ورد على صفحة قناة ليبيا روحها الوطن، شُكر الدكتور عارف النايض، صاحب القناة ورئيس مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، للسيد الدكتور غسان سلامة على “شجاعته” في اتخاذ قرار الاستقالة، وكذلك على كافة مجهودات الأخير من أجل إرساء الدعم في ليبيا، والتي لم تكون استقالته في تقديري إلا تعبيرا عن فشله في هذا الملف، بسبب التعنت من بعض المعرقلين من الداخل، وعدم التزام الأطراف الخارجية بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها في برلين، وتقاعس المجتمع الدولي على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2510 الأخير.
واسترسل السيد النايض في ما ورد على لسانه بموقع قناته أن دعى السيد (فايز السراج) الذي يحكم باسم (الدولة المدنية) منذ أكثر من أربع سنوات دون انتخاب ولا ثقة برلمانية أن يتقدم باستقالته.
وأضاف أن التطبيق الحقيقي والسليم لمقررات (برلين) هو الملتقيات المجتمعية السياسية الليبية الخالصة، وآخرها (ملتقى بني وليد) و (ملتقى ترهونة)، والتي يجب أن تستمر حتى تصل إلى (ميثاق وطني) يصالح بين كل الليبيين ويجمعهم على (عقد اجتماعي) جديد يتجاوز كل التركات والانسدادات الحالية.
واعتبر السيد النايض حسب ما ورد أن التطبيق الحقيقي والسليم لمقررات (برلين) هو إعادة هيكلة الصراع الحالي وتحويله إلى صراع يوحّد كل الليبيين المدافعين عن (الدولة الوطنية المدنية) ضد عدو واحد وواحد فقط هو (الإرهاب) وكل من يدعمه، و أن تقوم رئاسة (مجلس النواب) المنتخب والشرعي الوحيد بإعلان (حالة الطوارئ) القائمة فعلا بسبب الاجتياح الإرهابي التركي، وانهيار مسار (جنيف)، وتشكيل (حكومة طوارئ) حدد مهامها في نقاط حسب تقديره:
- حصر الصراع في الحرب على الإرهاب وداعميه.
- دحر الاجتياح الإرهابي التركي.
- فتح التفاوض والتعاون والتنسيق مع كل من يخلص في محاربة الإرهاب وداعميه.
- الوصول إلى بنية عسكرية وأمنية ليبية احترافية موحدة.
- تحرير الموارد الوطنية من الاستحواذ والفساد، وتسخيرها لتقديم الخدمات لكل الليبيين دون تفرقة.
- تكثيف الملتقيات المجتمعية السياسية الليبية الخالصة للوصول إلى (مصالحة وطنية) شاملة، و(ميثاق وطني) عاجل تُنظّم على أساسه انتخابات (بلدية) و(برلمانية) و(رئاسية) عاجلة ومراقبة دوليا.
طبعا، لا يوجد تعريف محدد للإرهاب (الاتفاق السياسي حدده في فئات ثلاثة هي داعش والقاعدة وأنصار الشريعة)، وبالتالي بإمكان وضع الخصم السياسي في خانة الإرهاب حتى تكتسب مبرر قتاله.
وخصص التدخل التركي بالدحر في حين أن ليبيا مرتع لأكثر من قوة دولية وإقليمية، وهو لا شك على علم بكل القوى الدولية المتدخلة.
قول نصف الحقيقة يفسد كل الحقيقة المعلنة،، لا شك أن النايض قال نصف الحقيقة، وهذا الاختزال لقول الحقيقة لا يعني إلا التعبير عن “نوايا” تختفي في السرد، فهل بالفعل يمكن أن نعتقد بأن النايض صادق في طرحه؟.
دعني نتناول بعض النقاط،، مثلا طلبه للسراج بأن يتحلى بالشجاعة ويتنحى كما تنحى السيد غسان سلامة فهذا أمرا محمود يشترك في هذا المطلب معه العديد من الليبيين ويؤيدونه، وأنا من الداعين لهذا الأمر رغم أن الوقت العصيب غير مناسب له.
لكن، مبرر السيد النايض في غير محله، ذلك أنه ينظر إلى أن السيد السراج يحتل هذا المركز دون أن ينال ثقة البرلمان ولم يكن منتخب، وهنا يأتي السؤال: لماذا لم يقر البرلمان الاتفاق السياسي الذي ساهم في صياغته عن طريق فريقه الذي كلف بالحوار؟ ولماذا لم يعتمد أعضاء الحكومات التي تقدم بها السراج له؟.
كما أن المطالبة باستقالة السراج من هذا المنطلق تنسحب أيضا على البرلمان، فوجود البرلمان غير شرعي باعتبار أن ولايته انتهت في منتصف العام 2015، وان شرط تمديد ولايته يتطلب استفتاء شعبي لم يسعى إليه.
إذا مطالبة السراج بالاستقالة تقابلها مطالبة إنهاء دور البرلمان لأنه منذ اتفاق الصخيرات نال هذين الجسمين شرعيتهما من الاتفاق للقيام بدور محدد بمهام وزمن، ولم يتسنى احترام المهام المناطة بهما ولا المدد المحددة لهما للقيام بهذه المهام.
أيضا تخون السيد النايض الأمانة في تعليقه على ما يراه “التطبيق الحقيقي والسليم” لمقررات برلين، حيث يقول إن التطبيق الحقيقي له هو الملتقيات المجتمعية السياسية الليبية الخالصة، وآخرها ملتقى بني وليد و ملتقى ترهونة، والتي يعتقد أن استمرارها سوف يحقق الوصول إلى “ميثاق وطني” يصالح بين كل الليبيين ويجمعهم على “عقد اجتماعي جديد” يتجاوز كل التركات والانسدادات الحالية، إلا أنه يتناسى عمد أن ملتقى بن وليد لا يصب في نفس مجرى بيان ملتقى ترهونة، ففي بن وليد أدان الملتقى كل أنواع التدخل الخارجي في حين ركز بيان ترهونه على التدخل التركي والقطري، ودعا ملتقى بن وليد لتوحيد المؤسسة العسكرية في حين لا يعترف ملتقى ترهونه إلا بالجيش الذي شرعنه البرلمان تحت قيادة حفتر، وفي حين يكتفي ملتقى بني وليد بالدعوة إلى حكومة وحدة وطنية لا يتم احتكار طرف بعينه اختيارها، يذهب لقاء ترهونة إلى المطالبة بسحب الاعتراف الأممي بحكومة الوفاق ومجلس الدولة، وبالتالي ينفي الاعتراف بالخصوم ويضعهم جميعا في خانة الإرهاب التي يتوجب قتالها.
وقد جاء بيان الملتقى التحضيري للمدن والقبائل الليبية الوسطى والساحل والجبل بمدينة الزنتان (هذه المناطق مجتمعة تشكل لا شك الأغلبية العددية)، وما تبعه من مؤتمر هذه المدن بالزاوية إلا ردا على مؤتمر ترهونة ورفضا له.
فهل يحترم السيد النايض بيان بن وليد والزاوية، أم فقط ينحاز إلى بيان ترهونه المنحازة للحرب؟
كما أن السيد النايض في حديثه عن البرلمان، يطالب رئاسة مجلسه، المنتخب والشرعي الوحيد حسب قوله، بإعلان حالة الطوارئ بسبب الاجتياح الإرهابي التركي، وانهيار مسار جنيف، وتشكيل حكومة طوارئ، ويتناسى عمدا بل ويصادر خمس أسداس البرلمان لحساب رأيه الذي يتبناه فقط سدس عدد البرلمانيين (عدد أعضاء البرلمان يزيد عن 180عضو، منهم أكثر من 60 عضو يجتمعون بطرابلس ولهم مسار مضاد تماما لمسار طبرق، وعدد المجتمعين في طبرق وبنغازي لا يتجاوز 30 عضو)، أي فقط الأعضاء الثلاثين الذين يجتمعون في طبرق وبنغازي.
ولو كان صادقا في دعوته لدعا رئاسة البرلمان أن تدعو إلى جلسة مكتملة، يتمكن فيها كل أعضاء البرلمان من الاجتماع وتدارس المشكل الليبي، للخروج بحلول تعبر فعلا عن إرادة الليبيين وليس عن إرادة الفئة التي يتبنى توجهاته.
هكذا يحاول البعض تغليب نصف الحقيقة لتغييب النصف الثاني، هذا الفعل لا ينم إلا عن إرادة مسبقة في تثبيت وجهة نظر أحادية إقصائية تلغي الآخر ولا تعترف به، وبالتالي لا تساهم من قريب أو بعيد في الوعي الكامل بالمشكل الليبي، واختصاره في افتعال حرب على خصم سياسي بدواعي الإرهاب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً