التحركات الدولية الأخيرة نحو حلحلة المشكلة الليبية ظاهرة للعيان، منها قرب إنتهاء الحرب على داعش في سرت، وتهديد ستة دول أوروبية للمتخاصمين لتجنيب تخريب المواني النفطية في الزويتينة، وسحب فرنسا للعسكرين التابعين لها من بنينة والمرج، وأخيرا زيارة مبعوث أمريكا إلى ليبيا للأردن وتحميلها لرسالة تنقلها لخليفة حفتر الذي وصل الأردن ثاني أيام وصول المبعوث الأمريكي.
هذه التحركات تقوم بعملها نحو تقريب وجهات النظر عن طريق التلويح بإيقاف الدعم ونزع الصلاحيات حيناً أو التدخل العسكري وتقوية الخصم أحيانا كثيرة، ، وهي جيدة لمن لا يرتدع، ولكن تبقى المشكلة السياسية قائمة والتي نرى أن جذورها قد بنيت على نمط الديموقراطية التوافقية التي لم تستطيع إيجاد توافق بين الليبيين خلال الخمسة سنوات الماضية.
إذا عدنا إلى النشأة الأولى لمبادئ الديموقراطية عن كل من جون لوك ومونتسكيو لن نجد مصطلح الديموقراطية التوافقية متداولاً، ونجد هؤلاء المبشرون الأوائل والدول القائمة على ارائهم من الديموقراطيات العريقة في كل من بريطانيا وفرنسا وأمريكا تدعوا إلى رضى الأقلية بما ألت إليها الأمور السياسية من فوز الأكثرية بأكبر عدد من الأصوات، ونؤكد هنا على الشأن السياسي (من برامج إنتخابية وسياسات إدارة الدولة للمرحلة التي تلي الإنتخابات)، أما النواحي الثقافية والدينية فلها أعراف ومواثيق تابعة للأمم المتحدة والتي يجب إحترامها، مثل حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وغيرها.
بعد عقود من ممارسة الديموقراطية التقليدية وتجذر أصولها في المجتمع، مع التوسع في مفاهيم الحريات العامة للأفراد والجماعات، ظهرت مخاوف من أن الأقليات (سياسيا) ستصبح قوميات أو طوائف تطالب بالإنفصال أو الحكم الذاتي في العديد من الدول الأوروبية، عندها تم اللجؤ إلى إحدى المسارين؛ إما تبني النهج الفيدرالي كما في أمريكا وألمانيا وإسبانيا أو إعتماد ما يسمى الديموقراطية التوافقية كما في إيطاليا وسويسرا والنمسا وبلجيكا وهولندا.
هذا المصطلح الجديد نسبيا “الديموقراطية التوافقية” يستند إلى أن شدة الإنقسامات المجتمعية في البلدان ذات طوائف كثيرة ولغات متعددة وأعراق متباينة تهدد إستمرار الدولة عند عدم نضوج مفهوم المواطنة، ولذا فإن التوافق على نقاط الإختلاف يضمن خلق أرضية مشتركة نحو إستقرار سياسي للدولة. وبالفعل إستطاعت الكثير من الدول نهج هذا الطريق وتسيير أمور الدولة على أسس سليمة مثل سويسرا والنمسا وهولندا، ويرجع النجاح إلى شيوع ثقافة وقيم الديموقراطية بين افراد المجتمع والتي تؤكد على تغليب مصلحة الدولة على مصلحة الفئة، وإن إختلفت لغاتهم وأعراقهم وتوجهاتهم السياسية. على العكس من ذلك هناك الكثير من الدول حتى الأوروبية منها لم يستطيع هذا النظام جلب الإستقرار إليها مثل إيطاليا.
في الدول العربية ظهرت الديموقراطية التوافقية مع خروج الفرنسيين من لبنان، حيث أعتمد نظام المحاصصة الطائفية، وهو نظام ظاهرة ديموقراطي مؤسساتي وباطنه معطل لسير الدولة بسبب الثلث المعطل والمتواجد دائما في التجارب العربية، وبذلك نري عدم التوافق حتى على رئيس الدولة لأكثر من عام كامل من الجلسات رغم أن الرئيس في لبنان له دور ثانوي. أما في العراق فحدث ولا حرج، حيث الإنقسام والمحاصصة وما يتبعه من فساد وحروب وقلاقل لا تنتهي.
من الواضح أن نجاح مفهوم الديموقراطية التوافقية يحتاج إلى ترسيخ قيم المواطنة والتي تعتمد على القيام بالواجبات نحو الدولة والمطالبة بالحقوق، ضمن نظام العدل والمساواه، ووجود شفافية في التعامل، وهو ما لم ينضج عند المجتمعات العربية بل أن هناك من لا يعترف بالديموقراطية من أساسها. ويرجع إخفاق الديموقراطية التوافقية إلى إستغلالها من قبل الفاعلين المحليين والقوى الدولية للتقسيم العمودي للشعب، ومنه يتم صناعة طوائف وقبائل وأعراق وأقاليم مصطنعة، حتى عند الذين لا يختلفون في اللغة والدين والعرق والتاريخ، مثل إقليم برقة، والمجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمجلس الأعلى لقبائل ورشفانة، والمجلس الأعلى لقبائل الوحات، والمجلس الأعلى لقبائل بني سليم والمجلس الأعلى للأمازيغ وغيرها من المجالس، هذه الطوائف والقبائل والمجالس إن كانت مطالبها ثقافية فلا ضير من ذلك، حيث تكفل عهود ومواثيق الأمم المتحدة التنوع الثقافي لمكونات الشعوب، أما أن تكون مطالبها سياسية أو عسكرية بتكوين أحلاف وتمويل مليشيات مسلحة وفرض شروط على الدولة مثل إقفال الحقول النفطية أو فرض النظام الفيدرالي أو فرض فُرص التشغيل لأبنائها فذلك لا يمت إلى الديموقراطية بصلة، بل عمل غوغائي يحدث بسبب ضعف مؤسسات الدولة الضبطية.
مشكلة التقسيم العمودي للمجتمع سياسيا (أقاليم، قبائل، مكونات) يلغي دور الفرد كمواطن، بحيث يصبح تابعا للقبيلة أو الإقليم، ويتحكم في مصيرة ومصير أبناءه شيوخ قبائل وأعيان، أو نواب لا هم لهم إلا مصالحهم، (وهو نظام ما قبل الدولة) بحيث يرحل الفرد أينما رحلوا ويغزو إذا غزوا، فيكون صنديداً إذا دافع عن طائفته وقبيلته وصعلوكاً منبوذا إن قدم خيارات الأمة على المطالب الجهوية.
هذا حال الديموقراطية التوافقية الليبية في عهد المؤتمر الوطني وأسواء من ذلك في عهد مجلس النواب، حيث التمترس القبلي والجهوي الذي حال دون حتى إجتماع مجلس النواب بنصاب خلال الستة أشهر الماضية.
نظام المحاصصة المبني على الديموقراطية التوافقية تم إعتمادة عند تأسيس المجلس الرئاسي، وكانت النتيجة تشظي المجلس وإنقطاع عضوين منهم، بسبب ضغوطات من يمثلونهم، بالمثل حكومة الوفاق تشكلت على المحاصصة، فكان تعطيل أربعة وزراء بعدم إلتحاقهم بعملهم لمدد طويلة بسبب الضغوطات الجهوية.
إن الديموقراطية التوافقية التي تم تفصيلها للمجتمعات العربية؛ لبنان، العراق، ليبيا، ثم اليمن وسوريا لاحقا، تعني إستبدال الأحزاب بكتيونات قبلية جهوية وإثنية (من باب أن الديموقراطية الغربية لا تصلح للعرب)، وبذلك يرتكز النظام على المحاصصة في الحكومة مما يجعل رئيس الحكومة ليس له الحق في إختيار وزراءه، وبالتالي ليس مسئولاً عن فسادهم أو أدائهم السئ، وفي ليبيا صرح بذلك علنا معظم رؤساء الوزارات في الحكومات الحالية والسابقة، ولكن لم يغير ذلك شيئاً من واقع الحال المتردئ.
هذا التقسيم العمودي للمجتمع يعمل على تحفيز المنافسة في الفساد الإداري والمالي وتفشي ثقافة الغنيمة، بل وجلب القوى الأجنبية والعمالة للخارج من أجل فرض الشروط على الخصم الداخلي، ناهيك عن الزج بأبناء الفقراء والمساكين لأتون الحرب ليفقد هؤلاء أرواحهم ظاهراً في سبيل الوطن ومكافحة الإرهاب، وحقيقة في سبيل تثبيث عروش شيوخ القبائل والأعيان وزيادة في غنى الأغنياء وفساد الساسة الجهويين، وبلا شك يعرقل المؤسسات إلى درجة إنهيار الدولة، وبذلك يصيب المجتمع نوع من الحسرة على نظام الحكم الشمولي السابق بما فيه من كبح للحريات وتعسف ضد الجميع.
نضوج النظام الديموقراطي نعم يحتاج إلى وقت ويحتاج إلى نُخب (لا تُنظر للمحاسن القبلية والجهوية) وتنشد التغيير، ولكن ليس قدراً أن تتبع هذه الدول نظاما عقيماً، فدول شرق أسيا مثل ماليزيا وأندنيسيا وكذلك تركيا قد إستطاعوا إجتياز عقبة الإختيار الجائر إما المحاصصة أو الركون للحكم العسكري الشمولي، وبلا شك سيصل العراقيون والليبيون إلى ذلك المستوى من الرقي ولكن بعد أن أخذوا من الوطن الكثير، وأفقدوه الزمن اأكثر ولذي لا يعوض بثمن، وكما يقول المثل الليبي “بعد أن خربت مالطا”.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
مشكلة ليبيا ليست ديموقراطية , في تقديري المشكلة هي خلط اوراق وانعدام المعاير والشفافية. خلط الاوراق هو الاساس وكان ممنهجا منذ البداية ومدروس للوصول لهدف ما , مثلا لجنة امنية بدل الشرطة ومليشية بدل الجيش اربع مناطق امنية ثلاث بقيادة عقدا والرابعة بقيادة سجين مدني. انعدام المعاير في كل شي , مثلا ما هي معاير النائب في مجلس النواب او المجلس الانتقالي او المؤتمر ..لجنة الطاقة في مجلس النواب رئسها ممرض رغم وجود ذوي الاختصاص في المجلس. بلدية شارع البحر وبلدية بير الاشهب وبلدية بوابة النخيل حدد علي الاقل مئة الف نسمة للمجلس البلدي . انعدام الشفافية في كل شي , مثلا من كان اعضاء المجلس الانتقالي وكيف تواجدوا ومن جمعهم ومن وضع الاعلان الدستوري وهل هو صحيح من انتاج المناضل برنارد ليفي اين ذهبت المليارات الليبية وين الجماعة الي جو من برة الاحزاب من دارهن واين القانون الي ينظم عملهن من يمول فيهن واخيرا الوقت ..لا احد يعير الوقت اي اهتمام مثلا لجنة الدستور من شهرين الي يوم البعث. الموضوع في ليبيا ليست ديموقراطية علي الليبيين الجلوس وعد الشيش ثم وضع معاير لكل شي بكل شفافية ووضوح.