قالها أحد إسلامي ليبيا في محاكاة على ما يبدو لأحد نواب مصر المنكوبة هي الأخرى بنخبة مثل نخبتنا حيث صرح النائب عمران مجاهد: “نار الحزب الوطني ولا جنة الإخوان” ، وتابع: ” الإخوان كفرونا وكفروا من انتخبوا غيرهم” !!!!!! وهم كذلك خونوا من انتخب الإخوان ومن انتخبهم ..لا بل أقاموا الدين ولم يقعدوها على عمرو موسى واتهموه بخيانة مصر !!! تخيل ، لماذا ؟ لأنه تناول وجبة عشاء مع خيرت الشاطر!!!!!
هذا الموقر في ليبيا ، وهذا النائب المصري فاها بجملة لو أمعنا النظر فيها وحللناها ، لأدركنا الخلفيات النفسية والانفعالية لهذه الشخصية ، ولأدركنا حجم المأساة التي عانت منها أمتنا منذ قرابة 1400 سنة . باستثناء بعض التقطعات النادرة.
تخيل أن حجاب الغيب انفتح أمام هذا النائب الليبي الموقر وتيقن أن التحالف الوطني أو غيره ممن يراهم كفار أنجاس أحقر من ( اليهود والنصارى ) ، ومصطلحات الحقارة والوضاعة والنجاسة وتعميمها على المخالفين دينياً مذهبياً وفكرياً وعرقياً أحد أهم العلامات البارزة لثقافتنا الإنسانية العالمية . نعم اطلع نائبنا الموقر ونظر للمستقبل فوجد أن التحالف لو قاد ليبيا سياسياً فسيجعلها جنة من جنان الله في الأرض ، نسب نمو اقتصاد خرافية ، نسب التعليم ومعدلاته عالية ، براءات اختراع وتقدم علمي وتكنولوجي غير مسبوق ، رفاهية ، جيش قوي ، ودولة مهابة !!!!
عاد نائبنا الموقر إلى الحاضر ، وفتح له حجاب الغيب مرة أخرى ، فوجد أن الأخوان المسلمين أو غيرهم من الإسلاميين لو قادوا ليبيا سياسياً فستكرث ليبيا كارثة سياسية واقتصادية واجتماعية لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلاً . وقبل أن يقفل الحجاب أُخبر نائبنا الموقر بأن المستقبل يتوقف على صوته هو في التصويت في جلسة مؤتمرنا الموقر بنوابه الرائعين جداً ثقافياً وسياسياً وفكرياً ووطنياً.
عاد نائبنا الموقر إلى الحاضر ، وافتتحت الجلسة . نائبنا الموقر سيختار السيناريو المرعب الثاني تصديقاً لمقولته الشهيرة!!!!
طبعاً هذا ينطبق أيضاً على النائب المصري ، ولكن عندما تنقلب ليبيا ومصر وتستحيلان جحيماً ، ثق وتأكد أنهما سيختاران جنان سويسرا أو بريطانيا أو أمريكا لسكناهم وسكن عائلاتهما وأولادهما.. فالنار للشعبين الليبي والمصري ، وقطعاً ليست لهما ولأهاليهما.
أسباب كل ذلك ليست في الإسلام أو الليبرالية أو القومية أو القبيلة أو الإقليم أو الفكر أو السياسة أو غيرها ، بل في اضطرابات نفسية وتراكمات ثقافية ، تجعل كل شخصية من أمثال هذه الشخصيات ستقول ذات الكلام أياً كانت الجهة أو الحزب أو الرؤية التي تنحاز إليها.
هؤلاء ليسوا مختلفين بل متطابقين .. صحيح أنهم مختلفين في مضمون الفكرة السياسية أو السياسية أو الدينية ، ولكن بنية الإقصاء والشطب والإلغاء والوحشية مع القدرة والتضحية بالوطن وأهله من أجل اضطرابات نفسية واحدة ومتطابقة لديهم.
سمعنا كثيراً استشهاد الكثير بقول ابن تيمية: “إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ” .!!! المفارقة والتناقض الذي لم نستسغه وواجهناهم به ، هو أنهم هم هم ، من يستشهد بهذا القول يؤكد ومراراً وتكراراً بأن الحاكم المسلم لا يخرج عليه أبداً أياً كانت أفعاله وانتهاكاته ، أما الكافر فلا بد من الخروج عليه ولو ( استنتاج منطقي ) كان عادلاً مقيم للعدل والتنمية والازدهار وحفاظ حقوق العباد والمساواة بينهم ، بدون فرض أي رأي أو حكم على الناس يخالف توجهاتهم الدينية أو المذهبية ، لأنه بذلك يستحيل ظالماً.
ربما كان السؤال الذي وجهه هولاكو لمشايخ المذاهب الإسلامية في بغداد ، المالكية ، الشافعية ، الحنفية ، الحنابلة ، الشيعة الأمامية ، يصب في ذات موضوع المقال ، عندما سألهم أيهما يفضلون حاكم كافر عادل أم مسلم ظالم ؟!! أحرجهم بهذا السؤال ، وتناقش المشايخ كثيراً وخرجوا بإجابة وتعليل منطقي . قالوا : ” يحكمنا الكافر العادل لان كفره لنفسه وعدله للجميع ، أما المسلم فان إسلامه لنفسه وظلمه للجميع”.
المفارقة أن مثل هؤلاء تجدهم في الماضي القريب كانوا من ضمن المثالب التي يأخذونها على الأنظمة الساقطة أنها تقدم الولاء على الكفاءة!!!!
يقول تعالى : ” وَمَا كَانَ رَبّك لِيُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلهَا مُصْلِحُونَ ” .. نعم العدل والحرية والمساواة والازدهار وبناء الأوطان وازدهارها ، وإدارة الاختلافات البشرية وطنياً وإقليمياً وعالمياً ، والارتقاء بالفكر والوعي الإنساني ، والاحتكام إلى آليات سلمية موضوعية لإدارة الاختلافات والخلافات البشرية ، وجعل إنتاج الفرد أو الجماعة علي كل الصعد معيار التقدير والكفاءة ، وإقامة العدل والمعدلة يقول تعالى : ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ “.
لكل شخص الحرية في اعتناق ما شاء من أفكار أو مذاهب، بشرط ألا يكون في ذلك اعتداء على حريات الناس وحقوقهم أو فرضاً لآرائه بالقوة أو التهديد على الاخرين، أو تهديداً للدولة واستقرارها وأمنها وتماسكها أو التضحية بمصلحة الوطن من أجل مصالح حزبية أو أيدلوجيات عمياء. وهذا لا يكون إلا بالنظر إلى هذا الوطن على أن أهله جزء لا يتجزأ منه، وليسوا خونة أو كفار أو عملاء لمجرد اختلافهم معنا. وأن نؤمن بالديمقراطية فعلاً كآلية لإدارة الخلافات والآراء وحكماً نزيهاً. فعكس الديمقراطية سواء كان جهاراً نهاراً أو بالتظاهر بها للوصول للسلطة مآله ما تشاهدون وشاهدتم على مر قرون وقرون.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً