تسوقك الأقدار لقيادة سيّارتك في طرابلس ليبيا فترى العجب العُجاب من الازدحام الشديد إلى سوء القيادة مرورا بالحفر التي لن ولن تجد طريقا واحدا ممهدا سليما خال من الحفر والتكسير في عاصمة البلاد طرابلس المسكينة!، يمضي المواطن ساعات في سيّارته للتنقل من مكان إلى آخر وسط العاصمة لقضاء عمل من الأعمال ولا أبالغ بالقول إن قلت أنك ستقضي ربما في المتوسط 3 إلى 4 ساعات وسط الازدحام الشديد حيث السيارة في مؤخرة السيارة التي أمامها وهكذا هو المشهد فأنت محاصر إن لم تكن من الأمام لأنك تملك القدرة على ترك مسافة قانونية وفق قواعد المرور بينك وبين السيّارة التي أمامك ولكن لا خيار لك من أن تكون محاصرا من خلفك حيث عادة لا يترك السائق خلفك مسافة قانونية أو معقولة للحفاظ على السلامة فقرينك السيء سيكون ملاصقا لك مقدار شبر وهذا الأمر مزعج حيث يبين مدى القلق الذي يعانيه السائق خلفك ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يحاول من خلفك اجتيازك ويفعل كل ما في وسعه وكأنه لا يرى أنك في أغلب الأحيان إن لم تكن واقفا بسبب الزحام فأنت مجبر بالتحرك إلى الأمام قليلا قليلاً تخطو خطى السلحفاة يضايقك السائق الخلفي وقد يفلح في اجتيازك وأنت لن تسابق مجنون وإلا أُصبت بالجنون مثله فالطريق مكتظ بالسيارات التي تنتظر المرور مثله ومثلك ولا تسمح بالسباق وتتذكر حينها قول الله جل جلاله: “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” الحج 46، سلوك غريب من أناس كثُر في بلادي يقرؤون الآية ولا يعرفون معناها أو لا ينزلون معنى الآية على أنفسهم سلوكا وتصرفا ولا ترى الآيات في أخلاقهم وتصرفاتهم وكأنها خاصة بيوم القيامة ولا يعرف هؤلآء أن طريق الجنة هي طريق حياتك وتعاملك مع نفسك ومع الآخرين في الدنيا فالقرآن طريق ومنهاج حياة إذا ما أنزلته منازله!!!؟؟ لا يعرف هؤلآء أن العمى ليس عمى البصر، ولكنّ العمى عمى البصيرة، ولنترك المشهد الأول فلن نخرج منه عادة إلا بعد قضاء ساعة أو ساعتين.
وفي مشهد سير آخر تقودك سيارتك بالطبع ليس للسياحة والترويح فلم تعد بلادي تصلح لشيء من ذلك بالرغم من شواطئها الطويلة ومياهها الزرقاء الصافية لكنك تجد نفسك بين إدارة وأخرى أو مصرف وآخر على أمل أن تقضي حاجة لتصطدم بزحام آخر وبطوابير وصفوف من السيارات أينما توجهت داخل طرابلس التي كانت تسمّى لجمالها بالمدينة البيضاء ولكنها أصبحت مدينة شاحبة بائسة لا أقول مقبرة لأنني أحبها بالرغم من كل ذلك ولكنها شبيهة بما قلت، مرة ثانية وثالثة وعدّد ما شئت ستقف رغما عن أنفك ساعة أخرى وساعتين والسائق الخلفي يتبعك أينما كنت فالسلوك السيء هو السلوك (إلاّ من رحم وقليلٌ ما هم) يكاد الذي من خلفك أن يلامس سيارتك من شدّة قربه منك وقد تحاول الخروج من الطريق الرئيسي إلى فرعي ومن حفرة إلى حفرة ولن تجد طريقا سليما ومع هذا الإزدحام لن توفق لقضاء حاجة أو عمل فأنت تتأرجح بين الإزدحام وبين سوء الإدارة في المؤسسات أمران أحلاهما مرٌّ.
وفي مشهد أخير نختم به حين يستوقفك الزحام في مختنق تقاطع طرق حيث عادة لا يحترم السائقون إشارة المرور ويحاول كل واحد منهم تخطي ذلك التقاطع وأنت مجبر بأن تصطف وراء طابور طويل من السيارات التي أمامك وعلى تحمل السائق الذي خلفك فهو قرينك في الطريق وتبدأ معركتك الحقيقية حين تقترب من التقاطع حيث يحاول كل سائق ومن جميع التقاطعات أن يتجاوز التقاطع ويعبر بنشوة المنتصر وفي هذه اللحظة تحتد المعركة ولن يتنازل أي سائق لآخر ويسمح له بالمرور حتى لو كان الطريق أمامه مغلقا فكلٌ يفكر في نفسه بأنانية مفرطة وتتلاشى في هذا الموقف قيم التعاون والتسامح ومساعدة الآخر وحين يعبر التقاطع يشعر السائق بنشوة الإنتصار وكأنه حقق شيئا مستحيلا وهو لا يغدوا نجاحه عبورٌ لتقاطع طرق!!؟؟؟ يا له من انتصار!.
أين هو الإنتاج لمواطن مغلوب على أمره يقضي جل وقته وهنا تتحدث عن ساعات كل يوم في سيارتك في مختنقات طرق العاصمة، ألا يؤثر ذلك على قدرة أداء المواطن؟ ألا يؤثر ذلك على شعوره وأحاسيسه؟ ألا يؤثر ذلك على مزاج المواطن وقدرته على التعامل مع الآخرين من حوله؟ ألا يؤثر ذلك على سلوك الأفراد فينعكس على تعامل سيء بين أفراد المجتمع حيث ينعدم التقدير والاحترام.
أريد أن أسئل كل رئيس وزراء أو مسؤول في الماضي والحاضر أأنتم ليبيون أم ماذا؟؟؟ وإن كنتم كذلك لماذا لا تحركوا ساكنا لحل مشكلاتنا العديدة والتي من بينها مشكلة الطرق والمواصلات تكاد لا تجد طريقا خالية من الحفر وغير صالحة وفي المقابل تصرف الحكومات المتتالية عشرات المليارات سنويا دون تحريك ساكن للمشاكل التي تغرق فيها البلاد فأين ذهبت هذه القيم المالية الكبيرة؟ وقد تسمع بخبر رئيس الوزراء وهو يفتتح طريق عين زارة وتعتقد حتما أن الطريق تمتد من جزيرة الفرناج إلى تقاطع طريق وادي الربيع وتفاجئ أنها بضعة أمتار وكأن الطريق والإزدحام الشديد والمعاناة على امتداد الإتجاه للكحيلي وقبله وبعده هو خارج تفكير المسئولين والحال نفسه ينطبق على بضع أمتار في الكريمية التي تعاني من نفس الإهمال كغيرها من الفلاح إلى العزيزية ألا يشعر أحدهم أنه مسؤول عن حل المشاكل التي تعاني منها البلاد؟ ألا يستحي هؤلآء من عدم قدرتهم على تقديم الحلول لأصغر المشاكل؟ جميعهم يقضون وقتا ليس بالقصير متنقلين بين بلدان العالم أفلا يرون طرقات ومباني ومطارات تلك البلدان أم على قلوب أقفالها!!!؟؟ ألا يشعرون بما نشعر؟؟؟ عجيبٌ أمركم!!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً