والقضائية و السياسية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً