السيد عبدالباري عطوان مازال يقف أمام قطار الثورة الليبية , ويحاربها بكل ما أوتي من قوة , ويقف موقف المحارب لها كل مرة يكتب عنها. وفي مقاله الأخير الذي نشره بعنوان ” تسليم المحمودي نكسة للثورة التونسية ” ولا أعلم ما هو تعريف كلمة نكسه لديه , ولو اعتبره خطأ لكان لنا موقف آخر , أما اعتبار أنها نكسه , بكل معانيها السيئة فهو افتئات على الثورة التونسية ,وعلى حقوق الإنسان التي يدعي أنه يدافع عنهم.
يقول السيد عطوان:- “” أن قرار الحكومة التونسية تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد نظام العقيد معمر القذافي نقطة سوداء في تاريخ هذه الحكومة، ايا كانت المبررات التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار الذي يتناقض مع معاهدات حقوق الإنسان.””
نتوقف هنا عند عبارة ” ايا كانت المبررات ” فهو هنا يسد كل الطرق للتفاهم والنقاش , فمهما كان البغدادي مجرما , ومهندسا لعمليات الاغتصاب الممنهج الذي قام أثناء الثورة الليبية , وهذا مسجل بالصوت, ومهما أعطت الحكومة الليبية من تعهدات وضمانات للمسئولين التونسيين ورأت الأخيرة أنها كافية , فهذه كلها تعتبر في رأي عطوان مبررات لا تقنعه.
أما فيما تلاها من فقرات في مقال السيد عطوان فهو يضرب أمثلة على عدم تسليم المطلوبين للحكومات , ومنهم السيد راشد الغنوشي . وعبدالكريم بالحاج . حيث كانا مطلوبان لنظامي بن علي و القذافي .
وهنا أستغرب من أمثلة لا تمت للواقع بصلة !!! . فهما كانا أولا مطلوبان لأنظمة قمعية ظالمة ثارت عليها شعوبها , وثانيا , هؤلاء كانا مطلوبان سياسيان وليسوا مطلوبين بجرائم ضد الإنسانية , تشمل القتل الجماعي والاغتصاب الممنهج , فبالله عليك يا أستاذ عطوان , كيف تقارن السيد راشد الغنوشي بالمجرم الهارب البغدادي المحمودي ؟ كيف تقارن من اتهم زورا وبهتنا وبين شخص وثائق إدانته يعلمها القاصي والداني؟
ولم يتوقف السيد عطوان باعتبار تسليم المحمودي نكسة للثورة التونسية , بل اعتبر تسليمه ” الكارثة التي تسيء لتونس وثورتها” بل وطالب السيد المرزوقي الرئيس التونسي بالاستقالة من منصبه لأنه لم يوقف عملية التسليم . عن أي كارثة تتكلم يا أستاذ ؟ هل لديك علم عن الضمانات التي تلقتها حكومة تونس ؟ ولماذا تطالب رئيس دولة بالاستقالة لأن حكومته سلمت مجرما إلى بلده الأم,
بالطبع يعزف السيد عطوان على نغمة وجود الكتائب المسلحة وانعدام الآمن , وهنا يقع في خطأ كبير , خطأ أظن انه متعمد , و ينم على عدم فهم للحالة الليبية , فما يحدث بين بعض المناطق من قتال , نستنكره جميعا , ولكنه مرتبط بمناطق معينة , ولها خلفيات عرقية أو قبلية ونتاج عن سياسات القذافي ومبدأ فرق تسد التي كان يتبعها , ولكنها كمجموع لا تشمل ليبيا كلها , فالخطأ المنهجي الذي وقع به عطوان انه استخدم ما يحدث في بعض المناطق وعممه على ليبيا كلها .
فليبيا الآن أرى فيها إلى جانب المظاهر السيئة التي نراها , مظاهر أخرى ممتازة , بل وأرى انتشار للفكر الديمقراطي وممارساته , وتوفر حرية التعبير عن الرأي , وتواصل الانتخابات في المناطق , فهذه هي ليبيا ككل , فإن كان هناك مخالفات تقع بين الفينة والأخرى. ولكن المجموع العام نجد انه مبشر بالخير,
ولا أعلم ما الذي يقصده السيد عبدالباري عندما اتهم الحكومة التونسية بقبول الرشوة , بقوله:-
“ربما تكون الحكومة التونسية اقدمت على هذه الخطوة لارضاء حكومة المجلس الانتقالي الليبي والحصول على امتيازات اقتصادية وفتح اسواق العمل امام العاطلين الذين يقارب تعدادهم المليون شخص والحصول على بعض القروض والمساعدات المالية، “.
هل اعتبر نفسه قاضيا , ويعلم ما هي الضمانات القضائية ” القضائية ” التي قدمتها الحكومة الليبية لنظيرتها التونسية . ولماذا يحمل تونس أعباء الاحتفاظ بمجرم مكروه من الشعب الليبي , وخصوصا أننا نتكلم عن بلدين متجاورين وبينهم علاقات اجتماعية وثقافية وإنسانية لا يتحمل المجتمعان تحمل وجود شرخ فيها , فهو لم يقم لهذه المعايير الجغرافية والاجتماعية بل وأقول الأمنية أي وزن , وجعلها عملية رشوة.
وهنا يضرب السيد عطوان مثالا يؤيد بها رأيه بما حدث في قضية المعارضان السعوديان المسعري وفقية , وهنا أقول , هل تونس هي بريطانيا ؟ هل فقيه والمسعري مجرمان كالبغدادي؟ وهل علاقات تونس بليبيا مثل علاقات بريطانيا بالسعودية ؟ وهل تنطبق على هذه القضية نفس المعايير؟
بالطبع تغافل السيد عبدالباري عطوان عن المعاملة الممتازة التي يحظى بها سيف الإسلام القذافي في محبسه , وتغاضى عن المحاكمات التي تقوم الآن لبعض المتهمين من رموز النظام السابق , ولم يذكرها , لأنها بالطبع لا تناسب مقصده ولا تنفع هدفه.
ويختم عبدالباري عطوان مقاله , بالقول ” الأساس الأبرز والاهم للديمقراطية هو حقوق الإنسان والقضاء العادل المستقل نقولها للتذكير فقط.”
ونقول للسيد عبدالباري , نعم , ولكنها كلمة حق قصد بها باطل , فحقوق الإنسان كل لا يجزآ . أراك تدافع عن المجرم , ولم أسمع منك أي دفاع عن الضحية , ولم أرك تسأل الحكومة التونسية عن نوعية الضمانات التي قدمتها الحكومة الليبية , ولا يكون المحلل عادلا إن لم يكن لديه الحد الأدنى من المعلومات والحقائق , كما يجب أن تكون معاييره صحيحة , فلا يقارن جرائم ضد الإنسانية بخلاف فكري وسياسي , ولا يقارن العلاقات الليبية والتونسية بالعلاقات البريطانية العربية سواء السعودية أو التونسية.
لا أحب أن اتهم النوايا , ولكن يحق لي أن أناقش الأهداف, فالبغدادي المحمودي تم تسليمه ,ولا يمكن أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء , ولكن ألا يكون مثل هذا الهجوم دافعا وعملية ضغط على الدول الأخرى مثل مصر وموريتانيا خصوصا لعدم تسليم المطلوبين لليبيا من رموز النظام السابق.
لم أكتب عن تسليم المحمودي للسلطات الليبية , لأن هنالك نقاط كثيرة تغيب المشهد , فلا يمكن الحكم على عملية التسليم , ولكني أرى أن تسليمه كان ضرورة للحفاظ على السلم الاجتماعي والعلاقات بين البلدين , وبالطبع أثق أن الحكومة التونسية قد أخذت كل الضمانات المعقولة في مثل هذه الحالات,
كما أرجوا أن توفر الحكومة الليبية أقصى درجات العدل في قضية البغدادي او غيره من المتهمين , ونتمنى أن تكون المحاكمة علنية , ومتاحة على الهواء.
هنا ارجوا من السيد عطوان أن يخفف حدة هجومه على الثورة الليبية , فهي لؤلؤة في عقد التحرر العربي , وهو الطريق السليم لتحرير الوطن الذي أظن انك تدافع عنه , فلنساعد هذه الحركات الحرة على اجتياز المصاعب التي تواجهها . لا أن نحاول تدميرها بالنقد الجارح , نحاول تقويم الخطأ وأن ننشر الثقة والوعي . فهذا هو الطريق السليم
وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً