لا يقف ضعف الإنتاج الإبداعي في عالمنا العربي عند حدود الصناعة والسينما والأدب فقط، بل يصل إلى ما هو أعمق بكثير من هذا، حيث يبدو العرب من أضعف أمم الأرض في مهارة إنتاج أنظمة الحكم، وبالتالي إنتاج الحاكم بصورته المعاصرة، وتراهم يفكرون بإعادة إنتاج أشكال من الحكم الفردي والعائلي كانت صالحة قبل قرون من اليوم، لكنها في عالم الذكاء الصناعي وما بعد الحداثة فقدت قدرتها على المنافسة.
وفي مقال بعنوان “نظام الحكم أهم من الحاكم.. متى سيفهم العرب ذلك؟” يوضح الكاتب السوري المختص بالشأن السياسي أ. عمر علي، أنه عندما تكون طريقة إنتاج الحاكم (نظام الحكم) سليمة وصحيحة وتناسب المجتمع، فإنها ستحقق شروط الأمن والاستقرار والتنمية، وسيكون هذا النظام مقنعا للمجتمع، الذي سيتقبل الحاكم من خلال قبوله لنظام الحكم، وعندها تسود لغة القانون بدل لغة المحسوبية والانقسام العرقي والطائفي والطبقي.
ويضيف الكاتب أن العرب يتخبطون منذ سقوط نظام الخلافة الإسلامية على مرحلتين، الأولى في بغداد والثانية في الأستانة، وتراهم يطمحون لإحياء نظام الخلافة، بأشكال متعددة، ويقدم الحاكم العربي نفسه كمخلص وليس كموظف رفيع في مؤسسات تنتمي للقرن الحادي والعشرين، كما يقدم هذا الحاكم نفسه كضليع في السياسة والاقتصاد والدين والفلسفة والجيوش والبنوك والتربية والتعليم، فهو يعلم كل شيء، لذلك نرى دولنا تشبه حكامنا، فمن ادعى معرفة كل شيء خسر كل شيء، ومن آمن بالاختصاص لابد سينجح.
ويستطرد علي قائلا: “وبنظرة فاحصة إلى حال الدول العربية التي شهدت “ثورات” اجتماعية نعلم أن العقل العربي مازال في مكان بعيد عن آلية إنتاج الحكم الرشيد، فالتغييرات السياسية التي حصلت في عالمنا العربي بعد عام2011 نتجت عن ضرورات حقيقية وحاجات اجتماعية وسياسية، لكن آلية التفكير جعلت التغيير أكثر من محبط، لأن إسقاط دكتاتور هنا وقتل حاكم شمولي هناك، وفرار آخر، ومكابرة رابع، لا تغير في الأمر شيئا، لأن المهم هو البديل، وإذا كنا لا نمتلك (سيارة) فإننا لا نستطيع الاستغناء عن (الحمار)!”.
وللأسف جميع الثورات العربية لم تكن تملك سيارة لنقل المجتمع لمكان آخر، وكل ما فعلته، أنها قتلت “الحمار” وتركتنا دون وسيلة نقل في عالم بات يسير بسرعة الضوء.
ويتابع المختص في الشأن السياسي في مقاله بالقول: “في سوريا والعراق ومصر واليمن والسودان وتونس وليبيا، انظروا إلى أي تغيير حصل، بعد الثورات، وما الحلول التي قدمها العقل العربي لإنتاج نظام حكم جديد، يحظى باحترام وقبول الثوار قبل غيرهم، الكل يحلم بأوطان أجمل، لكن هل حصلنا على ذلك، من الحرب الأهلية في سوريأ وانقسامها عمليا بين ثلاث إدرات في المركز و الشرق و الشمال، إلى سيطرة (داعش) على ثلث مساحة العراق، ولاحقا دخول البلاد في أزمة سياسية و اقتصادية و أمنية عميقة، وتجذر الوجود الأجنبي فيه، إلى مصر و الوضع الأمني القلق و الاقتصاد الشبه منهار، إلى اليمن المدر والسودان المفكك وتونس التي تقف بين عتبتين إما الإفلاس و إما تغيير آلية الحكم”.
ووفقا للمقال، فإن ليبيا تبقى تجربة لا تحتاج شرحا، سقط النظام السابق، وسقط معه الاقتصاد والأمن والتعليم والوحدة، فهناك شرق وغرب وجنوب، وهجرة ومخدرات وأمن قلق، ومؤسسات منقسمة وضعيفة”.
ويسترسل كاتب المقال: “هذا إنتاج العقل السياسي العربي، وإن جاء من يقول إن هناك من يتآمر على العرب، سنقول أحسنت، لكن ماذا فعل العرب لتفادي مؤامرات الآخرين؟ انظر إلى حكام العرب في بلاد الثورات وغيرها، أنظر إلى السفارات الأجنبية كيف تصول وتجول، وكيف بات لكل بلد عربي مبعوث أممي يقرر عنا ما يناسبنا!”.
ويختتم الكاتب السوري المختص بالشأن السياسي أ. عمر علي مقال بالتساؤل عن الحل مشيرا إلى أنه سؤال كبير وضروري، ويضيف بالقول: “لا حل إلا بالانتقال إلى العصر الذي نعيش فيه، لم يعد حكم العائلات والعسكر والزعماء الملهمين قادرا على إلهام الشعوب، باتت المؤسسات هي الحل، والقائد العظيم اليوم هو من يبني مؤسسة حكم وليس من يحكم، وإذا كان لديكم شك اسألوا (غاندي) في الهند و(مهاتير محمد) في ماليزيا وإذا أردتم البقاء في الماضي فانتظروا فرعونا ليحكم، لأن زمن الأنبياء مضى وسيد الخلق قال “لا نبي بعدي” فلن تجدوا نبيا لكن ربما تعثروا على ديكتاتو جديد يشبه السابق بفارق جوهري أن الجديد يتقن الإنجليزية والفرنسية ولديه حساب على منصة “إكس” ولديه “سي في” مقبول في السفارات”.
اترك تعليقاً