تدهور الخطاب الدبلوماسي في أميركا اللاتينية، حيث “هاجم الرؤساء بعضهم البعض بوابل من الإهانات التي قد تبدو تافهة على المسرح العالمي، لكنها من الممكن أن تلعب دورا في الداخل، خاصة في ظل قواعدها الأيديولوجية”، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
والعام الماضي، اشتبك الرئيس اليساري لكولومبيا، جوستافو بيترو، مع نظيره السلفادوري اليميني، نجيب بوكيلة، إذ اتهم بيترو بوكيلة بإدارة السجون في بلاده كـ “معسكرات اعتقال”، فيما سلط بوكيلة الضوء على مزاعم الفساد ضد نجل بيترو.
كذلك، تشاجر الرئيس الأرجنتيني اليميني، خافيير مايلي، مع بيترو، ووصفه مؤخرا بأنه “إرهابي قاتل”، مما دفع بيترو إلى طرد الدبلوماسيين الأرجنتينيين من بلاده قبل أن تتم إعادتهم.
كما دخل مايلي في صراع مع الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، واصفا إياه بـ “الجاهل”، حسب “نيويورك تايمز”.
والأسبوع الماضي، داهمت قوات الأمن الإكوادورية سفارة المكسيك بالعاصمة كيتو، في عملية أثارت أزمة دبلوماسية بين البلدين، لتوقيف نائب الرئيس الإكوادوري السابق خورخي غلاس، الذي لجأ إليها.
وغلاس الذي سبق أن أمضى عقوبة سجن بتهم فساد، مطلوب بموجب مذكرة توقيف بتهمة اختلاس أموال عامة مخصصة لإعمار مدن بعد زلزال مدمر عام 2016.
وتسببت عملية اقتحام السفارة بأزمة سياسية مع المكسيك وعدد من الدول الأميركية اللاتينية وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، ودان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عملية الدهم باعتبار أنها “انتهاك لاتفاقية فيينا لعام 1961” التي تعنى بالعلاقات الدولية.
وقالت المكسيك، التي قطعت العلاقات الدبلوماسية وسحبت طاقم سفارتها من الإكوادور، إنها تعتزم إحالة قضية اقتحام سفارتها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وقالت وزارة الخارجية المكسيكية، إن النزاع بين المكسيك والإكوادور ظهر لأول مرة في ديسمبر الماضي، عندما سمحت سفارة المكسيك في الإكوادور لغلاس بالبقاء هناك، بعد أن تم الترحيب به “كضيف”.
ثم أثار رئيس المكسيك لوبيز أوبرادور غضب الإكوادور، عندما شكك علنا في شرعية انتخاباتها الرئاسية، مما دفع حكومة الرئيس دانييل نوبوا، إلى طرد السفير المكسيكي.
ودافع نوبوا عن قرار توقيف غلاس، ووصفه بأنه “مجرم”، وأشار إلى الأزمة الأمنية المتزايدة في البلاد، لتبرير هذه الخطوة.
لكن منتقديه قالوا إن ذلك كان “أحد أفظع الانتهاكات لاتفاقية فيينا منذ إبرامها عام 1961″، معتبرين أن “الدافع شخصي أكثر، وهو الأجندة السياسية لنوبوا”.
وغرقت الإكوادور في مستويات قياسية من العنف، فيما كان يحرص نوبوا، الزعيم الشاب من يمين الوسط، على اتخاذ موقف صارم تجاه الجريمة، إذ إنه على بعد أيام فقط من إجراء استفتاء وطني، والذي، في حالة الموافقة عليه، سيمنحه صلاحيات جديدة واسعة النطاق لمعالجة انعدام الأمن، وربما يساعده على إعادة انتخابه العام المقبل.
ووصف نوبوا مداهمة السفارة وتوقيف غلاس بأنها “وسيلة لإظهار أنه يعمل جاهدا لملاحقة المتهمين” بارتكاب جرائم في بلاده.
لكن، كما يقول العديد من المحللين، فإن قرار حكومة الإكوادور باقتحام السفارة المكسيكية لديها بالقوة، هو من “الأمثلة الصارخة للسياسات الخارجية التي تحركها المصالح الشخصية”.
وقال دان ريستريبو، الذي شغل منصب كبير مستشاري الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، لشؤون أميركا اللاتينية، إن “السياسة الخارجية لم تكن نقية قط”، مضيفا: “إنها غالبا ما تكون مدفوعة بمصالح سياسية محلية أو شخصية”.
وتابع: “لكن في الأميريكيتن كان هناك بالتأكيد زيادة في وتيرة (المصالح) الفردية خلال السنوات الأخيرة”.
وبدا اقتحام الإكوادور لسفارة المكسيك وتوقيف غلاس متناقضا مع سماحها لمؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج، بالتحصن لمدة 7 سنوات في سفارتها لدى لندن.
وأسانج متهم بانتهاك قانون التجسس الأميركي بنشر ويكيليكس لوثائق عسكرية ودبلوماسية سرية. وسُمح له بدخول سفارة الإكوادور لدى لندن من قبل رئيسها في ذلك الوقت، رافائيل كوريا، وهو يساري كانت له علاقة عدائية مع الولايات المتحدة.
لكن بعد ذلك تولى الرئيس لينين مورينو منصبه في الإكوادور، الذي سعى إلى بناء علاقات أكثر دفئا مع الولايات المتحدة، وقد سمحت حكومته بتسليم أسانج في نهاية المطاف.
ولا يزال مؤسس ويكيليكس رهن الاحتجاز في بريطانيا، ويكافح من أجل عدم تسليمه إلى الولايات المتحدة.
وعلى صعيد متصل، تقول الشرطة في الإكوادور إن أقوى عصابات المخدرات في المكسيك، هي من تمول صناعة تهريب المخدرات المتضخمة التي غذت العنف والموت في الدولة اللاتينية.
وقال المحلل السياسي الإكوادوري، أجوستين بوربانو دي لارا، إنه إذا كانت حكومة نوبوا “تريد حقا مواجهة الجريمة المنظمة، فإن ما ينبغي لنا أن نحققه هو تعاون أوثق مع المكسيك، وليس هذا المأزق الدبلوماسي معها”.
اترك تعليقاً