ما صرح به الدكتور المقريف رئيس المؤتمر الوطني في لقائه مع قناة الجزيرة حول اعتماد النظام البرلماني كلام خطير سياسياً. فهو يبين أن المؤتمر الوطني لا يعير أدنى اهتمام للجنة صياغة الدستور والشعب الليبي ودورهما الجوهري في صياغة الدستور . لا بل لا يعتبرهما موجودين أساساً.
في مصر قامت الثورة وانتهت وبدأت المرحلة الانتقالية من قبل أن تبدأ الثورة في ليبيا ولم يتم الاتفاق على لجنة صياغة الدستور ألا حديثاً وهي إلى الآن لم تنته من صياغة الدستور المعد للاستفتاء ، ونحن انتهينا من شكل النظام السياسي حتى قبل أن نختار اللجنة المعدة لصياغة الدستور الذي سيستفتأ عليه الشعب بالقبول أو الرفض !! أليست هذه مفارقة مضحكة مبكية؟!!
حتى ولو كان المؤتمر الوطني هو من يحدد معايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الفنية عوض انتخابهم من الشعب مباشرةً ، وحتى لو كان المؤتمر الوطني هو من ينتخب أعضاء هذه اللجنة بأغلبية الثلثين من بين المترشحين لها من خارج عضويته فإن هذه اللجنة يجب أن تتمتع باستقلال كاملة في أداء مهامها المنوطة بها مقابل أي جهة.
ما صرح به رئيس المؤتمر الوطني وما أعلنه بخصوص شكل النظام السياسي وبأنه برلماني يمثل تجاوزاً خطيراً ، لا بل أهانه للجنة صياغة الدستور وللشعب الليبي ، فهذا تجسيد لثقافة سابقة حديثة وهي ضرب الدساتير والقوانين والأعراف الدستورية والقانونية بعرض الحائط وجعل الأمر يبدوا كما لو أن نخبة ضيقة تقرر أمراً من أهم أمور الشعب الليبي على مدى أجيال وعقود وربما مئات السنين ، استناداً إلى ما ينظر به العديد من المثقفين من نظرة تعالي تجاه الشعب الليبي ورميه بأنه شعب جاهل ولا يرقى لمستواهم ولمستوى مواضيع كالدستور ، فكيف نستشير ونلتمس رأيه في هذا ؟ وكأنهم يريدون أن نستورد لهم شعباً اسكندنافياً مر بجميع مراحل التطور الديمقراطي مع نخبته لكي نرضي طموحهم واعتدادهم بأنفسهم.
لجنة صياغة الدستور يجب أن تضم أوسع تشكيلة من مكونات الشعب الليبي السياسية والأكاديمية والمهنية والمدنية والعرقية والعمرية والجنسية ، ويجب أن تطرح مواضيع الدستور الأساسية من شكل الحكم ونظامه لنقاش عام على مستور فئات الشعب ، وبعد أن نصل لإجماع مقبوول على هذه العناوين الرئيسية والخطوط العريضة يُطرح الدستور للاستفتاء على الشعب.
أما أن يخرج رئيس المؤتمر الوطني أو حتى جميع أعضاءه ويعلمون الشعب الليبي بجميع طوائفه الغرق في ظلام انقطاع التيار الكهربائي بأنهم قرروا نيابة عنه وعن حساسياته وتميزاته الفكرية والمهنية والأكاديمية والسياسية والعمرية والعرقية والجنسية أن شكل الحكم أو نظامه كذا أو كذا فهذه خطوة خطيرة وتنبئ عن ثقافة وتوجه أشد خطورة.
المؤتمر الوطني أو البرلمانات لا تصوغ الدساتير ، فالبرلمانات مكان اجتماع الفائزين في الانتخابات والأغلبية ، في حين أن الدساتير تصاغ من الفائزين والخاسرين وغيرهما في هذه الانتخابات أو أي انتخابات ، تصاغ من الأغلبية والأقلية أياُ كان شكلها سياسية أم عرقية أم دينية أو مذهبية أم قبلية.
لقد فشل رئيس المؤتمر الوطني في الاختبار الأول وناقض كل ما وعد به من التزام الشرعية والقانون والحياد وووو ، ولا نكتمكم القول أنه أصبح لدينا غمامة من الشكوك من أن شريحة واسعة من الطبقة السياسية لا تؤمن من النظام الديمقراطية ألا بالعملية الانتخابية فقط ، ورغم ذلك نخشى أن منهم حتى من لا يؤمن بالعملية الانتخابية ألا بقدر تحقيقها لمصالحه وغاياته الحزبية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً