منذ يومين دونت في صفحتي بالتويتر [x] كلمة تحت العنوان المذكور، طرحت فيها ذات السؤال، جاء فيها: “الجواب، الشعب الليبي بناء على الإعلان الدستوري الذي نص على انتخاب هيئة لصياغة مشروع الدستور وفقاً للقانون الصادر عن السلطة التشريعية آنذاك، قامت الهيئة المنتخبة بعد ثلاث سنوات بوضع المشروع وأقرته بأغلبية 43 صوتاً من 44 ، وهذا المشروع بعد إقراره أصبح ملكاً للشعب الليبي سواء من شارك في وضعه أو لم يشارك، رضي به أو غير راض.
فهل تملك جهة أو مسؤول مهما كانت صفته وموقعه مصادرة هذا الحق الذي يجب اكتماله بطرحه على الاستفتاء، أو يظل هذا الحق قائماً ملكا للشعب الليبي؛ سواء من وافق عليه أو يعارضه، والجميع له حق التصويت بكلمتين: نعم، أو لا، وعلى من يتولى الأمر في البلاد أن ينفذ ذلك”.
أعدت نشر هذه التغريدة في صفحتي بالفيس بوك يوم أمس وعلقت على ذلك: “ما طرحته تضمن الفكرة؛ غير أنه يحتاج المزيد من التوضيح، ولكنني في مكان بعيد عن مكتبتي التي تضم المصادر والتشريعات التي تؤيد الفكرة وتعزز الرأي، ولهذا سأؤجل ذلك إلى حين عودتي والوقوف على مكتبتي فهي سلاحي وذخيرتي، فلا أجيد أي سلاح آخر، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
ذلك ما دونته في السابق، ولكنه صادف قبولاً من بعض المتابعين وتم التعليق عليه بعدة أفكار وملاحظات، وبعضهم قدم بعض الاقتراحات المفيدة، ومنهم من ينتظر مني الكتابة في هذا الموضوع، وهناك من تطوع وقام بتزويدي ببعض المعلومات التي تساعدني على معاودة الكتابة في هذا الموضوع، فلهم جميعاً كل الشكر والتقدير والاحترام.
وقد شعرت من خلال ذلك رغبة هذه المجموعة التي اطّلعتْ وعلّقتْ الحاجة الماسة للشعب الليبي في استقرار الأوضاع، والاتفاق على صيغة تنهض بالوطن، وتؤدي بالبلاد إلى الاستقرار، والبحث عن وسيلة تخرج البلاد من أزمتها الراهنة، والتخبط الذي تعيشه بين الأطراف المتنفذة والحلول المطروحة من الداخل والخارج، لقد مرت البلاد بفترة عصيبة شهدت خلالها العديد من التجارب، وخاضت في تنفيذ عدة اقتراحات قدمت إليها من جهات عديدة، اعتنقها البعض وسار وراءها، ولكنها لم تؤد إلا إلى بقاء البلاد في محلك سر.
لهذا يجب علينا أن نفكر في الحل الذي يؤدي بالوطن إلى بر الأمان، وينقذ البلاد مما هي فيه، فالحلول المطروحة من الداخل والخارج لا يمكن أن تؤدي إلى حل يسلم من النقد أو الاعتراضات القانونية والمادية، فالبلاد من الناحية القانونية؛ دولة قائمة ضمن المجتمع الدولي لها شخصيتها الاعتبارية، عضو في المنظمات الدولية، لها علاقات مع الدول والمنظمات الدولية، وعلى ذلك فإن أي حل يطرح لعلاج مشكلة ليبيا يجب أن يكون وفقا للقانون، وإلا سيؤدي إلى النتائج التي آلت إليها الاقتراحات السابقة.
هناك عدة حلول مطروحة تهدف إلى الخروج بليبيا من أزمنتها الراهنة، ولا أشك في حسن نية من يقول بها ولكن كل من يطرح أي حل لا بد أن يراعي مصالحه فيها وهذه من طبيعة البشر مهما كانت طريقة عمله وموقعه، وهذا ما جبل عليه الناس والحكومات أيضاً، وكافة الاقتراحات المقدمة لا يمكن أن تجد القبول من الكافة أمام هذا التشتت والانقسام المناطقي والفكري والسياسي.
اسمحوا لي أن أعود بكم إلى الدور الذي قام به ليون مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، فعندما صدر حكم الدائرة الدستورية في الطعن رقم 17 لسنة 61 قضائية، حضر إلى المحكمة العليا واستلم من رئيس المحكمة نسخة من الأحكام التي صدرت في تلك الجلسة، موقعاً عليها من خمسة عشر مستشاراً وبختم المحكمة العليا، خرج للإعلام وصرح بأن مشكلة ليبيا سياسية وليست قانونية، وهذا يعتبر تدخلاً في السلطة القضائية وفي الدولة أيضاً، وبموجب لوائح وتشريعات الأمم المتحدة لا يجوز له ذلك، ولكنه يهدف إلى قلب الموازين في البلاد وتبعه في ذلك البعض بوعي أو بدونه، فدخلت البلاد في خلاف سياسي، وانجرت إلى معارك وصراعات ومشاكل هي التي يهدف إليها ليون ومن ورائه.
انجر وراء ليون من يرغب في استمرار الخلاف وإشعال جدوته، حتى بعض رجال القانون انساقوا وراءه، وفسروا الحكم بأنه حكم سياسي دون دراسة جادة ومتعمقة، ناهيك عن وجوب احترام الأحكام القضائية!!، والحقيقة أنهم بيتوا النية، فالأحكام الأولى الصادرة عن ذات المحكمة كانت محل ترحيب وتأييد، أما الحكم الأخير فالسياسة هي التي كانت وراءه!!.
وإنني أتذكر، وأستغرب آنذاك، لماذا لم يتقدم مجلس النواب، وكذلك المؤتمر الوطني العام، والجهات التي طعنت أو تدخلت في الطعن، لماذا لم يتقدموا بطلب تفسير الحكم وفقاً لقانون المرافعات؟، ويقومون بطرح ما يشاؤون من أسئلة أو استفسارات حول الحكم المذكور، والسؤال يوجّه للقانونين الذين تلقوا الحكم وسارعوا بنقده واتهموا الهيئة التي أصدرته بأنها خضعت للأهواء السياسية؟ بل لماذا لم يقم أحدهم بتوجيه تلك الجهات إلى حقهم في تقديم طلب تفسير الحكم من المحكمة التي أصدرته؟، كل ذلك فاتهم لأن النية ـ فيم يبدو – اتجهت رأساً إلى النقد دون دراسة الحكم وأسانيده.
إن الرأي الذي قال به ليون [ممثل الأمم المتحدة] عقب صدور الحكم المشار إليه؛ كان محل دراسة في كلية القانون بجامعة طرابلس، منذ أشهر خلت، قدمتها طالبة ليبية تحت إشراف الأستاذ الدكتور عادل كندير تناولت فيها تصريح ليون ومدى اتفاقه مع تشريعات الأمم المتحدة وصلاحياتها في التدخل بشؤون الدول وما هو الإطار المسموح في ذلك، ودون بيان التفاصيل فقد انتهت إلى أن تدخل ليون كان مخالفاً لتلك التشريعات، فالحكم صدر عن هيئة قضائية رسمية مستقلة لا يجوز التدخل فيها، وهي بمنأى عن الأمم المتحدة وغيرها.
طار الجميع حول تفسير ليون، وأصبح يغرد بأن الخلاف كان سياسياً، وبذلك دخلت البلاد في دوامة لم تخرج منها إلى الآن، وتربعت السلطة التشريعية [مجلس النواب] على عرش البلاد، بإصدار التشريعات والقوانين واللوائح التي لم تفلح في إصلاح البلاد واستقرارها، وتدخلت في السلطة القضائية وداست على المبادئ والقواعد التي رسّخها القضاء طيلة السبعين سنة الماضية، بل مخالفة المبادئ التي أقرتها المحكمة العليا التي تعتبر أول محكمة دستورية في الوطن العربي [فليراجع المرتاب].
إن مبدأ استقلال القضاء والفصل بين السلطات مقرر في كافة الوثائق الدستورية التي صدرت في ليبيا من دستور 1951م، إلى الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011م، ومن أهم المبادئ الراسخة: الرقابة الدستورية على التشريعات، ولكي تكتمل حلقة السيطرة على كافة مقدرات البلاد، وتحقيق الغاية التي يهدف إليها من لا يريد استقراراً للوطن الذي ثار ضد الأوضاع السابقة، لا بد من تحصين السلطة التشريعية من أي رقابة أو سلطة عليها، وبذلك قامت الجمعية العمومية للمحكمة العليا سنة 2016م بإصدار قرار بتأجيل البت في الطعون الدستورية، واستمر ذلك حتى سنة 2022م، وبذلك أصبحت القوانين والقرارات التي تصدرها السلطة التشريعية وغيرها بمنأى عن الرقابة الدستورية التي يوجبها الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات، وانطبق عليهم المثل [فقد خلا لك الجو فبيضي ونقري].
وفي غياب الرقابة الدستورية دخلت البلاد في دوامة من المشاكل التي استعصت عن الحل فلا التشريعات التي أصدرها مجلس النواب أو غيره من الهيئات الحاكمة أدت إلى استقرار البلاد؛ ولا وجود للرقابة الدستورية التي تبسط رقابتها وتصحح الأخطاء أو تعيد الأمور إلى نصابها، وأصبحت الدولة مرتعاً للدول الأخرى وسفرائها وجيوشها، ناهيك عن مخابراتها الواضحة والخفية، ولا حل جدي وقانوني مطروح لعلاج هذه الحالة والنهوض بالبلاد للاستقرار.
ونعود الآن للدستور الذي أنادي بطرحه للاستفتاء، والأسانيد القانونية التي تؤيد ذلك، تنص المادة 30 من الإعلان الدستوري، في الفقرة 12 على ما يلي: [بعد انتهاء الهيئة التأسيسية من صياغة مشروع الدستور، يطرح مشروع الدستور للاستفتاء عليه؛ بـ نعم، أو لا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ اعتماده، وإذا وافق الشعب الليبي على المشروع بأغلبية ثلثي المقترعين، تصادق الهيئة على اعتباره دستوراً للبلاد، ويحال إلى مجلس النواب لإصداره، وإن لم تتم الموافقة عليه؛ تقوم الهيئة بإعادة صياغته وطرحه مرة أخرى على الاستفتاء خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء الأول].
بموجب هذا النص الذي لم يتعرض للإلغاء أو التعديل، وهو واجب التطبيق، تظل الهيئة التأسيسية قائمةً إلى حين انتهاء الإجراءات النصوص عليها والمدة المقررة فيه، ولهذا فكل ما يطرح من مشاريع محلية أو دولية؛ لا يمكن القيام بها إلا إذا كانت مطابقة للإعلان الدستوري، فإذا تعارضت معه فلا جدوى منها؛ لأنها ستكون عرضة للطعن والنقد، وبالتالي سيستمر الخلاف قائماً، والصراع مستمراً، والتضارب بين المصالح للجهات المتنفذة هو السائد في البلاد.
إن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 17 ديسمبر 2015م، والذي تم ضمه للإعلان الدستوري، قد أقر بوجود مشروع الدستور، جاء في ديباجته: إن المشاركين في الحوار السياسي الليبي، وإذ يستجيبون لحاجة مؤسسات الدولة الشرعية لترتيبات واضحة لإدارة الشؤون الليبية لحين إقرار وإنفاذ الدستور الليبي، وجاء في الفقرة 2 من المبادئ الحاكمة: [الالتزام الكامل بالإعلان الدستوري والعملية السياسية المبنية على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة].
ونصت الفقرة 3 على [الالتزام باحترام مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية] وتأكيداً على أهمية الدستور؛ كما نصت الفقرة 4 على: [الالتزام بأهمية صياغة دستور دائم لليبيا يلبي طموحات الشعب الليبي وآماله نحو بناء دولة المؤسسات القائمة على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان] ولست في حاجة إلى ذكر بقية نصوص الاتفاق السياسي التي تؤكد على وجود مشروع الدستور وحاجة البلاد إليه، وذلك في المادة 12، والمادة 18 والمادة 82 ، والمادة الأولى من الأحكام الانتقالية.
إن كل النصوص السابقة تشير بوضوح إلى ما يجب على الدولة بوضعها الراهن أن تقوم به، وخارطة الطريق واضحة من خلال التشريعات المقررة في السابق، وليست ليبيا في حاجة إلى نظريات وآراء وتدخلات خارجية، والطريق واضحة لكل باحث عنها إذا أراد التماسها في النظام القانوني القائم في البلاد، أما من رغب في البحث عنها لدى سفراء الدول، أو الأمم المتحدة؛ فهو واهم، فالأمم المتحدة لو أرادت استقرار ليبيا لما عدمت الوسيلة لذلك.
ختاماً أيها القارئ الكريم، إن الحل الذي أنادي به وبالإمكان تطبيقه؛ هو طرح مشروع الدستور للاستفتاء، باتباع الخطوات التي نص عليها الإعلان الدستوري في المادة 30، فقد يوافق عليه، وقد لا ينال الموافقة ويعاد للهيئة، والذين يعارضون المشروع ولم يشتركوا فيه، لهم حق المشاركة وإبداء رأيهم بكل حرية ورأيهم محل احترام وتقدير، وأنا على يقين بأن الأمر ليس سهلاً، ولكن ركوب الصعب خير من الدوران في حلقة مفرغة.
إن ما كتبته لا أقصد من ورائه إلا خدمة وطني فقط فأنا مواطن عادي، ولست منخرطاً في أي تنظيم سياسي، وواكبت مسيرة البلاد في الجوانب القانونية وكتبت عنها في مؤلفاتي وفي بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بحكم خبرتي في السلك القضائي، ومن خلال العمل في المحاكم والمشاركة في الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية لمدة ثلاثة عشر عاماً قبل التقاعد، مع التدريس الجامعي، لذلك رأيت الإسهام في خدمة بلادي في هذا الميدان، بوجود دستور للبلاد، والمسيرة المتعطلة في ذلك، على أمل إنقاذ الوطن من الواقع الذي هو فيه، واستقراره في مستقبل الأيام، والله على ما أقول شهيد والحمد لله رب العالمين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً