لم نتفاجأ بتعاطف مليشيات أحزاب الإله في بنغازي ( كسرايا السحاتي ) مع مثيلاتها الجهوية في غزوة بني وليد التاريخية . فالعقليات المليشياوية تتعاطف مع بعضها البعض ، والسبب ، أو قل الداء واحد ، وهو التطرف ، فيستند في الجانب الأول إلى الدين وفي الجانب الثاني إلى الجهة أو القبيلة أو العائلة أو المذهب أو العرق .. والنتيجة في جميعها مرعبة ، هو النظر للآخر أو المختلف أو المخالف على أنه أقل من البهائم ولا يستحق الحياة أصلاً ، ولذلك تجد مقولات ( يستاهلها الكلب ) أو يستاهلوها الكلاب ) رغم أن حتى الكلب له حقوق ولا يجوز الاعتداء عليه ، وتصبح مصطلحات كدولة القانون وحقوق الإنسان دلالة على الخيانة والنفاق والجبن.
وهنا يجب أن نشير إلى شيء مهم يغفل عنه الكثير ، وهو زيف مقولة أن جميع الليبيين ثاروا !!! فلو أن جميع الليبيين ثاروا على الظلم لكنا مدينة الله على الأرض . ولكن الحقيقة أنه لا جميع و لا أكثرية الليبيين ثاروا ؛ لأن الثورة تعني القيام على الظلم لأنه ظلم ، بغية قيام العدل وترسيخه وتطبيقه ، ولو كان على حساب الثائر ، لذلك يرى العديد أن عمر بن عبد العزيز ثائر.
وهذا له أصل في الإسلام ، حث يقول تعالى: “وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّتَعْدِلُوا اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”.
فمن ثار من الليبيين ولو بالكلمة من أجل هدم الظلم وإقامة العدل والمساواة ودولة القانون والشفافية هم قلة قليلة ؛ ولذلك كان من خرج أيام 15 إلى 17 قلة قليلة مقارنة بمن خرج بعدها .أما الأكثرية فقاتلت أو تظاهرت أو صدحت بالكلام أو بالأقلام لأسباب أخرى مختلفة كالانتقام أو اللحاق بركب الناس أو لجهوية أو قبلية حركته أو لغنيمة أو لتطبيق أيدلوجية معينة أو أو أو .. ولذلك يستغرب العديد عندما يرتكب من ادعوا أنهم ثوار أفعالاً كأفعال الظلمه !!! وهذا استغراب مرده تلك الجملة الزائفة ( كل الليبيين ثاروا ) . نعم فعقلية هؤلاء لا تكاد تختلف في شيء عن عقلية أي دكتاتور أو إقصائي ، فالحرية والعدل لهم هم فقط ، وأموال الدولة غنائم لهم ، وهم سدنة الثورة وحماتها ولن يتركوا السلاح ولن يفككوا عصاباتهم المسلحة إلا بعد أن يقيم لهم الشعب دولة ( على مزاجهم ) وبشرط أن يكونوا هم حماتها.
فأغلب هذه المليشيات المسلحة وحواريوها هم عينهم من عناهم أرسطو قبل 2300 سنة بقوله: “…لا يخجل الناس من التصرف مع الآخرين بطرق ربما يرفضون الاعتراف ، بينهم وبين أنفسهم ، بأنها عادلة ، أو حتى أخلاقية ، في شؤونهم الخاصة . وبينهم وبين أنفسهم هم يريدون سلطة تستند إلى العدالة ، ولكن حين يتعلق الأمر بالآخرين ، يتوقف أي اهتمام لهم بالعدالة”.
طبعاً الشرعية والدولة لدى هذه المليشيات (كالصلصال) تتشكل حسب الطلب .. فمثلاً في قضية عبد الفتاح يونس أحيلت القضية إلى النيابة العسكرية ، التي حققت فيها ، وأصدرت أوامر قبض بحق متهمين بأسمائهم ، إلا أن مليشيات وكلاء الله في أرضه رفضت هذا القرار ، في حين أيدت هذه المليشيات قرار المؤتمر الوطني رقم 7 ( اللاشرعي ) بالقبض على أشخاص بدون أسماء وبدون تحقيق وبدون نيابة وبدون أدنى منطق ، لماذا ؟ قالت ( أحزاب الله ) لأن ذلك تنفيذ لشرعية الدولة!!!
نعتقد بأن ليبيا ينقصها رجال دولة ، يكونوا على استعداد للتضحية بأنفسهم في سبيل القضاء على هذه المليشيات المسلحة وحوارييها ، لأن هذه العصابات المسلحة لن تتنازل عن مكاسبها ببساطة ، فالسلطة مع المال وعدم المحاسبة كفيلة بقلب أكثر الناس زهداً وورعاً إلى دكتاتور ، فما بالك بأشخاص من خلفيات مليشياوية عصبوية لا مبادئ ولا روادع لها من دين أو أخلاق.
ليبيا بحاجة لرجال دولة يستوعبون أعداء الثورة قبل أنصارها ، لأن الولاء للدولة لا يكون بالجنسية أو الأناشيد والأغاني ، بل بالشعور بأنها عادلة قوية على الظالم والمستكبر رفيقة بالضعيف والمظلوم قادرة على صيانة الحقوق وحمايتها من الاعتداء … الولاء للدولة يكون بالقيام بالالتزامات تجاهها قبل المطالبة بالحقوق منها ، ليبيا بحاجة لجيش وجهاز أمن دولة عصري ومهني وليس عصابات ومافيات اسلاموية وجهوية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
أصبت عين الحقيقة سيد سالم