في مكالمة هاتفية تحدث صاحبي عن الأبناء وشاركته الرأي والحديث والهموم، كان صاحبي يأنُّ من صعوبة تربية الأولاد وحدود الآباء في تربية أبنائهم أي أين يقف الأب وما هو خط النهاية التربوي الذي يقف عنده الأب ولا يتجاوزه وإن كره خلق من ابنه أو ابنته؟ كان حديثا قيّما تبادلنا فيه وجهات النظر حول الأبناء والتغيير الكبير الذي حدث ويحدث في نمط وأسلوب الحياة وتأثير هذا التغير على الأبناء مما جعل الأمر صعبا ومؤرقا وليس سهلا على الآباء.
مع التقدم السريع والمذهل في وسائل الإتصال الإجتماعي ولكن بقدر ما فيه من فائدة بقدر ما جلب معه من متاعب ومصاعب لا تحصى على الأسرة عموما وعلى الأسرة العربية والمسلمة خاصة لأن كلاهما يرتبط بمبادئ ثابتة أقول لا تتغير وإن تغيرت وتغير الناس من حول هذه المبادئ فهي مبادئ إجتماعية ورثناها أب عن جد قبل الإسلام وتجددت وزادت رسوخا وشموخا بعد الإسلام فنحن نختلف عن بقية الأمم من حيث الثوابت من الناحية النظرية لأن الواقع مختلف ولكن الخلل فينا وليس في مبادئنا وثوابتنا فهي تستمد قوتها من الخالق جل جلاله فنحن لدينا دستور حياة رباني لا يخطئ البتّة ولكننا في الغالب إخترنا غير ذلك وهو التخلّي عن هذه الثوابت وإن رفضنا ظاهرا أو تجاهلنا ما بنا من علل فمجتمعاتنا العربية والإسلامية مليئةٌ بالمتناقضات والعقد والمشاكل النفسية والإجتماعية ولكننا نتجاهل ذلك غير آبهين لا بالإهتمام ودراسة المشاكل ولا بإيجاد الحلول لها؟! ولذلك تجد مجتمعاتنا ودولنا في دوامة الحياة أي ندور في مكان واحد حول أنفسنا منذ عقود أفرادا وجماعات ودول؟؟؟
إن الحديث عن الأبناء موضوع مهم لأنهم جزء رئيسي في بناء المجتمعات فإذا أصابهم خلل تربوي تأثرت الأسرة وانتقل هذا التأثير السيء إلى المجتمع بأسره، لقد اتسعت الهوّة بين الآباء والأبناء وأصبحت ملفتة للنظر في ظل وسائل الإتصال الحديثة وفقدت الأسرة في المقابل دورها حتى صارت الحلقة التربوية الأضعف بين الحلقات القوية المتمثلة في وسائل التواصل الحديثة فالشبكة العنكبوتية أصبحت في يد كل طفل صغير وكبير حيث يقضي الأطفال الساعة تلو الأخرى تصفحا لمواقع مختلفة لا يستطيع الإنسان حصرها تحمل بين طيّاتها الكثير من المعلومات التي عادة ما تكون موجهة لتحقيق أهداف معينة لتغيير عقول الناس وبالأخص الأطفال والشباب وتغيير مجتمعات بأسرها وما نحن عن ذلك ببعيد.
مع مرو الزمن على انتشار الأجهزة الإلكترونية أصبح دور الأسرة يتقوقع ويكاد ينعدم فبعد إن كان الأب والأم قدوةً لأبنائهم من حيث احترام النفس والآخرين والخلق الحسن والأدب في الحديث والتعامل وتقدير العم والخال والعمة والخالة والجار وبقية أفراد المجتمع ليختلف الواقع الآن ويضمحل هذا الدور لتحل محله أجهزة يقتنيها الطفل والشاب أو تُقتنى له ليجلس طويلا بين يديها يضيّع وقته لعبا ولهوا لا طائل منه حيث تؤثر البرنامج في هذه الأجهزة على اضطراب شخصية الطفل وتستخف وتساهم في توجيه عقل وطريقة تفكير الشباب فهذه الألعاب أعدت من قبل متخصصين لتغيير العقول، فعن طريق بعضا من هذه الألعاب من السهل التعرف على أشياء وعناصر مهمة في شخصية الذي يلعب إذا كان أنانيا، يحب نفسه، غير متعاون، من خلال الألعاب يستطيعون التعرف على تفكير الإنسان فعلى سبيل المثال هل إذا تعارضت مصلحته مع مصلحة المجتمع أو الدولة أيهما يُقدّم وبالتالي قد تستخدم هذه الألعاب في اختيار قادة يتصفون بالأنانية وحب الذات يقدّمون مصالحهم على مصالح مؤسساتهم وأوطانهم ففي بلداننا قد يتم إعداد قادة المستقبل من الأطفال والشباب عن طريق هذه الألعاب هذا الجيل الموجه لا قيمة للوطن عنده فحينها تباع أوطاننا في سوق النخاسة، إن اللاعب الذي يحب نفسه يبيع وطنه ومستعد للتضحية بكل شيء إذا ما تعارضت المصالح.
لقد أصبحنا لا دور لنا في ثقافة أبنائنا إلى الحد الذي أصبحت فيه ثقافتنا غريبة في بيوتنا أصبح من يثقف ويغذي أولادنا بالأفكار وأسلوب وطريقة الحياة هم الغرب المسيطرين على سوق الألعاب والإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وأصبحت خلفية أبنائنا الدينية والأخلاقية والإجتماعية ثقافة غربية بامتياز فانظر إلى مجتمعاتنا كمثال على ذلك إلى: اللباس، الحديث، الإذاعات، العبارات اللغوية التي نستخدمها، أسماء المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، لقد تغير أسلوب حياتنا وصرنا تُبّعا نقلد الغرب مثل الحيوانات والطيور لا نملك ثقة في أنفسنا ولا نعير اهتمانا لتراثنا الغني يا أسفى!!!
هناك دراسات عديدة توضح نتائجها تأثير الإستخدام السلبي المفرط لوسائل التواصل على التفكير، الدماغ، السلوك، العزلة، الإنطواء، التكيف مع الآخرين، الإختلاط، وقد يصل الأمر للإصابة بإعاقة عقلية وغيرها كثير يجب الإنتباه ومعالجة الأمر بحكمة فالوقت ليس الوقت والزمن غير الزمن.
ومن واجب الأسرة أن تعلّم أبنائها أننا نحرّم كل من الزنا، اللواط، التخنث، تشبه الأنثى بالذكر والذكر بالأنثى، التعرّي، الخمر، المسكّرات، الغش، الكذب، السرقة، الغيبة وغيرها من المظاهر السلوكية الهدّامة، إن تعليم أبنائنا حرمة هذه المظاهر السلوكية الخاطئة المشينة واجب على الآباء لا تهاون فيه، واعلموا أن التهذيب بالأفعال خير من التأديب بالأقوال.
أعود من حيث بدأت لحديث صاحبي قائلا إن دور الآباء مع أبنائهم ليس له حدود حتى وإن كفر الإبن ويهون كل أمر دون ذلك، نعرف أن الأمر ليس سهلا وفي هذا الوقت بالذات الأمر يحتاج إلى صبر وتقوى وثقة وأمل وعمل مستمر، يضعف، ولكنه أي عمل الأب والأم وأملهما مع أبنائهم لا يموت وإن كانت النتائج ليست كما نحب لأننا نملك العمل والتوجيه والتربية والصبر على الأبناء، ولكننا لا نملك وغير مسئولين في العموم عن النتائج.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً