بي بي سي
شهدت الخمس والعشرون سنة الماضية تغيرا جذريا في مفهوم الحروب.
ويمكننا تحديد مدى ذلك إذا ما رجعنا قليلا إلى الوراء، وتحديدا مع إحياء ذكرى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ومع كل الويلات والمعاناة التي شهدتها، كان لتلك الحرب نتيجة واضحة تتمثل في أن ألمانيا وحلفاءها هزموا فيها.
كما انتهت الحرب العالمية الثانية أيضا بانتصار واضح، حالها في ذلك حال الصراعات الصغيرة الأخرى التي وقعت خلال الفترة التي أعقبتها.
ولم يكن النصر حليف الغرب دائما. فعلى سبيل المثال، هزمت الولايات المتحدة في نهاية الحرب مع فيتنام، إلا أن الحقيقة تبقى أن القوة العسكرية بطريقة أو بأخرى تخرج بنتائج واضحة وحاسمة.
إلا أن ذلك لم يعد قائما.
ففي خطاب “انتهاء المهمة العسكرية” في العراق للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش الذي ألقاه على متن حاملة الطائرات الأمريكية “يو اس اس إبراهام لينكون” في مايو/ أيار عام 2003، صرح بأن الولايات المتحدة وحلفاءها قد “انتصروا” بدلا من أن يركز على المشكلة القائمة آنذاك.
فكلمة “النصر”، أيا ما كان المعنى الذي تحمله هذه الكلمة، لا تقف أمام عين الناظر فحسب، بل تتخطاها إلى ما هو أبعد من ذلك من حيث التوقيت الذي تقرر فيه إعلان انتصارك ثم تمضي بعد ذلك.
واليوم وبعد ما يقرب من 11 عاما، عادت القوات الأمريكية إلى العراق ولكن في مهمة استشارية هذه المرة، بينما تضرب المقاتلات الأمريكية وحلفاؤها أهدافا في محافظة الأنبار وغيرها.
وكأفغانستان، يبدو الوضع في العراق أبعد ما يكون عن النصر. وفي ليبيا أيضا، بدت الحرب الصغيرة التي كان الانتصار فيها سهلا أبعد ما تكون من الخروج بنتائج إيجابية منها.
وقد يقول البعض إن تلك الحروب منحت الدول الثلاث فرصة لبدء مرحلة سياسية جديدة، إلا أنها تسببت أيضا في تعجيل وقوع أضرار شاملة وخسائر في الأرواح، كما قد يقول كثيرون إن المرحلة السياسية الجديدة قد ضيعت بشكل كبير.
فما السبب إذن وراء فشل القوة العسكرية في تأمين نتائج حاسمة كان تحقيقها يبدو ممكنا في الماضي؟ وإذا ما نظرنا بشكل أكثر شمولا اليوم سنجد أن المشكلة لا تزال كما هي.
فيبدو أن الصراعات المسلحة المتكررة التي تدخل فيها إسرائيل مع غزة لا تحقق سوى القليل أكثر كم الإبقاء على الوضع كما هي عليه.
وفي كل تلك الحالات، فإن الجيوش ذات الطابع الغربي التي تتمتع بأحدث القدرات التكنولوجية العسكرية إما أنها لا تستطيع إحراز الغلبة أو أنها لا تنتصر سوى بطريقة مخففة.
فما الخطأ إذن؟ ما الذي تغير؟ هل أصبح الأمر يتمثل في عدم فائدة القوة العسكرية نفسها؟ وإن صح ذلك فما السبب فيه إذن؟
أم هل أصبح اللجوء إلى القوة العسكرية يحدث في أوضاع غير صحيحة، أو أنه يحدث بطريقة غير صحيحة؟
وتجدر بنا الإشارة هنا إلى أمرين، أحدهما يتمثل في أن سياق الحرب يشهد تغيرا جذريا بدءا من الصراعات داخل الدول وحتى الحروب بين الدول المتناحرة.
فالجيوش في الحقيقة تجيد التعامل مع الأعداء الآخرين، حيث إن ذلك في نهاية المطاف هو ما تتدرب عليه وتجيد فهمه.
إلا أن الدخول في صراع مع قوات وهمية في دولة مفككة يصعب فهم لغتها وثقافتها يعد أمرا آخر.
فقد يصبح الصراع مع ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية داخل العراق وسوريا نقطة تحول، في طريق قصيرة كان الزعماء الغربيون والقادة العسكريون يؤكدون منذ بدايتها على أنها مشكلة غير قابلة للحل بالخيار العسكري.
وقد يكون بمقدور القوة الجوية تحجيم التنظيم، وقد تتمكن القوات المحلية على الأرض من رده بعيدا، إلا أن ذلك يعتبر صراعا اجتماعيا وسياسيا لمستقبل الشرق الأوسط الذي يعاني نظامه الدولي الحالي من أزمة كبرى.
أما الأمر الآخر فهو أن انتهاء الحرب الباردة والهيمنة الظاهرة للغرب كانت سببا في تحفيز جميع الأفكار ذات النوايا الحسنة عن التدخل، وتحدث البعض عن “مسؤولية الحماية” والرغبة في الاستفادة من هذه القدرة العسكرية البارزة بطريقة جيدة.
وإلى جانب ذلك برزت فكرة مماثلة، حيث إنه وبدلا من أن يتحدث البعض عن الحرب على أنها ضرورة قومية ومعركة بقاء، بدأ البعض يتحدث عن “حروب الاختيار”.
والآن وبعد الحرب في أفغانستان والعراق وليبيا، أصبح العالم يبدو مختلفا.
ومن الممكن أن يقول كثيرون الآن أن الحرب قد لا يجدر بها أن تكون أحد الخيارات، وأنه يجب وضعها كواحدة من الضرورات النادرة.
اترك تعليقاً