كلنا يحاول ان يكون له رأي فيما يحدث حوله، ومصادر المعلومة لدينا هو الإعلام بكل انواعه، لذا يجب ان نعلم كيف نستفيد من الإعلام وان ننقيه من الشوائب والأخطاء والأهواء وان لا يكون أحدنا إمعة يتبع قائدا لا يعلم الى اين يقوده.
قد نكون نحن العرب اول امة تعطي للإعلام قيمته وتهتم به عير العصور، فالشاعر كان له قيمة ومركز كبير في قبيلته وكان بمثابة وزير للإعلام والمتحدث الرسمي باسم القبيلة، هذا المنصب كان للشاعر قبل الإسلام وفي صدر الإسلام وفي الفترة الإسلامية. ولم ينحط الإعلام لدينا الا بعد انحطاط الدولة الإسلامية.
لم نكن وحدنا من عرف أهمية الاعلام، بل اهتمت به دول الغرب بعد عصر النهضة، وظهرت الصحف والتوثيق في الحضارة الغربية وبلغت أهميتها ان خصصت لها الكثير من الملاحظات في بروتكولات حكماء صهيون (رغم ما يثيره البعض حول صحتها ودقتها ولكن لا يختلف على زمانها وهذا ما استشهد به) فلقد قالت في أحد بروتوكولاتها: -” ستكون لنا جرائد شتى تؤيد الطوائف المختلفة: من أرستقراطية وجمهورية، وثورية، بل فوضوية أيضاً ـ وسيكون ذلك طالما أن الدساتير قائمة بالضرورة. وستكون هذه الجرائد مثل الإله الهندي “فشنو Vishnu”. لها مئات الايدي، وكل يد ستجس نبض الرأي العام المتقلب.
ومتى أراد النبض سرعة فإن هذه الايدي ستجذب هذا الرأي نحو مقصدنا، لأن المريض المهتاج الأعصاب سهل الانقياد وسهل الوقوع تحت أي نوع من أنواع النفوذ. وحين يمضي الثرثارون في توهم أنهم يرددون رأي جريدتهم الحزبية فانهم في الواقع يرددون رأينا الخاص، أو الرأي الذي نريده. ويظنون أنهم يتبعون جريدة حزبهم” (إ.هـ )
وما حدث ويحدث الآن من صراع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والصحافة الامريكية يثير الكثير من التساؤلات حول مصداقية الصحافة خصوصا والإعلام عموما، وهل يجب علينا كمتلقين للأخبار الانتباه لهذه الاخبار، وكيف يتم نقلها؟ وكيف يتم تقديمها؟ وكيف يتم تحليلها؟ ليس هذا فقط. بل هل يجب علينا معرفة كيف يمول من ينقل لنا هذه الاخبار ويحللها ويقدمها لنا. فالممول وإن كان خلف الستار الا انه هو من يمسك الخيط بيده ويحركها كيف يشاء وبالاتجاه الذي يشاء.
المتلقي العربي مظلوم في اعلامنا فهو بين اعلام مرتزق مدفوع القيمة والأتعاب وإعلام غربي مرتزق أيضا يأخذ الأمور من وجهة نظره، ويكاد يكون مصطلح ” الحياد ” معدوم في الاعلام خلا بعض الإعلاميين الذين يكتبون ما يؤمنون به لا ما يريد مالك المال.
أرى اننا يجب علينا كقراء ومتلقين ان نحاول الحصول على الخبر الصحيح او الأقرب للصحة، وكيف يمكن ان نكون نحن حياديون في التلقي إذا لم يكن الناقل حياديا. فحيادية التلقي تحد من تأثير عدم حيادية النقل.
هنالك نقاط لو حاولنا الانتباه لها لكنا عادلين في التلقي ويكون لدينا رأي عادل بعيد عن الانحيازية.
هذه الانحيازية التي كنا وما زلنا نشكو منها في عروبتنا وفي إسلامنا وفي قضيتنا الأولى فلسطين وفي قضايا امتنا كافة. نشكو منها عندما نكون نحن المظلومين ولكننا لا نمانع فيها ونحن ظالمون.
هذه النقاط ألخصها في : –
– نقل الخبر: – يجب معرفة توجه ناقل الخبر السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي، وكيف يمكن لتوجهه التأثير، اذ ان بعض الاخبار ليس لها أهمية ولكنها تنقل فقط لكي يهاجم نظام ما او يمتدح نظام آخر.
– صناعة الخبر: – بعض الوسائل تصنع الخبر صنعا, من أمثال صرح مصدر, او تحدث مصدر مسئول’ او ذكر ناشطون وما الى ذلك من عبارات هلامية لا تحمل مغزي ولكنها تكون مدخلا لذكر رأي تراه الوسيلة الإعلامية يساعد على تقوية موقفها السياسي.
– صناعة محتوى الخبر: – قد لا يكون هنالك خبر ولكن يتم استغلال خبر آخر ومنه يعرج على رأي تراه الوسيلة الإعلامية, مثل حادث سقوط مبنى’ يحول الى قدح في الرقابة ثم قدح في الحكومة او الحزب الحاكم وذكر مساوئ وذم بينما العمارة قد تكون وقعت بسبب قدمها او سوء صيانة المالك لها او ما الى ذلك مثل ما حدث في جسر جنوة.
– صياغة الخبر: – يقولون الشيطان يختبئ في التفاصيل, وأقول في الخبر, يختبئ الشيطان في الصياغة. مثلا بدل ان أقول ” ذكر المسئول ” أقول ” ادّعى المسئول” او “لم يحضر سوى الف شخص”, او أقول “حضر ما يزيد عن الف شخص”. الصياغة قد تغير ما يخرج به القارئ من الخبر، وقد يكون ما يخرج به هنا مخالف ومعاكس لما يخرج به نفس الخبر في وسيلة إعلامية ذات توجه مخالف.
– الفرق بين الخبر والإشاعة: – الاشاعة اذا بنيت بناء اخباريا جيدا قد تلتبس على المتلقي ويدل ان تكون كذبه تصبح خبرا متداولا ومصدقا, وحرب احتلال العراق قام على إشاعة اتضح بعدها انها كذبة وكنا جميعا نصدقها, ولم يجد الأمريكيين ” أسلحة الدمار الشامل” التي امتلأت بها وسائل الاعلام. فيجب ان نفرق بين الخبر الصحيح والإشاعة الكاذبة حتى لا نقع ضحية كذبة يضيع فيها جزءا آخر من امتنا.
– مصادر الأخبار: يجب ان نعلم من اين نتلقى اخبارنا, هل نتلقاها من جهات مختلفة التوجهات والمواقف، ام نتلقاها من مصدر واحد ذو توجه واحد. هذه المصادر مهما بذلت جهدا فلن تكون محايده، اذ يؤثر بها صاحب الوسيلة والإعلامي والصحفي الناقل والصحفي المحرر، واذكر في الجامعة ان الدكتور كان يكتب خبرا من سطر واحد ويطلب من الطالب في السطر الأول قراءة الخبر سرا وحفظه، ثم ينقله سرا للطالب الى جانبه، والذي في جانبه ينقله سرا لمن في جانبه حتى ينتقل لآخر قاعة المحاضرة، ويطلب من اخر طالب كتابة الخبر، ثم يجعلنا نقارن بين الخبرين، فنجد ان الخبر اختلف اختلافا كليا أحيانا بل ويكون معاكسا وأخرى يكون لا علاقة بين الخبرين. لذا الناقل مهم جدا.
– توثيق الخبر. هنا يأتي اهم دور في الأخبار، الا وهو محاولة التأكد من صحتها، وهذا يجب ان يكون من خلال الحصول عليها من مصادر مختلفة التوجه، وليس من مصدر او مصادر ذات توجه واحد، وان احصل على تحليلها من مصادر مختلفة التوجه أيضا، ولا ارهن عقلي وفكري وتوجهي في توجه قد يثبت خطأه فيما بعد، وهذا يضمن لنا العدالة في مواقفنا والعدالة في توجهاتنا ولنتذكر قوله تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ. فكثير من الذين يحاولون جرنا لنري الأمور من منظارهم يملكون من المنطق وقوة الحجة ما يجعلنا نظنهم على حق، وفي صحيح البخاري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض). فعلينا محاولة توثيق الخبر من عدة مصادر.
أرى ان من يحاول ان يكون له رأي وحكم في أمر من الأمور فهو يعمل عمل القاضي وحسابه في هذا حساب القاضي، ويجب ان يكون شعاره العدالة وليس الهوى فمن كان قائده الهوى فهذا من اتخذ إلهه هواه، ونحن امرنا ان نحكم بين الناس بالعدل، والعدل يوجب التأكد، ويوجب التبين والتوثيق.
الاعلام هو سلاح القرن 21 فهو الذي يحرك الرأي العام وهو الذي يحرك الحكومات وهو الذي يحرك المسئولين، بل هو الذي يحرك الجيوش أحيانا. فلننتبه لهذا السلاح ولنحسن استخدامه بحكمة وعقل وليس لتدمير الامة والمجتمعات.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً