قد تكون جائحة كرونا مبرراً لمليون ونصف موظف من العامة للغياب عن أعمالهم وهم من اشتهر بتركها في زمن السلامة بسبب سوء إدارة الدولة لهم، وقد يجدها البعض مبرراً للتشبث بسعر الوقود البخس والكهرباء بلا مقابل وإلقاء القمامة على قارعة الطريق، مع الإظلام التام ليلاً، واختفاء السيولة من المصارف نهاراً ليقف أمامها مئات الآلاف من أجل نشر عدوى الوباء أكثر فأكثر رغم صرف ميزانيات ضخمة لهكذا مجالات.
تلك سمات الحكومة الفاشلة التي تستند إلى قواعد فاشلة بمعنى الكلمة.
على النقيض من ذلك لم تمنع كورونا ثلة من الشباب المقاتلين لأداء دورهم النضالي في ردع الكفرة الروس والجنجاويد الجياع والمأجورين المصريين، ودحرهم ووصمهم بهزيمة نكراء في كل مدن الغرب الليبي، ولا شك أن الدعم التركي كان مسانداً ولكن ليس جوهريا.
في هذا الوقت العصيب تتسابق زُمر الرئاسي مع الزمن لإفراغ الخزينة العامة من خلال شبكات المصالح المستوطنة في أجهزة الدولة، بالمقابل مجلس النواب منذ أكثر من خمسة سنوات يتبادل أعضاءه الأدوار على الظهور الإعلامي من أجل تثبيت وجودهم الجسدي على الساحة من خلال تصريحات باهتة، وينأ عن نفسه أن يكون مجلسا لنواب الأمة، فلا يهمه وضع الدولة بقدر الحفاظ على المكاسب الأنية، لسان حالهم يقول: اتركونا وشأننا فإننا بما لدينا فارحون، ورغم انعقاد مجلسهم بطرابلس وبعدد كبير إلا أن معظمهم متماهي مع حالة التشظي مادام الفاقة لم تصل إلى أعتاب بيوتهم. البعض يدعي أن المخطط أكبر من مناصبهم، وكيف أن كبيرهم هو من جلب الكفرة والنصارى والملاحدة والزنادقة، وإن كان لابد فالاستقالة قيمة حضارية.
كان يفترض أن يكونوا نواب الأمة يفرحون بفرحها ويحزنون لعثراتها ويسهرون من أجل عزتها وكرامتها، يقفون أمام الحكومة لمسألة عجزها، وتهاونها، وسؤ إدارتها، لتصحيح مسارها، وتقويم اعواججها، ومناهضة الفاسدين منها، ولكنهم نكثوا على أعقابهم واتخذوا مهاجر لهم في شرم الشيخ وأغادير والحمامات على حساب الشعب المغلوب على أمره، تركوا ذلك العثل عقيلة ليقول “أنا مجلس النواب ومجلس النواب أنا” والأختام في جرابه ليدعوا بها الروس وحثالة الأرض لتدنيس هذه البقعة الطاهرة التي ضحى من أجلها الشرفاء، أصبح بيته قبة البرلمان يأويها الوزراء والمبعوثين من الشرق والغرب ويصرحوا: هكذا العرب كل قبيلة إمارة بشيخ وجيش، ولا يصلح معهم دساتير وبرلمانات ومؤسسات دولة، فهم شعب ما قبل الدولة.
غياب مجلس النواب جعل الرئاسي مرتعاً لمستشاري “الغفلة” غُرسوا من أجل التنكيل بالشعب المظلوم، بوادر استشاراتهم تأييد حفتر في حربه على ثوار بنغازي ودرنة، وتشريعهم لطبع العملات الليبية في روسيا وترحيبهم بقهر الجنوب، وأخيراً السماح للكرامة بالوصول إلى مشارف طرابلس وتهجير نصف مليون ساكن وقتل الآلاف بيد الروس الكفرة والمصريين والإماراتيين، ناهيك عن تمكين الفاسدين في مفاصل الدولة، مما كلف ميزانية الدولة مليارات في قطاع الكهرباء والصحة والتوريدات المشبوهة.
بالأمس غياب مجلس النواب جعل الرئاسي متقاعسا عن دك حصون فلول الكرامة في سرت والهلال النفطي من أجل إعادة ترتيب صفوفه وتجهيز قواته والحديث عن خطوط حمراء تبعد ألف كيلومتر عن أي حدود دولية.
السؤال: هل في مجلس النواب رجل حكيم؟ أن يجتمع الشرفاء منهم لتطهير أنفسهم أولا بإسقاط الفاسدين منهم، ثم المضي للتحاور مع مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة لتعيين حكومة وطنية جديدة بعيدة عن أخطبوط الرئاسي المرهون للخارج وبارونات الفساد.
وعندها سنرى شباب طبرق يرفعون أصواتهم أمام حفتر، ورجالات درنة يقفون من تحت الرماد لدك معاقل الرجمة، وشرفاء الجنوب يطردون فلول الكرامة من الحقول النفطية، وأسود الغرب الليبي يستعيدون الهلال النفطي لأجل اليتامى والأرامل، أما فلول الفساد فيهرعون إلى مهجر سرقاتهم “والعار أطول من العمر”.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً