بعد فجر هذا اليوم، وبينما كنت أتريض على الشاطئ، تذكرت حادثة قديمة لم تفارق ذاكرتي، حدثت على شاطئ الليدو في طرابلس قبل عقود، كنا أطفالًا نلعب ببراءة على الرمال، وأتذكر كيف ركضت خلف قريبتي، التي وطئت على قطعة من الزجاج المكسور، فتناثر الدم من قدمها الصغيرة، حينها، تحملت اللوم من جميع الأقارب الحاضرين، بينما أفلت الجاني الحقيقي الذي ألقى بتلك الزجاجة على الشاطئ وتسبب في كل هذا الألم.
واليوم، وأنا أتريض على الشاطئ، شعرت بالألم نفسه وأنا أشاهد أكوام القمامة والزجاج والقنينات البلاستيكية والزجاجية المنتشرة في كل مكان، قطع الخشب المليئة بالمسامير الصدئة ملقاة هنا وهناك، لتتكرر قصص يفلت فيها الجاني المجهول من العقاب.
التلوث لا يقتصر على الإصابات والجروح، بل يمتد ليشوه جمال الشواطئ، محولًا إياها من مساحات طبيعية خلابة إلى مناظر قبيحة بفعل الإنسان، الزجاج المكسور، القنينات البلاستيكية، والأخشاب المتناثرة تخلق تلوثًا بصريًا يضر بمتعة المصطافين، ويشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة، المواد البلاستيكية تتحلل ببطء وتطلق سمومًا تؤثر على الحياة البحرية، كما تنتقل الأكياس البلاستيكية من الشاطئ إلى أعماق البحر، مما يهدد الكائنات البحرية ونظمها البيولوجية وقد يصل إلينا عبر السلسلة الغذائية، هذا بالإضافة إلى نفايات وقود بعض البواخر التي تترك بقعًا سوداء على الشواطئ، مضاعفة الأضرار البيئية والصحية.
من السهل أن يلوم المرء المصطافين على التلوث الذي يشوه شواطئنا، ورغم صحة هذا القول جزئيًا، إلا أن قائمة المسؤولين عن هذا التلوث طويلة.
البداية تكون من الحكومة التي تحتاج إلى خطط فعالة لمكافحة هذه الظاهرة، هذه الخطط تتطلب حلاً مستدامًا يبدأ من التوعية في البيت والتعليم في المدارس، مرورًا بوسائل الإعلام والمساجد، يجب أن تكون هناك حملات توعية متكاملة تشمل جميع فئات المجتمع، وتشجع على العمل التطوعي عبر مؤسسة قوية يقودها أفراد يؤمنون بأهمية العمل التطوعي وتأثيره.
كما يجب تفعيل دور شركات الخدمة العامة ومؤسسات حماية البيئة، بالتعاون مع الشركات والمصانع التي تسهم مخلفاتها في هذا التلوث، ينبغي على هذه المؤسسات تحمل مسؤوليتها البيئية، وتبني سياسات إنتاج تأخذ في الحسبان هذه الظاهرة.
بالإضافة إلى كل ذلك، يقع على عاتق البلديات دور حيوي في حماية الشواطئ التي تقع ضمن نطاقها، يجب عليها تطوير وتنفيذ برامج وخطط تسهم في الحفاظ على نظافة الشواطئ، بالتعاون مع مؤسسات الدولة والمصايف والمجتمعات المحلية القريبة من الساحل، يمكن تحقيق ذلك من خلال تخصيص ميزانيات محددة، وفرض نظام جباية تنفق عوائده على جهود تنظيف وحماية الشواطئ، كما ينبغي أن تشتمل هذه الخطط على اشتراط توفير أكياس قمامة للمصطافين، وتحديد أماكن مخصصة لرميها، وضمان وجود نظام فعال لتجميع النفايات بشكل منتظم للحفاظ على نظافة وجمال الشواطئ.
ولا يمكن إغفال أهمية التشريعات والقوانين في حماية البيئة، فهي تشكل الإطار القانوني الذي يلزم الجميع باحترام الشواطئ والحفاظ على نظافتها، لذا ينبغي أن تكون هناك قوانين صارمة تنظم التعامل مع النفايات ومخلفات المصانع والشركات، وتحدد عقوبات رادعة للمخالفين، فرض الغرامات على من يلقي القمامة في البحر أو يلوث الشواطئ يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من هذه التشريعات.
دور الحرس البلدي والمسؤولين عن حماية البيئة حيوي في تنفيذ هذه القوانين على أرض الواقع، فعليهم أن يتمتعوا بالصلاحيات اللازمة لمراقبة الشواطئ وضبط المخالفات، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد من ينتهك القوانين البيئية، وجود رقابة فعالة ومستدامة يضمن التزام الجميع بالقواعد، ويسهم في حماية البيئة البحرية بشكل أفضل.
باختصار، يجب أن تتضافر جهود الجميع، من الحكومة إلى الأفراد، لتحقيق شواطئ جميلة ونظيفة من جديد، لأن حماية البيئة البحرية هي مسؤولية مشتركة تتطلب التزامًا مستدامًا من جميع الأطراف.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً