منذ إعلان السلطات السودانية عن البدء في تبديل جزئي للعملة في العاشر من الشهر الحالي، انقسم السودان عملياً إلى “دولة بعملتين”، ما أثار مخاوف جدية من تعميق الانقسام الاقتصادي وربما تمهيد الطريق لتقسيم البلاد، بحسب تقرير نشره أحمد يونس في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية.
يشير التقرير إلى أن الورقتين النقديتين من فئتي 500 و1000 جنيه سوداني بطبعتهما القديمة لم تعدا مقبولتين في 7 ولايات تقع تحت سيطرة الجيش، بينما يواجه سكان 11 ولاية أخرى، تقع كلياً أو جزئياً تحت سيطرة قوات الدعم السريع، صعوبات جمة في استبدال عملاتهم القديمة بسبب غياب البنوك والمصارف العاملة، فضلاً عن إعلان قوات الدعم السريع أن حيازة العملات الجديدة “محرمة” في مناطق سيطرتها.
مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة لاستبدال العملة في 23 ديسمبر، يتخوف المواطنون في الولايات الخاضعة لسيطرة الدعم السريع من فقدان مدخراتهم، خاصة مع توقف البنوك وضعف شبكات الاتصالات، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية التي تحيط بالتنقل بين الولايات حاملين للنقود.
في المقابل، تشهد البنوك والمصارف في الولايات الخاضعة للجيش ازدحاماً شديداً من المواطنين الراغبين في إيداع عملاتهم القديمة، مع تحديد سقف يومي للسحب يبلغ 200 ألف جنيه.
ويرى محللون أن هذا التبديل الجزئي للعملة يعيد إلى الأذهان تجربة انفصال جنوب السودان عام 2011، حيث ساد مصطلح “دولة واحدة بنظامين”، الذي أفضى في النهاية إلى دولتين غير مستقرتين. ويحذرون من أن الوضع الحالي قد يدفع السودان نحو سيناريو “دولة بعملتين”، ما يعزز المخاوف من تقسيم البلاد.
وتتبنى قوات الدعم السريع موقفاً رافضاً للعملة الجديدة، وتعتبرها “مؤامرة خبيثة” تهدف إلى تقسيم البلاد، متهمة “الحركة الإسلامية” بتنفيذ هذا المخطط.
ويؤكد المحلل محمد لطيف أن تبديل العملة “يكرس مبكراً لانقسام البلاد”، ويحذر من أنه سيخرج مناطق سيطرة الدعم السريع من المنظومة الاقتصادية للبلاد، خاصة مع تمركز الكتلة النقدية الكبرى في مناطق الإنتاج. كما يشير إلى صعوبة التنقل بين الولايات، ما قد يعرض حاملي النقود للمخاطر والاتهامات بالتواطؤ مع الدعم السريع.
من جانبه، يحذر المحلل الاقتصادي أحمد خليل من أن هذا الإجراء قد يدفع الدعم السريع نحو طباعة عملة خاصة بها أو التعامل بعملات قديمة أو عملات دول الجوار، ما سيعمق الانقسام وربما يدفع نحو تشكيل حكومة موازية.
ويتفق الخبير الاقتصادي عبد اللطيف عثمان مع الرأي القائل بأن تغيير العملة ليس من الأولويات في ظل الحرب، ويعتبره “صباً للزيت على نار الحرب”، وتمهيداً للانفصال أو التقسيم الاقتصادي. كما يشير إلى التكلفة الباهظة لطباعة العملة الجديدة، والتي تقدر بنحو 138 مليون دولار، مقابل مردود ضعيف جداً.
ويختتم التقرير بالتأكيد على أن المواطنين هم الضحايا الرئيسيون لهذا الإجراء، حيث يواجهون فقدان مدخراتهم نتيجة لانهيار النظام المصرفي وسعر الصرف، بالإضافة إلى المخاطر المترتبة على تبديل العملة. ويشدد على ضرورة عدم تحويل العملة إلى سلاح في الصراع الدائر.
اترك تعليقاً