بعد استبعاد بعض المنافسين الاكثر اثارة للانقسام من سباق الانتخابات الرئاسية في مصر قد يستفيد المرشحون المعتدلون الذين ينظر اليهم على أنهم أقدر على تحقيق اجماع يعتقد كثيرون أنه قد يعزز الانتقال السلمي للديمقراطية.
وبذل إسلاميان بارزان أحدهما سلفي والاخر من جماعة الاخوان المسلمين فضلا عن رئيس المخابرات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك جهودا كبيرة من أجل البقاء في المنافسة مع اقتراب نهاية مهلة تقديم الطعون في قرارات الاستبعاد الصادرة من لجنة الانتخابات.
وكان الثلاثة قد أدرجوا أسماءهم في مرحلة متأخرة من العملية وبطريقة عززت الانطباع في الاسابيع الاخيرة بأن التوافق الهش المؤقت ينهار بين الكتلة الاسلامية والمجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم منذ سقوط مبارك قبل 14 شهرا.
وقد يؤدي استبعادهم اذا أكدته لجنة الانتخابات يوم الثلاثاء الى تسليم زمام المبادرة لشخصيات أقل اثارة للانقسام مثل عمرو موسى وهو وزير خارجية سابق وأمين عام سابق للجامعة العربية وعبد المنعم ابو الفتوح وهو إسلامي معتدل عزلته جماعة الاخوان المسلمين بعد أن رشح نفسه لانتخابات الرئاسة بدون تأييد من الجماعة.
وقال مصطفى السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة انه من المؤكد أن استبعاد اكثر المرشحين اثارة للجدل سيخفف بالتأكيد التوترات بين القوى السياسية مضيفا أن كبار المرشحين الاخرين على علاقة طيبة بكل هذه القوى.
ومع ان استطلاعات الرأي بعيدة عن أن تكون شيئا علميا في دولة حديثة العهد بالديمقراطية ويبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة الا أن استطلاعا اجري في مارس/اذار قبل دخول بعض المرشحين المستبعدين السباق وضع موسى في المقدمة. وقد يتغير الكثير في الاسابيع الخمسة الباقية حتى الجولة الاولى من التصويت لكن مثل هذه الاستطلاعات تعطي الامل لموسى وغيره من الشخصيات الوسطية.
ودخل عمر سليمان -رئيس المخابرات في عهد مبارك وهو شخصية محورية في جهاز أمني أمضى عشرات السنين في مطاردة جماعة الاخوان- سباق انتخابات الرئاسة في الاسبوع الماضي فحسب متعهدا بقص أجنحة الحركة الاسلامية.
وان كان من الصعب التكهن بفرصه لدى غالبية المصريين قال سليمان انه قرر خوض الانتخابات لان جماعة الاخوان المسلمين التي تهيمن بالفعل على البرلمان منذ انتخابات ديسمبر/كانون الاول تراجعت عن وعدها بعدم السعي للحصول على منصب الرئاسة من خلال ترشيح نائب المرشد العام لها خيرت الشاطر.
وكان المرشح السلفي حازم صلاح أبو اسماعيل الاكثر راديكالية من جماعة الاخوان احتل المرتبة الثانية بعد موسى في استطلاع مارس/اذار. ووعد بتطبيق الشريعة الاسلامية وأغضبت تحذيراته من مؤامرة لعرقلة ترشحه الالاف من أنصاره الذين حاصروا مقر لجنة الانتخابات الجمعة مما اضطرها لاخلاء المبنى وتعليق عملها لفترة وجيزة.
واستبعدت اللجنة أبو اسماعيل لان والدته الراحلة حصلت على الجنسية الأميركية وهو ما ينفيه ابو اسماعيل قطعيا.
وحذر بعد استبعاده قائلا انه سيقاتل حتى النهاية وحتى يسود العدل مضيفا أنه سيلقن أعضاء لجنة الانتخابات درسا لن ينسوه أبدا.
ووضع استطلاع مارس/اذار أحمد شفيق اخر رئيس للوزراء في عهد مبارك في المركز الثالث في مؤشر اخر على استعداد الناخبين لدعم أسماء مألوفة من الحرس القديم. ومع ذلك يخشى كثيرون من التكهن باي نتائج للجولة الاولى في 23 و 24 من مايو/ايار أو في الجولة النهائية الثانية المقررة في يونيو/حزيران.
وطعن سليمان والشاطر أيضا في قراري استبعادهما.
وأخطر الشاطر بعدم امكانية دخوله سباق الانتخابات الرئاسية بسبب ادانته في محاكم عسكرية في السابق لكن فريقه قال انه صدر قرار بالعفو عنه هذا الشهر وان التهم على أي حال كانت ملفقة في اطار حملة أوسع لقمع الاخوان المسلمين خلال ثلاثة عقود من حكم مبارك.
وللاخوان المسلمين مرشح اخر أقرت لجنة الانتخابات ترشيحه في انتظار ما اذا كانت سيتم تأكيد استبعاد الشاطر.
وأبلغت لجنة الانتخابات سليمان بأنه فشل في جمع توقيعات كافية في احدى المحافظات. وفي الطعن المقدم قال سليمان انه في الحقيقة حصل على التوقيعات الواحد والثلاثين التي تنقصه لكنه لم يقم بتسليمها بطريق الخطأ أثناء الاسراع بتقديم أوراق ترشحه بحلول نهاية المهلة في الثامن من ابريل/نيسان.
ووجد الجيش أرضية مشتركة مع الاسلاميين في الشهور التي أعقبت الاطاحة بمبارك في الوقت الذي هزت فيه مصر احتجاجات في الشوارع قادها ثوار ليبراليون ويساريون للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين على الفور.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الاول اكتسح الاخوان المسلمون انتخابات برلمانية فيما استنزف الزخم من حركة الشارع لكنه جعل حركة الاخوان المسلمين منافسا كبيرا للمجلس العسكري وحكومته المؤقتة التي لا تحظى بشعبية.
وتقول جماعة الاخوان المسلمين ان قرارها خوض انتخابات الرئاسة نابع من قناعة بأن البرلمان اداة اضعف مما يلزم لتحقيق أهدافها وان الجيش يتجاهل التفويض الشعبي الممنوح للبرلمان.
وفي الوقت الذي يدفع فيه تعثر الاقتصاد مصر بشكل أكبر الى حافة أزمة في ميزان المدفوعات دخل البرلمان والحكومة في خلاف بشأن قبول قرض طارئ من صندوق النقد الدولي من عدمه.
ويمضي الجيش قدما في خطته لتسليم السلطة الى رئيس دولة منتخب بحلول نهاية يونيو/حزيران ولكن مصر ما زالت بدون دستور جديد لتحديد قواعد ديمقراطيتها الوليدة.
وتلوح نذر أشهر من فراغ دستوري بعد أن علقت محكمة عمل لجنة تأسيسية كانت مكلفة بصياغة الدستور الجديد. وكان الليبراليون قد انسحبوا منها قائلين ان الاسلاميين يهيمنون عليها وانها لا تعكس التنوع في المجتمع المصري.
وحث رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير محمد حسين طنطاوي الطرفين الاحد على وضع الدستور قبل انتخاب الرئيس الجديد حتى يعرف رئيس الدولة على الاقل ما هي سلطاته السياسية لكن الاخوان رفضوا الاستعجال.
وقال عضو البرلمان من جماعة الاخوان عصام العريان ان رأي طنطاوي يخصه هو مضيفا أن امام البرلمان ستة أشهر لوضع الصيغة النهائية للدستور.
واذا رفض الطعن المقدم من سليمان فان محاولته قد تفيد عمرو موسى الوطني الليبرالي والوزير السابق الذي أثر ارتباطه بمبارك بالسلب على دعواه بأنه مدافع عن الديمقراطية المصرية.
واوشك موسى على الخروج من السباق في الاسبوع الماضي عندما وافق البرلمان على حظر مشاركة أي شخص في المنافسة كان قد خدم في حكومات مبارك في السنوات العشر الماضية. وتم شطب الوزراء السابقين من قائمة الممنوعين في وقت لاحق.
ونأى أبو الفتوح بنفسه عن جماعة الاخوان المسلمين لاستمالة مزيد من المصريين الليبراليين والاقباط الذين يشكلون نحو عشرة في المئة من السكان.
وفي حملته من اجل العدالة الاجتماعية واستعادة الامن قال انه سيدافع عن حق المواطنين في ان يأكلوا ويشربوا ويلبسوا ما يريدون.
ودفع ترشح سليمان الالاف من المصريين الغاضبين الى التظاهر في ميدان التحرير بالقاهرة الجمعة للمطالبة بخروج الرجل الذي عينه مبارك نائبا في الايام الاخيرة من حكمه من سباق الانتخابات والابتعاد عن المسرح السياسي.
ورأى البعض في قدرة سليمان على جمع أكثر من 30 الف توقيع بشكل سريع من ناخبين يحق لهم التصويت مؤشرا على ان كثيرين من المصريين يتوقون الى شخصية قوية يمكنها استعادة الاستقرار وبدء الاصلاح الاقتصادي.
واعتبر اخرون ان هذا يظهر أن الجيش ووزارة الداخلية القوية يشنان انقلابا مضادا لاجهاض ربيع الديمقراطية في مصر وهو رأي يناقضه فيما يبدو استبعاد سليمان يوم السبت.
وقال المرشح حمدين صباحي اليساري انه كان أمرا ايجابيا ان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية استبعدت بعض الاسماء التي ترتبط بالنظام السابق وهو ما ينقذ مصر والثورة والشعب من أزمة.
اترك تعليقاً