خلصنا في الجزء الاول من المقال الى أن الاسلام بفهم التيار السلفي والوهابي لا يصلح ولا يمكن ان يكون هو الحل والرافعة التي سندلف منها للقرن الواحد والعشرين بل هو من أهم معوقاتنا ومصائبنا. ولمن طالب من تيار تقديس البشر بالدليل على تكفير ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب للمسلمين بجميع طوائفهم سنورد لكم الادلة في مقال آخر بعنوان تكفير من يدعي بعدم التكفير.
والان ننتقل الى التيار العريض الثاني من التيارات الاسلامية، وهو التيار التجديدي. ومما لاشك فيه أنه لا أحد – غالباً – ينكر جرأة هذا التيار من الطهطاوي الى الكواكبي الى محمد عبده ورشيد رضا وليس انتهاء بحركة الاخوان المسلمين، وما قدمت من فكر ماسلامي متجدد حتى قال الشيخ راشد الغنوشي (وأكدد على أنه تجاوز) أن الاخوان المسلمين يمثلون الاسلام المعاصر. ولكن…..
هناك فرق كبير بين أن تقدم وتؤصل لما تقول أنها مباديء عن اقتناع ذاتي وبين أن تقوم بذلك كرد فعل او كاستراتيجية او تكتيك مرحلي.
يجب الا ننسا بأن كل تلك المحاولات جاءت كرد فعل على تقدم الغرب أو في ظل أنظمة قمعية لا تسمح لهذه التيارات بالتنفس أو تسمح به على نحو صوري كما هو الحال في المملكة الاردنية.
ولذلك تجد أن هناك فرق كبير ما بين ما يكتب وما يفعل، كما أن بين السطور يحوي تناقضات غريبة.
من أشهر الكتب التي أشرف عليها هذا التيار ونظر له وراجعه كتاب مراجعات الجماعة الاسلامية المقاتلة، ومن ضمن من ساهموا في كتابته عبد الحكيم بلحاج وروج له مفتي ليبيا وعلي الصلابي وسلمان العودة وغيرهم. وفي هذا الكتاب وخلاصته تأكيد على أنه:”…. نرى حرمة الخروج واستخدام السلاح من أجل التغيير والاصلاح أو دفع الظلم والفساد لورود النهي الصريح بذلك، ولما يترتب عليه من سفك دماء المسلمين وغيرها من الفساد…..،.
وتم التأكيد في الكتاب أن هذه هي مباديء الاسلام وأكد على ذلك الشيوح الانف ذكرهم وغيرهم!!!!
وهذا الحكم جاء جامعاً مانعاً، وأكد الكتاب على أن كل قتال بين المسلمين فتنة واثم كبير ويجب اعتزالها كما أفتى بذلك امام الحرم المكي وقت تعسكر الثورة الليبية الشيخ السديسي…
يبدوا ان الشيوخ ومن كتب الكتاب لا يفرقون بين مبادئ الاسلام وبين تكتيكات السياسة. والا فبماذا نصف فتاويهم وأقوالهم المناقضة لكل هذا 180% بعد ذلك في الثورة الليبية. الا يشوه ذلك الاسلام، وهو كتخوين الشيخ الصلابي كل ليبي يدعو للتدخل العسكري!! لماذا؟ لان مسألة الذقافي مسألة ساعات ويسقط.(وهو من اصول الاسلام). ثم عندما لم يسقط القذافي بعد ساعات سحب كرت التخوين وجاءت التاصيلات الشرعية واقوال العلماء بانه يجوز اذا لم يسقط القذافي خلال ساعات أن وأن…. وأما تخوين الناس من رائد التجديد الاسلامي الليبي فمؤجل النظر فيه.
من أكثر رواد هذا التيار تجديداً وانفتاحاً الشيخ راشد الغنوشي، ويكتب كتاباً بعنوان الحريات العامة في الاسلام، – قبل الثورة التونسية بسنوات – يبين فيه رؤيته التجديدية لللاسلام. الا أن هذا الكتاب وغيره احتوى على تناقضات والفاظ، تعزز المخاوف، بان مما كتب لم يخط عن قناعة بل كتكتيك ومن ذلك:
1– يقول الغنوشي في بداية الكتاب ان دار الاسلام هي التي يامن فيها على نفسه ودار الكفر العكس ( وهو راي ابو حنيفة). مع العلم ان هذا التقسيم فيه خلاف بل انها كانت دار السلام ودار الحرب. ولكن السيد راشد ياتي في الكتاب لاحقاً ليصف الدول التي يعيش فيه المسلمون وهاجر اليها هو وغيره بدينهم، يصفها بانها دول كافرة!!!!!
2- لفت نظرنا مصطلح (قطعان المهاجرين) في وصفه للمهاجرين الاوروبين صوب الامريكتين!!! أهذا وصف مجدد منفتح؟!! فما هو وصف وألفاظ الرجعي المتطرف.
3 – يؤكد الشيخ راشد نظرياً أن ما يحكم السلطة وتتقيد به هو النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة. ولكن نسى الشيخان مدار الاختلاف ليس على ثبوت هذه النصوص بل على فهمها. فمثلاً لا ينكر أحد بأن الاسلام جرم وحرم السرقة، ولكن نختلف على أن العقوبة (حد القطع) مقدسة، بل الاهمية ومبتغى النص وجوهره هو مكافحة الجريمة وما العقوبة الا انعكاس لعقوبات ذلك الزمان.
4 _ احتوى الكتاب على تكفير واشخ للعلمانيين، فيقول:… لا يأتي ذلك (التصور العلماني) الا من جاهل او مدخول النية، ان ذلك من ضلات الملحدين وتلبيس ابليس والردة المعاصرة!!! وينقل بعدها اعجابه بعنوان مقال عن العلمانيين بعنوان ( ردة ولا أبا بكر لها). ويؤكد ان ذلك كان اول تمرد علماني!!!!! أهذا هو التيار المعاصر في الاسلام؟!!!
5 – يكرر الشيخ راشد عبارة أعداؤ الامة وهو في طور حديثه عن الدولة القطرية. ولكن لم يبين من هم أعداء الامة؟ ومن يحدد الاعداء من الاصدقاء ؟ هل هم المشايخ أم الحكومات؟ أن هذا الفهم المشوش والصورة الضبابية للاسلام تبدوا أكثر وضوحاً في دعاؤ الشيخ العز بن عبد السلام:”.. اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك 00000. وهو ما استشهد الشسخ الغنوشي في الكتب!!!مع أن مباديء الاسلام وتعاليم رسوله صلى الله عليه وسلم تقول:”……يهدى فيه أهل معصيتك….
6 – لدى الشيخ الغنوشي وغيره خلط واضح بين الدولة والسلطة (الهيأة الحاكمة) فالسلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ليست هي الدولة ـ فالديوة تشمل الى جانب السلطات الشعب والاقليم.
الا أن الشيخ راشد الغنوشي يكثر الكلام والحجج بأن الاسلام لا يؤسس لدولة ثيوقراطية يحكما المشايخ. ثم يأتي ليكرس ذلك عملياً عندما يقول بأن الرئيس والبرلمان ليس لهم من اختصاص الا إنفاذ الشريعة وأحكامها، وعلى هيأة مكونه من المشايخ والقانويين مراقبتهم ورفض والغاء كل ما يعتبره المشايخ مخالفاً للشريعة الاسلامية!!!! او ليست هذه دولة المشايخ. والاخطر من ذلك أن الشيخ وغيره يشرعنون التمرد في دولة القانون فيقول: القاضي يملك اهمال كل قانون ادنى (اي من البرلمان) يتناقض مع قانون اعلي (الشريعة الاسلامية) والشرطي والجندي وكذا المواطن ودافع الضرائب. ويقول أيضاً: “يمتنع عليه التنفيذ ويتمرد ويقاوم هذا القانون”. كما يقول عبد القادر عودة :” يجب ان يكون القانون منسجماً مع روح الشريعة، والا كان باطلاًَ ليس لاحد أن ينفذه “….
فلم يقولا يتعين الطعن عليه امام الدائر الدستورية بالمحكمة العليا لالغائه، فإن الغته كان بها، والا يتعين اطاعة القانون… فهل هذا طرح تجديدي لدولة القانون، دولة مدنية؟!!!!
7 – يقول الشيخ راشد:”الطاعة في حدود الشريعة!!! وليس الدستور أو القانون. بل الشريعة. أهذه دولة قانون؟ أهذه دولة مدنية؟ أم دعوة للتمرد وتشجيع لثقافة خطيرة و فوضى يقودها مشايخ لا يتفقهون هم بين أنفسهم فما بالك بان يتفقوا مع من يخالفهم؟
هذا ما يرجح بأن يقدمونه على انه مباديء وثوابت ما هي الا تكتيكات. والادل على ذلك كلام الشيخ علي الصلابي من التسامح مع حتى غير المسلمين بل وحتى الطغاة. ثم يأتي بعد تحرير طرابلس ليبين عن المبدأ الاصلي بان المكتب التنفيذي علمانيين يسعون لهدم الاسلام وتغيير دين الليبيين ولن يسمح لهم الليبيين بذلك!!!!!!!!
وكذا حركة الاخوان المسلمين في مصر: فهم لم يشاركوا في مظاهرات 25 يناير، ثم لما اتضح ان المحاولة نجحت تراجوا عن مبادئهم الصمرح بها عن التغيير من خلال البرلمان الى المشاركة في تظاهرات جمعة الغضب 25 يناير.
اننا متخوفون من التيارات الاسلامية من تشويهها للاسلام من خلال الايحاء بان المباديء تتغير في الاسلام بحسب الظروف. وبأنهم يقولون وينظرون لا عن اقتناع بل كتكتيك ورد فعل. وليس أدل على ذلك ما يقال في مجالسهم الخاصة على (أعدائهم) وليس خصومهم، لدرجة يقول معها الشيخ الغنوشي يجوز حتى التعاون مع العلمانييين….. وحتى هنا تعني ان ذلك شيء عظيم وخطير في الاقوات العادية !!! أليس العلمانيون أو غيرهم شركاء في الوطن؟!!
إن التيار التجديدي لم يصب جوهر الاسلام كرسالة بشرية ولم يتشربها . وسنطلق من منطلقات غير تجديدة وتكتيكات وردات فعل، ولذلك فان ما ينتج على ذلك مفاهيم واقوال وافعال مشوشة ومضطربة وأحياناً متناقضة..
نعم ان قول الشيخ يوسف القرضاوي بان الحريبة مقدمة على تطبيق الشريعة الاسلامية ينبيء عن خلل فادح في فهم الاسلام، لان المقصد والمبتغى الاول للاسلام هو حرية الناس. وهو لم يقل ذلك الا عندما ان مقاصد الشريعة الاسلامية لا تسعفه، لانها هي كذلك مضطربة تؤكد فهم مختل للاسلام، بعدم ذكرها الحرية والعدل ووضعها حفظ الاسلام من ضمن مقاصد الاسلام، ووضع الكل مع الجزء في سياق واحد.
ان هذا الفهم التجديدي للاسلام لا يصلح كسابقه لان يكون الحل لمشاكلنا والعجلة التي ستقود تقدمنا وتعاونا مع بقية الدول والامم والحضارات. بل أنه من المتخوف أن ينقلب ويبين معدنه ومبادئه الحقيقية وفهمه المشوه للاسلام عند أول انتصار مبين (كما يرى). فينقلب كما استعمل هتلر الديمقراطية للوصول الى الحكم ومن ثم أبان وجهه الحقيقي.
وهنا يبزغ سؤال مهم، هل الليبرالية هي الحل من كل هذا التشويه الاسلامي للاسلام؟ هل الامل في الليبرالية لانقاذنا واصلاح احوالنا؟ لا شك أن البعض يشعر بالغضب والاخر بالحيرة من هذا السؤال، وهو ما سنناقشه في المقال القادم إن شاء الله.
للتواصل مع الكاتب :
Alnaas1980@yahoo.com
saadalnaas@yahoo.com
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً