يحضر بن لادن وصدام حسين والخميني إلى جانب زعماء آخرين من خلال قصصهم الغرامية، في كتاب للفرنسية ديان دوكريه تكشف فيه جوانب جديدة من شخصياتهم عندما تقدمهم من خلال عيون نساء أحببنهم كرجال “لم يكونوا وحوشا فحسب”.
ونشرت ديان دوكريه عام 2011 الجزء الاول من كتابها “نساء الدكتاتور” الذي تناولت فيه زعماء عرفوا باستبدادهم في النصف الاول من القرن الماضي، لتعود وتنشر مؤخرا الجزء الثاني الذي ضم الى هؤلاء زعماء أحدث عهدا، ومن بينهم الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقائد الثورة الايرانية آية الله الخميني والزعيم السابق لتنظيم القاعدة اسامة بن لادن.
وتقول الكاتبة إن أبرز ما دفعها لنشر كتابيها هو وجود “ثقب في التاريخ” يتعلق بالحياة الشخصية لهؤلاء الزعماء السياسيين. تضيف “لم تتم أبدا دراسة حياة النساء اللواتي أحببنهم أو كن زوجاتهم أو شريكاتهم”.
هو عالم من المجون والعشق والقسوة، ذلك الذي يرصده الكتاب. وبهدف إنجازه قضت مؤلفته ثلاث سنوات معتمدة على محفوظات عالمية وخاصة، بالإضافة إلى مقابلات شخصية.
فنقرأ كيف أجرى الجراح التجميلي علاء بشير عملية جراحية لساجدة زوجة صدام التي قررت ازالة شامة لا تعجبها في ذراعها. لكنه ينهي العملية مكتشفا أنه نسي تخديرها، فيسألها بارتياب وخوف “لا بد أني آلمتك بشكل وحشي”.
لكن المرأة تجيب من دون ان تبدي أي رد فعل تذكر، “من يحتمل صدام حسين عشرين عاما يتوقف عن الإحساس بأي شيء”.
في موازاة ذلك، تسير قصة صدام المفعمة بالدراما مع عشيقته اليونانية.
في العام 1969، شهدت بغداد ولادة قصة عشق ما بين صدام والشابة اليونانية باريسولا لامبسوس، ابنة العائلة الغنية التي هاجرت من لبنان. فيراقصها وهي بعد مراهقة لا تعرف من هو. وعندما تقول له “لك عينان وحشيتان”، تأسره بقلة اكتراثها بصورته كرجل فولاذي.
وتتوالى فصول الدراما الرومانسية. فتنتقل اليونانية “الشقراء” (كما ستطلق عليها الحاشية) إلى قصور صدام، لتقوم علاقة طويلة تنتهي في العام 2001 بهروبها، خوفا من انتقام عدي الذي سجنه والده بعد مشكلة كبيرة معها.
لم يكن رهان ديان دوكريه وهي في أوائل الثلاثينات من عمرها، على هذا الموضوع خاسرا. فالجزء الاول من الكتاب حقق العام الماضي في فرنسا اعلى نسبة مبيعات في فئة الكتب التاريخية، وقد باع 100 ألف نسخة وترجم الى 18 لغة.
عندما ننظر إلى موضوع كتابها، يمكننا القول بأنها السنة المنصرمة كانت حافلة بالنسبة إلى الكاتبة الشابة.
فالاضواء سلطت بقوة على رموز أخرى للاستبداد جراء أحداث “الربيع العربي”، الأمر الذي حولها أحيانا إلى “خبيرة” يستضيفها الاعلام للحديث عن نساء حكام حتى ولو لم تتناولهن في كتابها.. وعلى سبيل المثال تحليل شخصية أسماء الاسد زوجة الرئيس السوري الذي يواجه انتفاضة شعبية ضد نظامه منذ أكثر من عام.
وتقول الكاتبة ان مقاربة حياة هؤلاء المستبدين عبر قصصهم الغرامية تتيح “معرفة الكثير” عنهم، وتسمح بتجاوز “الصورة الكاريكاتورية التي صورتهم أحيانا كمجرد أشخاص متوحشين وحقراء”. لكن ثمة ما فاجأ الكاتبة نفسها.
فقلب قائد الثورة الايرانية مثلا، امتلكته امرأة واحدة هي زوجته خديجة. ومن قبيل “الاحترام والعدل” تجاهها كان الخميني “يقوم بغسل الصحون يوميا كي لا يترك لها عناء القيام بذلك”.
وقد حصلت الكاتبة على رسائل الحب التي بعثها الخميني لزوجته، وقصائده لها التي يقول في إحداها “في خان العاشقين، صرت خادما…”.
ولا تخفي الكاتبة مفاجأتها عندما عرفت بأن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة كان في شبابه “معارضا لكل أشكال العنف”. فهي قابلت أيضا أرملته السورية نجوى غانم التي تزوجت قريبها بن لادن وهما بعد مراهقين، وانتقلت معه إلى السعودية لتعيش في تلك السنوات أيامها السعيدة وترى فيه “صورة المثالية على الأرض”.
لكن الأمر بالنسبة إلى زعماء آخرين لا يخلو من مفارقات بحسب ما تقول الكاتبة فتخبر أن فيدل كاسترو وكيم يونغ ايل “كانا تقريبا يقضيان وقتا أكثر في رعاية طرائدهم (عيشقاتهم) مقارنة مع الوقت الذي يقضونه في رعاية شؤون الحكم”.
ولم يكن “الدكتاتور” مستبدا فقط بحكمه، وإنما بقلبه أيضا.
فتشرح ديان دوكريه التي درست تاريخ الفلسفة في جامعة “سوربون” الفرنسية، أنه على الرغم من التباين الكبير في شخصيات تلك النساء، إلا انهن كن يمتلكن خاصية مشتركة.. “لقد أحببن أزوجاهن وشركائهن حتى النهاية وكن مخلصات لهم”.
فعشيقة فيدل كاسترو ماريتا لورنس مثلا التي جندتها وكالة الاستخبارات الاميركية “سي آي ايه”، كانت توشك أن تقتله إلا ان حبها له منعها من ذلك. فرمت الحبوب السامة في دورة المياه ولم تدسها له كما كان مخططا.
من موقعها المجهول في ضاحية سويدية بائسة، ما زالت باريسولا لامبسوس تعرض الصور وتتحدث بغصة عن صدام حسين والدموع تملأ عينيها. فتقول بحسرة “اعتقدت أنني دخلت قلبه، لكنه كان من دون قلب”.
أما نجوى غانم أرملة بن لادن، فتروي كيف بقيت تحلم بأن تستعيد ذلك الرجل المسالم الذي عرفته في شبابها، وكيف تشعر اليوم بأنها متروكة ومنسية في أحد مخيمات أفغانستان مع أولادهها الذين تحولوا إلى “جثث مع عيون”، بحسب ما تقول.
تشير الكاتبة إلى أن مؤلفها “نساء الدكتاتور” موجه في الاساس إلى الجمهور الاوروبي، وهي تأمل أن يعيد قراؤه النظر في “احكامهم المسبقة” ويصلوا إلى خلاصة تقول بأن “هؤلاء النساء كن يحببن رجالا لم يكونوا وحوشا فحسب”.
اترك تعليقاً